رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إخوانى» فى مواجهة ثورجية وأزهرى وناصرى


وهذا يجعلنى أضم صوتى لمن ينادون بهذه الثورة حتى نضع مصرنا الحبيبة فى مكانتها العالمية التى تتناسب وثورتها البيضاء وشعبها العظيم وتاريخها العريق وجغرافيتها العبقرية.. وهذه أبسط حقوقنا ولن يموت حق وراءه مطالب.

جمعتهم الصدفة البحتة داخل سيارة ميكروباص متجهة من موقف عبود «القاهرة» إلى محافظة الدقهلية «المنصورة».. خمسة عشر راكباً هم حمولة السيارة من مختلف الأعمار والاتجاهات.. كان القاسم المشترك فى حوارهم هو حالة مصر المأساوية فى عهد مرسى وجماعته.. بدأ الحوار بينهم عندما سأل شاب ثلاثينى السائق عن أجرة الطريق؟.. أجابه السائق 13 جنيهاً بدلاً من 10 جنيهات اعترض الشاب على هذه الزيادة فيما أصر السائق عليها بسبب المعاناة التى يجدها وغيره فى الحصول على البنزين والسولار والغاز.. متهماً الإخوان بتهريب هذه المواد وغيرها إلى غزة عبر الأنفاق وحرمان الشعب منها، وأضاف: الله يخرب بيوتهم واليوم اللى انتخبناهم فيه.. وتمنى السائق أن تعود أيام الرئيس السابق حسنى مبارك بحلوها ومرها.. واسترسل قائلاً: الإخوان خربوا بيوتنا وأوقفوا حالنا وأدخلونا فى مشاكل حتى مع الركاب كل يوم.

وقبل أن يصمت السائق عاجله شاب ــ ظهر فيما بعد أنه إخوانى ــ بعدد من الاتهامات منها أنه فلول ومن أنصار جماعة «آسفين يا ريس».. ومن أرامل الفريق أحمد شفيق الذى هرب إلى الإمارات.. وظل هذا الشاب يدافع عن مرسى بكلمات لم تقنع الركاب مثل أنه يحفظ كتاب الله ويعمل به.. وأنه طليق اللحية ويصلى «الفرض بفرضه».. وحاصل على درجة الدكتوراه و.. و.. وتساءل: هل كان يجرؤ أحدكم أن يعترض على نظام حسنى مبارك الذى أذلكم ونهب ثرواتكم طوال 30 عاماً؟! بالطبع لا.. فلماذا إذن لا تمنحون د. مرسى الفرصة للعمل مثل مبارك الذى عينه الرئيس الراحل أنور السادات بأوامر أمريكية.. واختتم بأن مرسى رئيس منتخب جاء إلى سدة الحكم برغبة شعبية عن طريق الصندوق.

وما إن سمع هذه الكلمات رجل خمسينى يعمل محامياً حتى اشتاط غضباً وأطلق العنان للسانه، موضحاً مغالطات الشاب الإخوانى حسب وجهة نظره فقال متهكماً: معنى كلامك أن «مرسيكم» لم يأت بأوامر أمريكية؟.. وأضاف: لأنى رجل قانون وأفهم جيداً آلاعيب الجماعة وأساليبها فى مثل هذه الأمور وكذلك تاريخها الأسود فى الانتخابات السابقة ودستورها المسلوق.. فإننى أنصحك وأنصح غيرك بمراجعة تاريخ إخوانك وعلاقتهم مع الأمريكان والإنجليز معاً.. واسأل أيضاً المنشقين عن الجماعة: لماذا ابتعدوا عنها وشهروا بها؟.. وليتك أيها الشاب الذى تربى وترعرع على «السمع والطاعة العمياء» أن تسأل قادتك عن سبب وهدف تنظيمهم السرى وعدد العمليات الإرهابية التى قاموا بها ضد هذا الشعب المكلوم باسم الإسلام.. والإسلام منها برىء وإن لم تجد إجابة على أسئلتى من إخوانك.. فانظر حولك وأبحث عن ملفاتهم التى دمروا أكثرها فى مقار مباحث أمن الدولة أثناء ثورة 25 يناير.. وحتى لا نبتعد أرجوك أن تتابع مذبحتهم الحالية ضد القضاء بعد أن أخونوا الداخلية ويحاولون فعل الشىء نفسه مع الجيش.

