رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زيارات الرئيس فى الميزان


العلاقات الخارجية تقوم على أساس الموقف الداخلى، فالدول تبنى علاقاتها مع قيادات قوية مستقرة داخليا.

تعرضت زيارات رئيس الجمهورية الخارجية لانتقادات كثيرة سواء من حيث الشكل أو من حيث النتائج، وربما كانت الزيارة الأخيرة إلى الاتحاد الروسى أحد الأمثلة الواضحة لذلك، سواء من حيث أسلوب الاستقبال أو من حيث النتيجة، ورغم أنه لا بد من الاعتراف بحسن النية وربما صحة الاتجاه، فإنه من الواضح أن التحضير للزيارة وتوقيتها لم يكونا موفقين، بل وغير صحيحين.

صحيح أن الاتجاه إلى توسيع هامش المناورة مطلوب، وأن ذلك يكون بالاتصال بدول أكثر وتنويع الاتجاهات شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، ولذا فإن الوصول إلى علاقات أفضل مع الصين وإيران وروسيا أمر مطلوب، كما أن تدعيم العلاقات مع السودان والدول العربية عموما ضروري، لكن ذلك يرتبط بأمور كثيرة أولها أن العلاقات الخارجية تقوم على أساس الموقف الداخلى، فالدول تبنى علاقاتها مع قيادات قوية مستقرة داخليا، أما إذا كانت البلاد مضطربة وتسودها حالة من عدم الرضا فلا ننتظر كثيرا من الدول الأخرى، وهكذا فإن التعاون مع القوى الداخلية ضرورى لنجاح العلاقات الخارجية، كذلك فإن تحضير أجهزة الدولة المسبق للزيارة أحد العوامل الحتمية لنجاح أهداف الزيارة.

يبدو أن رئيس الجمهورية مصر على أن يعتمد على قدراته الشخصية فى تحقيق ما ينشده، وأنه يعتبر نفسه قائدا لثورة، وليس رئيسا للجمهورية فقط، ولذلك فإنه يتصور أنه سيجد الأبواب مفتوحة، وسيجد استعدادا كبيرا لتلبية مطالب مصر، وللحقيقة فإن هذا أسلوبه فى تناول القضايا الداخلية المستعصية كما هو فى معالجة العلاقات المصرية الخارجية، الأدهى أنه رغم رؤيته بعينيه أن هذا الأسلوب لم يحقق الهدف المطلوب، فإنه ما زال مصرا على اتباع نفس الأسلوب سواء داخليا أو خارجيا، أى أن الأمر أصبح أحد مكونات الشخصية ولم يعد قابلا للإصلاح أو التعديل.

بالنسبة للعلاقات الخارجية لا بد من أن نضع فى الاعتبار أن مصر فى العقود الأخيرة اعتمدت على الغرب عموما والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا بشكل كبير، وأعتقد أنه كان مقصودا من السادات حيث كان يعتقد أنه يستطيع أن يحصل على مما يشابه مشروع «مارشال» الذى قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لأوروبا فى نهاية الحرب العالمية الثانية بعد عام 1945، وكان فى ذلك سوء تقدير من السادات، ولم يكن الرئيس السابق حسنى مبارك قادرا على تدارك الخطأ وبالتالى تعديله، وأظن أن الوزارات المتتالية فى تلك الفترة لم تستطع، وربما لم ترد، أن تغير المسار، وهكذا أصبحت الإرادة المصرية مكبلة بقيود الاعتماد الزائد على الخارج عموما، وعلى الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية خصوصا، إن هذا الوضع يتطلب معالجة حساسة للفترة الانتقالية حيث يقل الاعتماد على الخارج وعلى الغرب تدريجيا، ويزداد الاعتماد على النفس أولا، ثم تفتح مجالات جديدة للحصول على ما نحتاجه. وهنا فإن الانتقال من حال إلى حال يحتاج إلى هبوط ناعم نحاول فيه عدم قطع الاتصال بما هو قائم، مع فتح أبواب جديدة ضرورية للمستقبل، أما الانتقال الخشن من حال إلى حال فإنه يجعل الجديد يمكن أن ينظر إلينا بعين الريبة والشك فلا يستجيب لتطلعاتنا، بينما يشعر من اعتمدنا عليهم فترة طويلة بالاتجاه فيسعون إلى الضغط علينا للمحافظة على وضعهم فنجد أنفسنا لم نحافظ على الواقع ولم نفتح بابا للمستقبل، ويصبح هذا الوضع مهما فى الظروف الدولية القائمة والتى لا تتسم بالاستقطاب الحاد الذى كان موجودا خلال فترة الحرب الباردة، والتى كانت تشجع أحد الأقطاب على المخاطرة من أجل ضم جديد إلى أصدقائه.

