رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قواتنا المسلحة بين تغيير الزى وقبول الإخوان!


أن تقبل الكليات العسكرية طلبة ينتمون هم وفعلاً لحزب أو جماعة سياسية فهذا هو الخطأ بعينه، ولا ينطبق ذلك على حزب الحرية والعدالة أو جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل يجب أن يمتد إلى كل الأحزاب والجماعات ذات الطابع السياسى أو شبه السياسى.

ظهرت خلال الأسبوع تطورات لها علاقة بالقوات المسلحة والأمن القومى، أهمها ما شاع فى الصحف ونشر على صفحة «الفيس بوك» من أن عناصر تابعة للقوات المسلحة تمكنت من ضبط فتحة نفق بمنطقة «الصرصورية» الواقعة بجنوب العلامة الدولية رقم «4» على الحدود مع قطاع غزة... حيث عثر بداخله على ملابس رياضية وأقمشة معدة للتهريب إلى القطاع - وبفحص المضبوطات برز وجود عدد «5» توب قماش كالآتى: عدد «3» توب قماش أنواع «مموه - كاكى - زيتى» مطابق للمستخدم فى الزى الرسمى للقوات المسلحة المصرية، وعدد «2» توب قماش أبيض مطابق لزى بدلة الفسحة المستخدم بوزارة الداخلية المصرية.

وناشدت القوات المسلحة جموع المواطنين المصريين توخى الحيطة والحذر وزيادة الحس والوعى الأمنى خلال الفترة القادمة تحسباً لإمكانية حدوث حالات انتحال للصفة العسكرية. حفظ الله مصر وشعبها وقواتها المسلحة من كل شر.

وقد صاحب نشر هذه المعلومات خبر عن أن الجيش الثالث الميدانى قام بتغيير زى أفراد الجيش حتى لا يستغل أحد هذه الملابس، ثم قيل إن السيد قائد الجيش صرح بأن الجيش كان سيقوم بتغيير الزى لأفراد الجيش فى جميع الأحوال، ولكنه لم ينف علاقة تغيير الزى بكشف الملابس والقماش المهرب. كذلك صاحب بث ونشر هذه المعلومات انتشار اتهامات لحماس بأنها وراء محاولة استغلال ملابس مشابهة لملابس القوات المسلحة للقيام بأعمال تخريب واغتيالات، واتهام حماس بالمشاركة فى مقتل أفراد نقطة رفح الحدودية فى أغسطس الماضى.

وفى اليوم التالى قرأنا عن تصريحات للسيد مدير الكلية الحربية عن قبول طلبة ينتمون إلى الإخوان المسلمين ومنهم أقارب لقيادات من جماعة الإخوان المسلمين، خاصة أقارب الدكتور محمد مرسى ـ رئيس الجمهورية ـ والدكتور سعد الكتاتنى ـ رئيس حزب الحرية والعدالة ـ مما أثار تساؤلات عن إمكانية «أخونة القوات المسلحة».

هنا يختلف الأمر، حيث هناك عدة نقاط يجب بحثها، أولها قصة الملابس وأثواب القماش وعلاقتها بتغيير زى الجيش، وفى رأيى أن هناك شيئاً ينقص المعلومات المنشورة، فالملابس المستخدمة بالقوات المسلحة شبيهة بملابس أغلب القوات المسلحة فى العالم والتى تعتمد على اللون الكاكى بالنسبة للجيش وأزرق الطيران للقوات الجوية والأبيض والأسود للأسطول، بل إننا نستطيع أن نجد فى الشارع المصرى كثيرين يرتدون ملابس من القماش المصنوعة منه ملابس الجيش، ويمتهنون مهنا مختلفة. لا أظن أن تغيير الزى يحل المشكلة، بل ربما يتسبب فى مشاكل، فالذين يريدون بمصر شرا لن يعدموا طريقة للحصول على قماش الزى الجديد، وهنا ستضطر القوات إلى تغيير الملابس مرة أخرى، وهكذا ندخل فى سلسلة من التغييرات لا تنتهى. أما حل المشكلة فهناك فى مفردات زى القوات المسلحة ما يصعب على المقلدين الحصول عليه، كما يمكن التدقيق فى التأكد من شخصية من يرتدون ملابس القوات المسلحة أوما يشابهها.

