رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطوة نحو استكمال حياة حزبية سليمة!


شعرت منذ البداية بأن الحراك الشعبى لم يكتمل وأن ما حدث كان فى أحسن أحواله ثورة لم تكتمل، وأن هناك من كان يدفع فى سبيل فشل الدولة، إلا أنى كنت أتمنى أن يخيب ظنى وأن يخرج من بين «الثائرين» من يستطيع أن يستوعب حركة الجماهير أو يستقطب أغلبها.

قام التيار الشعبى بعقد مؤتمر اقتصادى بغرض تقديم بديل لما هو جار بدلاً من البقاء على المعارضة والاعتماد على نقد وذكر وتعداد أخطاء الرئيس وأخطاء الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، وقد كان غياب البديل حجة تؤخذ على جبهة الإنقاذ وباقى المعارضة. جاء هذا المؤتمر ليبحث القضايا المختلفة ويقدم رؤية ووجهة نظر مخالفة، وهكذا يمكن للناخب أن يجد فرصة للمقارنة بين ما يقدمه المؤتمر من تصورات وحلول بما هو جار فعلا، وما هو معروض أو يعرض عليه، بداية بمشروع النهضة فى حال وجوده، أو أى مشروع آخر يمكن لأحد أن يطرحه.

ولقد كنت أشعر بأنه كان هناك نقص كبير فى الحراك الشعبى الذى برز فى يناير 2011 والمعروف بثورة 25 يناير، فقد رأيت منذ البداية أنه ينقصه الكثير لكى يعتبر عن حق ثورة شعبية، وأول ما كان ينقصه هو الرؤية والبصيرة وكيفية تحقيق الأهداف، هذا بالإضافة إلى غياب القيادة والتنظيم والفلسفة، فقد كنت أتصور أولا أن التغيير كان قد بات حتميا فى نهاية عام 2010 وقبل ذلك حينما سدت كل منافذ التغيير السلمى خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب عام 2010، لكن هذا التغيير كان يتطلب أن يكون هناك تنظيم أو أكثر يعمل على تحقيق التغيير المطلوب، وأن يكون لكل تنظيم برنامج محدد تطرح فيه الحلول الممكنة لمعالجة المشكلات المزمنة فى مصر، خاصة بعد أن تجرفت الحياة السياسية المصرية، وبعد أن فرغ حمام السياسة المصرية من المياه.

كنت أتصور أن يكون كل ذلك من خلال أحزاب تقدم بدائل للوضع، وكان السؤال المتداول دائما: ما البديل؟ صحيح كان هناك رد بأن مصر ولادة، وهو أمر لم ينكره أحد، ولكن الولادة لا تعنى بالضرورة وجود الحل والبرنامج، أو أن يكون الحل المقترح مناسبا للأوضاع، وهنا برزت نقطة الضعف الكبرى فيما سمى بنظام مبارك، حيث كانت الأحزاب تفتقر إلى برامج صالحة، وأذكر أننى سألت عن برنامج حزب العمل سواء العام، أو للانتخابات ولم أجد ردا شافيا. وكنت أتصور أن من الممكن أن تقوم الأحزاب بوضع برامج لها تنافس بها الحزب الحاكم فى ذلك الوقت «الحزب الوطنى الديمقراطى»، لكنى لم أجد استعدادا لذلك بحجج مختلفة، وكنت أشعر أن الأحزاب بوضعها الذى كانت عليه تفتقر لأسباب وجودها، فما لم يكن الحزب مستعدا لتحمل مسئولية الحكم فى حال فوزه فى الانتخابات فإنه يصبح حزبا زائدا عن الحاجة. النتيجة أنه حينما أراد الناس أن يغيروا من أسلوب معيشتهم المعيب لم يجدوا أحزابا ولا برامج ولا حتى فلسفة. هذا لا يعفينا ولا يعفى أحدا من المسئولية فقد كان واجب أعضاء وقيادات الأحزاب أن يصروا على وجود برامج حقيقية قابلة للتطبيق ، وكان من واجب أفراد الشعب أن ينتظموا فى أحزاب تعبر عن توجهاتهم وعن آمالهم، لكن هذا لم يحدث هو الآخر.

