رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا وراء فشل العملية السياسية فى العراق؟

ماذا وراء فشل العملية
ماذا وراء فشل العملية السياسية فى العراق؟

كان الفشل الذي انتهت إليه العملية السياسية في العراق الجديد متوقعا منذ البدء، ذلك لان صيغة دولة المكونات التي حلت محل صيغة دولة المواطنة لا تضمن سوى شيء واحد: الوقوف الدائم على خط الزلازل وانتظار الانفجار في أية لحظة.

وها هو الوضع قد انفجر، مخلفا هذه المرة مئات القتلى في حصيلة أولية مرشحة للازدياد، وهو ما ينذر بان تكون الحرب الاهلية وشيكة الوقوع أو أنها قد بدأت فعلا فكانت مجزرة الحويجة التي ارتكبتها القوات الحكومية مؤخرا أشبه بواقعة تفجير الضريحين في سامراء عام 2006، تلك الحادثة التي نتجت عنها أعمال عنف منظمة استمرت لسنتين وراح ضحيتها عشرات الالاف من العراقيين.

وإذا ما كانت دولة المكونات قد أُخذت على حين غرة بتلك الحرب، فانها تستعد اليوم لكي تلعب الدور الأكبر في المساهمة في الحرب المقبلة. وقد لا يكون الدور الذي سيلعبه نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي الحالي بعيدا عن الدور الذي لعبه سلوبودان ميلوسوفيتش في الحروب التي شهدتها يوغسلافيا السابقة قبل أن تتفكك.

والفرق الجوهري بين الرجلين ان ميلوسوفيتش كان داعية وحدة في مواجهة انفصاليين بينما يكشف سلوك المالكي عن غيظ انفصالي في مواجهة شعب يؤمن بوحدة العراق.

لقد صرح المالكي غير مرة أن حرصه على العملية السياسية هو الذي يمنعه من كشف ملفات الفساد والقتل. من وجهة نظره فان العملية السياسية القائمة على المحاصصة الطائفية هي أهم من أن يؤدي وظيفته التي اؤتمن عليها في تصريف شؤون الناس، بما يضمن مبادئ المساواة والأمن والعدل وبناء الدولة. وهكذا تكون العملية السياسية بمثابة حجاب يتستر خلفه اللصوص والقتلة.

ولأن المالكي يعرف جيدا ان الاطراف الأخرى المساهمة في العملية السياسية قد تم اختيارها بعناية من قبل سلطة الاحتلال بما يضمن استمرار الاستقطاب الطائفي فانه يدرك ان خطابه يجد آذانا صاغية لدى شريحة من السياسيين المستفيدين من نعمة الاستمرار في هذيان طائفي صاخب، في ظله يتم تقاسم الغنائم وتهريب الأموال المنهوبة إلى الخارج وعقد صفقات وهمية.

وإذا ما كان المالكي قد نجح مؤقتا في حصر ذلك الاعتصام بالمحافظات ذات الأغلبية السنية، فان البيان الذي حرره أحد مثقفي الاحتلال مدعياً أنه يتكلم باسم المثقفين العراقيين قد أضفى هو الآخر على ذلك الاعتصام طابعاً طائفياً من خلال اعلانه البراءة من خلافات السياسيين الطائفية.

لم ترد في ذلك البيان أية إشارة إلى فشل العملية السياسية التي هي الركيزة الاساسية لجعجعة طائفية تجاوزها الشارع العراقي حين ذهب مباشرة إلى المطالبة بالحقوق المدنية.

وهي المطالبة السلمية التي أحرجت المالكي المسكون بهاجس الخصم الطائفي المدجج بالسلاح، وهو الهاجس الذي سعت وسائل الدعاية الحزبية ذات الانحياز الديني إلى نشره بين الناس مثل وباء.

ولا يصدق المالكي وسواه من اركان الحكم والمعارضة في العراق، بغض النظر عن الطائفة التي يدعون تمثيلها ان موقف الناس المناوئ للظلم والتعسف والاكراه والعنف يمكنه أن يقع بمعزل عن أي تفسير مذهبي أو ديني أو عرقي. لا لشيء إلا لأنهم كانوا قد قفزوا إلى مركب العراق الجديد بسبب ما أظهروه من حماسة إلى الوصفة الاميركية التي لم تكن ترى في العراق إلا مسرحاً لقتال الطوائف، وهي الوصفة التي اشتقت منها العملية السياسية التي تصطدم اليوم بجدار من الرفض الشعبي، مادته رغبة الناس في العيش الكريم ورفض الظلم.

ولا يجرؤ أحد من سياسيي العراق الجديد على الاعتراف بان العملية السياسية التي جعلت منهم أصحاب ثروات طائلة هي التي قادت العراق إلى ما يشهده اليوم من تمزق اجتماعي ينذر بوقوع كارثة ستكون أسوأ بكثير من تلك الكارثة التي حلت بيوغسلافيا.

فإذا كان المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة قد سارع إلى انقاذ شعب البوسنة وكوسوفو من الابادة الشاملة قان شعب العراق وقد وقع ضحية لعملية نصب وتضليل وخداع خططت لها الولايات المتحدة ونفذتها عصابات محلية لن يجد من ينصت إلى استغاثته.