وبعد أن انتهى المحامى من هجومه على الجماعة.. وقبل أن يرد الشاب الإخوانى بكلمة واحدة.. وإذ بفتاة عشرينية تنتمى لحركة «6 أبريل» كما عرفت نفسها تقول: الثورة مستمرة رغم أنف الحاقدين وأصحاب المصالح المشبوهة.. الثورة مستمرة رغم أنف الإخوان المسلمين الذين سرقوها وتآمروا عليها.. الثورة مستمرة حتى نحصل على حقوق الشهداء والمصابين منذ 25 يناير وحتى الآن.. الثورة مستمرة حتى تحقق أهدافها التى قامت من أجلها وهى «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية..كرامة إنسانية».. الثورة مستمرة وستكشف مؤامرات الإخوان ضد مصر والمصريين.. الثورة مستمرة وسنتصدى لأخونة الدولة ونسقط حكم المرشد إن عاجلاً أم آجلاً.. وفجأة ذرفت الفتاة دموعاً غزيرة وبح صوتها وانقطع.. وهنا علا صوت الركاب عدا الشاب الإخوانى «الثورة مستمرة.. الثورة مستمرة.. ويسقط حكم المرشد».

وأبى سبعينى أزهرى أن يفوته هذا الحوار دون أن يدلى فيه بدلوه.. وبعد أن عرف نفسه قال: عاصرت الرؤساء: محمد نجيب وجمال عبدالناصر والسادات ومبارك.. وكنت متابعاً جيداً لكل ما مر به الأزهر الشريف طوال 70 عاماً.. هى عمرى الآن.. فلم أجد أحداً قد استهان وأهان هذه المؤسسة العريقة وشيخها مثلما حدث ويحدث الآن فى زمن الإخوان المسلمين!! وأضاف الشيخ: لقد أخونوا وزارة الأوقاف بالكامل ويريدون أن يسيطروا على الأزهر الشريف ويعينوا له شيخاً إخوانياً حتى يمرروا من القوانين ما يريدون.. واختتم باكياً: اللهم انقذ مصر والمصريين من هذه المؤامرة الدنيئة.. وردد الركاب خلفه اللهم آمين.

وفى خضم هذه المناقشة الحامية.. ظهرت سيدة مسيحية تتجاوز الـ 60 عاماً.. وتساءلت: هل أعجبكم الاعتداء الأخير على الكاتدرائية فى العباسية؟!.. وهل هذه الأحداث بداية فتنة طائفية أو حرب أهلية قادمة بمباركة إخوانية سلفية ورعاية أمريكية قطرية؟!.. واستطردت السيدة: هل تتذكرون الأيام الـ 18 الأولى للثورة؟.. لقد كنا كالجسد الواحد، القوة الواحدة صاحبة الهدف الواحد وهو خلع النظام السابق الذى جثم على صدورنا لمدة ثلاثة عقود.. وقد كان لنا ما نريد.. والآن أسألكم جميعاً: من الذى تسبب فى تقسيمنا ويهدد وحدتنا.. ثم إلى أين تأخذنا جماعة الإخوان المسلمين؟!.. وهنا توحدت إجابة الركاب على اتهام الإخوان بأنهم سبب فشل الثورة وتردى أوضاعنا.

وأثناء هذه المداخلات.. وقبل أن نصل إلى موقف المنصورة بحوالى 20 دقيقة.. استيقظ ثلاثة مجندين كانوا قد غاصوا فى نومهم فى آخر كرسى بالسيارة وجميعهم تابع للقوات المسلحة.. ويخدم أحدهم فى منطقة رفح وقال إنه أحد الشهود على دخول وخروج الحمساوية من وإلى مصر دون حسيب أو رقيب.. وانضم إليه زميلاه فى انتقاد نظام الإخوان واتهام عناصره بالفشل الذريع فى إدارة البلاد والتآمر عليها مستشهدين فيما ذهبا إليه بما تعرضت له المحروسة منذ فوز مرسى بالرئاسة وحتى الآن من كوارث تهدد وحدتها الوطنية واستقلالها.

وقبل نزولنا من الميكروباص.. فوجئت بالشاب الإخوانى يقول للركاب: إذا تحدث أهل الباطل.. فعلى أهل الحق أن يلتزموا الصمت لكن الركاب لم يردوا عليه أو يعيروه أى اهتمام وانصرف كل منهم إلى حال سبيله.. وفى طريقى إلى المنزل ظل هذا الحوار عالقاً بذهنى وفضلت أن أنقله للقارئ حتى يخرج منه بما يريد.

تلخيصاً.. خرجت من هذا الحوار الذى لم أنطق فيه بكلمة واحدة.. بعدة ملاحظات كان أهمها وجود حالة من اليأس والإحباط عند أغلب المصريين للأسباب التى سبق وتحدث عنها كثير من هؤلاء الركاب.. وسألت نفسى عن كيفية الخروج من هذا النفق المظلم الذى وضعنا فيه الإخوان المسلمين.. فتأكد لى ضرورة القيام بثورة ثانية لتطهير البلاد من عملاء الداخل والخارج فى آن واحد.. ورأيت أن هذه الثورة لابد لها من رأس مع الجسد الذى سيقوم بها.. وذلك حتى نستطيع أن نعيد هيبة الدولة التى أوشكت على الانهيار.. ونوحد صفها بعد أن انقسمت ديموغرافياً وتكاد أن تنقسم أيضاً جغرافياً على غرار السودان والعراق وليبيا..

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.