رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرسى وهيتو فى سوريا!


ماذا يقول الرئيس مرسى عن التفجيرات التى تقوم بها المعارضة المسلحة فى سوريا؟ أليس هذا نوعا من الإرهاب؟ أليس هذا مرفوضا وفقا لحديثه مع التجمع النسائى؟ ألم يكن من الطبيعى أن ندين التفجيرات أيا كان مرتكبها وأيا كانت دوافعه، خاصة أن سوريا لا تخضع للاحتلال الذى يستدعى المقاومة؟

غريب أن يتحدث الدكتور محمد مرسى وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين عن ازدواج المعايير والكيل بمكيالين، فى حين أنهم من أوائل من طبقوا هذه السياسة، والحقيقة أنى لا أستطيع أن أتصور مجرد تصور أن تتولى حكومة أو نظام كحكومة مصر ونظام الحكم فيها أن يتصرفوا حيال سوريا على نفس النحو الذى تمارسه، ثم تتحدث عن الكيل بمكيالين، وتنتقد قيادات المعارضة لأنهم وفقا لتصريح الدكتور يوفرون غطاء لمستخدمى العنف، وينتقد الذين حاصروا مقر الجماعة فى منطقة المقطم وهم الذين اخترعوا أو على الأقل أغمضوا العين عن محاصرة المحكمة الدستورية العليا، وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، ويتناسى الدكتور محمد مرسى كم أنه وعد المعارضة وأخلف وعده سواء بالنسبة لتشكيل اللجنة التأسيسية أو الاستفتاء على الدستور، ويتجاهل أنه أعطى نفسه حقوقا فوق دستورية، وأصدر إعلانا دستوريا باطلا، ثم إنه ادعى أنه ألغاه فى حين أنه ثبت فى محتوياته بأن عرض الدستور المقترح والذى لم يجر التوافق عليه للاستفتاء على نحو سمح بتمريره، وما زال الدكتور وأهله وعشيرته يمارسون نفس ازدواج المعايير، ولو أنهم سألوا أنفسهم إذا ما كانوا يقبلون ما يجرى فى سوريا ومع المعارضة عليهم، ربما اكتشفوا، إذا لم يكونوا قد عرفوا سابقا أنهم يقبلون لأنفسهم ما لا يقبلونه لغيرهم، ويحرمون على غيرهم ما لا يحرمونه على أنفسهم.

سأركز هذه المرة على ما يحدث فى سوريا وموقف حكومة مصر منه، وللتطرق للموضوع أقول أو أتساءل عم فعلت حكومة الدكتور مرسى حيال انتخاب السيد غسان هيتو رئيسا للحكومة الانتقالية التى يفترض أنها ستشرف على الأراضى التى تخضع لسلطة المعارضة المسلحة فى سوريا؟ وماذا أعلنت الحكومة المؤيدة من جماعة الإخوان المسلمين أهل وعشيرة الدكتور محمد مرسى حيال التفجيرات التى قامت بها العصابات المسلحة فى سوريا؟ وماذا يرى الدكتور محمد مرسى والحكومة التى جاء بها وما زال متمسكا بها فى تفجير فى مسجد؟ واغتيال الإمام البوطى؟ وكيف يرون جميعا ما يسمى بالجيش السورى الحر؟!

أعود لأذكر بأن المدعو غسان هيتو قد انتخب رئيسا للحكومة الانتقالية التى يتوقع أن يوكل إليها أن تشرف على الأراضى السورية التى يدعى بسيطرة عليها المعارضة هناك، لكن مهمتها الأساسية كما قيل هى إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، والحقيقة أنها ليس لها مهمة غيرها، أى أنها تمهد لتدخل أجنبى يعمل على إسقاط النظام حيث فشلت العصابات المسلحة المؤيدة من الغرب ومن بعض القوى العربية، وبعد أن خرج الذين بشروا بقرب سقوط بشار الأسد أمثال ساركوزى وهيلارى كلينتون فى حين يظل الأسد باقيا. سيذهب اسم «هيتو» إلى مزبلة التاريخ مع غيره من العملاء، لكن بعد أن يسود صفحة سوداء فى تاريخ سوريا وتاريخ المنطقة.