يذكرنى ما سبق بالاتهامات المنسوبة إلى حماس، وما سبق أن نشر عن توقيف سلطات مطار القاهرة لفلسطينيين قادمين من سوريا وأنها ضبطت معهم صوراً لأماكن عسكرية فى مصر، ثم نشر أنه تم إخلاء سبيلهم وتوجهوا إلى قطاع غزة، وفسر ذلك بعلاقة الدكتور محمد مرسى بحماس باعتبارها امتداد الإخوان المسلمين فى فلسطين. وحول ما سبق فإننى أرى أن الموقوفين لم تفرج عنهم الرئاسة، وإنما أفرجت عنهم النيابة، ولا يجوز التمسح فى الرئاسة لتبرير إخلاء سبيلهم، فسلطة الإفراج مخولة للنيابة العامة وليس لغيرها، وياليت النيابة العامة تنشر بيانا أو تفسيرا للواقعة، بل والوقائع السابقة.

العنصر الثالث يتعلق بقبول طلبة جدد بالكليات العسكرية، وأنه ضمن المقبولين طلبة أعضاء فى الإخوان المسلمين، وأن بينهم طلبة أقارب من الدرجات حتى الرابعة لقيادات إخوانية منهم الدكتور محمد مرسى ـ رئيس حزب الحرية والعدالة السابق ورئيس الجمهورية الحالى ـ والدكتور سعد الكتاتنى ـ رئيس مجلس الشعب السابق ورئيس حزب الحرية والعدالة حالياً ـ وأخطر ما قيل فى هذا الصدد القول بأنهم أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين، حيث لا يجوز أن يقبل فى القوات المسلحة من ينتمى إلى حزب أو جماعة سياسية مهما كانت نوعيتها، فإذا كانت القيادات قد تحوطت سابقاً لما يعتبر منطقياً من أن يتبع الطالب الحزب أو الجماعة التى ينتمى إليهم أقاربه الأقربون فقد كان هذا التحوط له ما يبرره رغم أنه ليس مبرراً قانونياً، أما أن تقبل الكليات العسكرية طلبة ينتمون هم فعلاً لحزب أو جماعة سياسية فهذا هو الخطأ بعينه، ولا ينطبق ذلك على حزب الحرية والعدالة أو جماعة الإخوان المسلمين فقط، بل يجب أن يمتد إلى كل الأحزاب والجماعات ذات الطابع السياسى أو شبه السياسى. ولا أرى أن القول بأن الطالب سيتابع ويمنع من مزاولة العمل الحزبى صحيح أو كاف، فأعتقد أنه فيه الكثير من الخداع حيث يجب التوصل حينئذ إلى أدلة كافية وتقديمها لجهات قضائية.

صحيح أن عدد الطلبة الذين ينتمون إلى الأحزاب لن يصلوا فى المستقبل القريب إلى أن يصبحوا عاملاً مؤثراً فى القوات المسلحة، نظراً لكبر حجم القوات المسلحة، حيث يحتاج الحزب إلى أكثر من عشر سنوات لكى يربى مجموعة مؤثرة فى القوات المسلحة إلا أنه يجب العمل على تصحيح هذا الوضع فورا، وإلا فإن مصر ستواجه يوما ما واجهته قبل ذلك، حينما سعت إلى التخلص من عناصر الإخوان المسلمين التى كانت بالقوات المسلحة عام 1952.

يبقى أن من الواضح أن هناك اتجاهاً إلى إساءة العلاقة بين الشعبين المصرى والفلسطينى من خلال توجيه اتهامات إلى فلسطينيين وإلى حماس وقطاع غزة، وربما شجعها على ذلك بعض الفلسطينيين غير المنتمين لحماس، وأعتقد أن هذا يقع ضمن مخطط يهدف إلى عزل مصر عن أمتها وحينئذ تخسر مصر، وتخسر أمتها أكثر، ولا يعنى هذا التهاون فى أى مخالفة أو جريمة يرتكبها فلسطينى أو شخص ينتمى إلى حماس أو قطاع غزة، فليس هناك فرد منهم معصوم من الخطأ، لكن لا يجوز أن تنسحب أخطاء وخطايا فلسطينيين أو مجموعة فلسطينية على العلاقة بين البلدين والشعبين، وقد سبق للفلسطينيين أن رابطوا على ضفاف القناة حينما كان العدو يحتل سيناء، كما سبق للمصريين أن قاتلوا على أرض فلسطين، لكن ذلك كان عن اقتناع بأن الدفاع عن مصر يجرى فى فلسطين والدفاع عن فلسطين يجرى على أرض مصر. كما أنى متأكد من أن القيادات الفلسطينية مدركة لأهمية مصر بالنسبة لها، ولأهمية المحافظة على علاقة طيبة مع مصر، كما أننى متصور أن المسئولين المصريين لا بد وأن يكونوا مدركين لأهمية المحافظة على علاقة طيبة بجيران مصر بما فيهم الفلسطينيون وعلى رأسهم أهل قطاع غزة الذى كان قطاعا مصريا، وكان يطلق عليه اسم «القطاع المصرى بفلسطين».

■ خبير سياسى واستراتيجى