رغم أنى شعرت منذ البداية بأن الحراك الشعبى لم يكتمل وأن ما حدث كان فى أحسن أحواله ثورة لم تكتمل، وأن هناك من كان يدفع فى سبيل فشل الدولة، إلا أنى كنت أتمنى أن يخيب ظنى وأن يخرج من بين «الثائرين» من يستطيع أن يستوعب حركة الجماهير أو يستقطب أغلبها، لم أكن أقصد شخصا بعينه ولا مجموعة بعينها، فقد كان من الواضح منذ البداية أن هناك انقسامات فى الآمال والطموحات والأفكار، وأن أغلب الأفكار والمطالب كانت تتركز فى محاسبة رموز وأفراد النظام السابق، لكن أملى خاب أيضا حينما جرت محاولات لعقد مؤتمر لقوى الثورة أحدهم كان تحت إشراف الدكتور يحيى الجمل ــ نائب رئيس الوزراء حينئذ ــ والثانى تحت إشراف الدكتور عبدالعزيز حجازى وكل منهم يتلمس الطريق نحو دليل للعمل الوطنى وتوحيد لقوى الثورة التى بدت فى ذلك الوقت متفرقة، لكنى فوجئت بأن ممثلى «القوى الثورية» كانوا كثيرين جدا ليس لكبر حجم وفد الحزب، وإنما للتعدد الكبير لهذه القوى، حيث قرأت عن حضور نحو ألفى ائتلاف فى أحد المؤتمرات، وفى مؤتمر آخر تركزت المناقشات على ضرورة إخراج من اعتبره البعض «فلول النظام السابق»، وهكذا فاتت فرص من أجل توحيد الصفوف من ناحية، ووضع تصور مستقبلى للحياة فى مصر، وأذكر أن المشير طنطاوي، جزاه الله كل خير، دعا شباب الثورة إلى التوحد وتشكيل حزب لهم، إلا أن دعوته هذه ذهبت أدراج الرياح، وضاعت الفرصة، وهنا استطاع التنظيم الوحيد تقريبا والمنضبط نسبيا أن يسيطر على الموقف، وأصبح لزاما على المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يسلم السلطة إلى ذلك الفصيل رغم ما يبدو فيه من عيوب.

لقد حاول قانون الأحزاب الجديد أن يتجنب عيوب قانون الأحزاب السابق، لكن الواقع أن أحزاب ما بعد 25 يناير لم تختلف كثيرا عن أحزاب ما قبلها، وكنت قد تفاءلت بوجود برنامج لدى حزب «الحرية والعدالة» ورد ذكره فى مضمون الدعاية الانتخابية لرئيسه الدكتور محمد مرسى تحت مسمى «مشروع النهضة» لكن الأمر سرعان ما انكشف واتضح أن المشروع المذكور سراب ووهم كبير، وهكذا عدنا بلا برامج ولم يعد لا لدى الحكومة، ولا لدى المعارضة دليل يرشدها إلى ما تقوم به، وكان النقد صحيحا، لكن الأمر كان شائعا ولم يكن مقصورا على جانب واحد.

هنا تجئ أهمية المؤتمر الاقتصادى الذى عقده التيار الشعبي، حيث يشكل خطوة نحو تكوين تنظيم سياسى فعال له قدرة على المنافسة ويمكنه أن يسعى إلى التقدم بمصر، وحسنا فعل التيار الشعبى بأن جعل المؤتمر اقتصاديا، حيث المشكلة الكبرى التى تواجه مصر وتتفاقم مع مضى الزمن، ولا بد من التفكير فى حلول لكل المشكلات، كما أن الاقتصاد سيحدد إلى درجة كبيرة اتجاهات تقدم باقى القطاعات، خاصة أنه مس قطاع التشغيل والبطالة وكذا قطاع التكنولوجيا والبحث العلمى، وهما من وجهة نظرى أهم القطاعات التى تحتاج إلى عناية شديدة وسريعة. وهنا فأنا لا أؤيد ولا أعارض ما توصل إليه المؤتمر حيث لم تتح لى فرصة الاطلاع عليه، لكنى أعتبرها خطوة مهمة فى اتجاه تحول التيار الشعبى إلى تنظيم سياسى يستطيع أن يدخل معترك الحياة السياسية وألا يواجه بالسؤال عن البديل الذى يقدمه، لكن هذا يتطلب أن يستكمل دراسة باقى نواحى الحياة وتحديد موقفه من كل جانب منها، وأن تكون الحلول متوافقة بحيث لا تتعارض، خاصة فى جوانبها الاجتماعية.

لاحظت أن المؤتمر لم يقتصر على أفراد التيار الشعبى، حيث ضم كلا من الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل والدكتور محمد البرادعى والدكتور جودة عبد الخالق والدكتور حسام عيسى، وحسب علمى فليس بينهم من ينتمى إلى التيار الشعبي، لذا فإننى أنصح التيار بأن يستفيد من الآراء ولكن يتبنى له الاختيار الخاص به، كما أتمنى أن تقوم باقى الأحزاب بالحذو حذوه فى مسيرة نحو استكمال حياة حزبية سليمة.

■ خبير سياسى واستراتيجى