كذلك فإن الوضع الإقليمى والقومى يختلف عن فترات سابقة، فرغم أن دولا عربية وإقليمية كثيرة كانت خاضعة للنفوذ الغربي، بل والاحتلال الأجنبى، فإن الدعوة القومية كانت تجد رواجا، وكانت جامعة الدول العربية تشكل رابطا للدول العربية، وكان كثيرون يخشون افتضاح أمرهم فيجارون الدعوة التحررية، ويعملون على رضاء مصر الشقيقة الكبرى. وللأسف فإن الوضع العربى أصبح يتسم بالتشتت والتبعية وأصبحت المعونات العربية مشروطة بقبول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحنا نجد طرفا يبدى استعداده للعطاء، وطرفا آخر يجعل أذنا من طين وأخرى من عجين، والكل بالاتفاق مع الولايات المتحدة.

فى ظل هذه الظروف لا يمكن أن يعتمد فرد أو مجموعة صغيرة مهما كانت على قدراتها الشخصية، أو حتى على من يناصرونه، فالحمل ثقيل ويحتاج إلى جهد كل المصريين، ويحتاج إلى تأسيس الوضع الداخلى وتدعيمه قبل الاتجاه إلى الخارج، وأن نتأكد أن التماسك الداخلى هو الضامن الأول لاستعداد الغير لتقديم العون لنا، كما أن العمل المؤسسى هو الأسلوب اللازم للتحضير للعلاقات الخارجية، حيث يقوم كل جهاز بالدراسات اللازمة والاتصالات بالأجهزة المعنية الأجنبية وبحث مدى استعداد الطرف الآخر، وتقديم المشورة وصياغة مشروعات الاتفاقات، بل وتحديد المراسم عند الوصول والمغادرة، وحينئذ، وحينئذ فقط، تصبح الزيارة قابلة للتنفيذ، وبدونها لا نصل إلى أهدافنا المرجوة، بل ونصبح أحيانا مجالا للسخرية والتندر، وقد يرى البعض أننا نتبع أسلوبا أقرب إلى التسول منه إلى التعاون الدولى والمصلحة المشتركة.

طبعا هذا لا يعنى إطلاقا أن يمتنع رئيس الجمهورية عن زيارات خارجية، خاصة إذا كانت مرتبطة بموعد دورى على نحو ما حدث بالنسبة لمؤتمر القمة الإسلامى الذى انعقد وحضره رئيس الجمهورية فى طهران، أو مؤتمر القمة العربى الذى انعقد وحضره رئيس الجمهورية فى الدوحة، فهى فرصة للاتصال بقيادات الدول الأخرى واستكشاف ما يمكن تحقيقه لصالح مصر، لكن هذا لا يعنى أن يكون الحضور بلا تخطيط، وألا تسبقه دراسات واتصالات، وطبعا هذا لا يعنى أنه حاليا لا تجرى تحضيرات واتصالات، لكن يبدو أنها تهتم أكثر بمكان الإقامة وترتيبات الأمن، من اهتمامها بتحديد الأشخاص الذين ستجرى مقابلتهم والملفات التى سيناقشها، والنتائج المتوقعة لهذه اللقاءات، وهكذا فإن مثل هذه المؤتمرات يمكن أن تكون مجالا لاستكشاف الفرص، والاتفاق على الاتصالات والدراسات، وقليلا ما تكون فرصة لعقد الاتفاقات، بل إن ما يتفق عليه خلالها عادة ما يكون قد تحدد قبل انعقاد المؤتمر بزمن ليس بالقصير.

إذا كان هذا ما ننصح به رئيس الجمهورية حيال العلاقات الخارجية بالدول الأخرى فلا بد من لوم الأجهزة والمؤسسات المختصة التى ربما يتجاهلها الرئيس عند التحضير لزياراته، فهى مطالبة بأن تصرح للرئيس برفضها للتهميش والتجاهل، وأن تبين له دورها الواجب فى مثل هذه الزيارات وما يمكن أن تحققه، كما أن عليها هى الأخرى أن تتبع الأسلوب الصحيح فى تناول علاقاتها الخارجية بالأجهزة المعنية هناك بحيث تدار العلاقات بين الدول بأسلوب علمى وبناء يحقق مصالح جميع الأطراف، ولكن المصالح المصرية فى المقدمة.

■ خبير سياسى واستراتيجى