ماذا نعرف عن «غسان هيتو»؟ لا أظن أن أحدنا قد سمع باسم هيتو قبل ذلك، ولكى نتعرف عليه ها هى المعلومات المتيسرة عنه: يقال إنه ولد فى دمشق عام 1964 وفى رواية أخرى 1965، أى أنه قارب الخمسين من عمره، وهو من أصول كردية، وأنه غادر إلى الولايات المتحدة فى الثمانينيات، أى فى أواخر العقد الثانى من عمره، أو أوائل العقد الثالث، وهو، وهنا أمر مهم، يحمل جنسية الولايات المتحدة الأمريكية، وحصل على ماجستير فى إدارة الأعمال، وقد عمل غسان هيتو مديرا تنفيذيا لشركة أمريكية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ثم إنه ترك منصبه فى نوفمبر لينضم إلى «الثورة»، وهو ما يثير أسئلة حول السبب بعد غياب عن سوريا نحو ثلاثين عاما. ويبدو التفسير فى أنه شارك فى تحالف سوريا الحرة فى الولايات المتحدة منذ 2011، وشارك فى تأسيس «هيئة شام» الإغاثية فى الولايات المتحدة، وتولى منصب نائب الرئيس فيها، ويقال إنه عمل على تأسيس إدارة وحدة تنسيق الدعم الدعائى والإنسانى فى الائتلاف الثورى لقوى المعارضة والثورة السورية التى تعمل عبر الحدود وإدخال «المساعدات» إلى الداخل السورى، وقبل أن نترك المعلومات عن غسان هيتو يجدر بنا أن نتذكر أن ما يسمى بالجيش السورى الحر رفض الاعتراف بغسان هيتو كرئيس للحكومة المؤقتة، كما استقال غسان الخطيب الذى كان قد انتخب للمجلس.

لم أسمع رأى الدكتور محمد مرسى فى غسان هيتو قبل أن أتهيأ لكتابة المقال، لكنى لا أظن أنه سيدلى برأى قبل أن يمثل المقال أمام القارئ العزيز، وأظن أنه إذا أدلى برأى فيه فلن يعارضه، بل والأغلب أنه سيؤيده لا لسبب سوى أنه أمريكى أتى عن طريق الأمريكيين، وربما بشعور الذى على رأسه بطحة، فالفارق الأساسى بين الدكتور محمد مرسى وغسان هيتو، أن الدكتور مرسى لم يحصل على جنسية الولايات المتحدة الأمريكية فى حين أن هيتو قد حصل عليها، ولكنى أعتقد أن هذا فارق مهم، فمن يحصل على جنسية الولايات المتحدة يجب أن يقسم بالولاء لها، وهذا أمر قد لا يعيبه، لكنه يفترض أنه يمنعه من الترشح فضلا عن شغل وظيفة رئيسية للدولة، حيث يصبح موزعا بين الولاء لبلده والولاء للولايات المتحدة. وإذا كان الرئيس المصرى يعارض بقاء الرئيس السورى فإن هذا لايعنى بالضرورة أن يؤيد غسان هيتو الذى لا تؤيده عناصر من المعارضة السورية، هل يقبل الدكتور مرسى وأهله وعشيرته بأن يأتى شخص يحمل الجنسية الأمريكية ويتولى منصب رئيس الحكومة فى مصر؟ وهل يجوز فى نظر الدكتور مرسى وجماعته أن يهبط شخص ما بالمظلة على منصب رئيس الحكومة بعد أن غاب عن مصر أكثر من عشرين عاماً، وبعد أن عمل مرءوسا فى شركة أمريكية لأكثر من عشر سنوات؟ ألا ترى جماعة الرئيس مرسى أن دور غسان هيتو فى الثورة السورية مرتبط بالمخابرات الأمريكية؟ وخاصة فى تأسيس وإدارة وحدة تنسيق الدعم الدعائى والإنسانى فى الائتلاف الثورى لقوى المعارضة والثورة السورية التى تعمل عبر الحدود وتوصيل المساعدات إلى الداخل السورى، أم أن بقاء الدكتور مرسى فى الولايات المتحدة لفترة وحصول أبنائه على الجنسية الأمريكية يسهل عليه تقبل كرزاى جديد فى سوريا وربما فى مصر؟

وماذا يقول الرئيس مرسى عن التفجيرات التى تقوم بها المعارضة المسلحة فى سوريا؟ أليس هذا نوعا من الإرهاب؟ أليس هذا مرفوضا وفقا لحديثه مع التجمع النسائى؟ ألم يكن من الطبيعى أن ندين التفجيرات أيا كان مرتكبها وأيا كانت دوافعه، خاصة أن سوريا لا تخضع للاحتلال الذى يستدعى المقاومة؟ أم أننا نعرف من يرتكبها ولذا لا ندينها، أليس هذا ازدواجا للمعايير وكيلا بمكيالين؟ ماذا يقول مرسى وأهله وعشيرته إذا ما حدث هذا فى مصر؟! أخيرا ماذا سيقول سيادته لو أن جماعة ما لا قدر الله انشقت عن القوات المسلحة وادعت أنها الجيش المصرى الحر؟!

■ خبير سياسى واستراتيجى