رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التخلص من الإكراه المزدوج وضرورة التغيير!


إن ما سبق يوحى بأننا نتحدث عن حالة ميئوس منها، وأن الأمر لا يتعلق بخطأ هنا أوخطأ هناك، ولكننا نتحدث عن أسلوب عمل وأخطاء متكررة تذكرنا بمثل شعبى يقول «تعلم فى المتبلم يصبح ناسى» ويا ليته ينسى فقط، فهو غير قادر على التعلم.

يطيب لمؤيدى الدكتور محمد مرسى وأعوانه أن يصفوا ما يسميه البعض بالعصيان المدنى بأنه ليس عصيانا وإنما إكراه، وهو وصف صحيح فى بعض الأحيان وغير صحيح فى حين آخر، فكثير من الذين لم يذهبوا إلى عملهم لم يكونوا يريدون ذلك، وإنما خضعوا لرغبات، وأحياناً تهديدات البعض، كما أن بعض من يقودون عمليات الاحتجاج فى الشارع المصرى هم من مثيرى الشغب، والذين لا يلتزمون بسلمية التظاهر والاعتصام ويقومون بالاعتداء على المنشآت والأفراد مما يخلق حالة من الخوف، وأحيانا الذعر لدى الكثيرين الذين ليسوا على استعداد لمقاومة التهديد، بل ربما ليسوا على استعداد للدخول فى مناقشة حول مدى صحة الاحتجاج، ناهيك عن صحة استخدام الطوب والزجاجات الحارقة فى التظاهر والاعتصام. ويستكمل مؤيدو الدكتور مرسى حديثهم بأن معارضيهم عاجزون عن الاتصال بالشارع، والاحتكام للصناديق، والخضوع لاختيار الشعب، وهم فى ذلك لهم بعض الحق، ولكن ليس الحق كله.

من جهة أخرى فإن بعض العناصر المعارضة ترى أن الدكتور محمد مرسى وبطانته يريدون أن يجروهم إلى ساحة هم اختاروها وهم هيأوها وفق تصوراتهم ويطالبونهم بالدخول فى معركة هم حضروا لها ووفروا لها عوامل تسمح لهم بالتفوق على منافسيهم، وأن المنافسة بهذا الشكل غير شريفة، وأن القبول بشروط المنافسة الحالية هو نوع من الانتحار السياسى، وهكذا وجدنا الكثيرين يدعون القوات المسلحة للتدخل لإنقاذ البلاد من التسلط القائم، وهم ينسون أن القوات المسلحة قد أصابها الكثير منهم ومن تيار الإسلام السياسى حينما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يدير شئون البلاد، وأن الوضع القائم حاليا هو ليس من صنع القوات المسلحة حسب ما يردد الكثيرون، وإنما من صنع الناخب المصرى سواء ذلك الذى ذهب إلى صندوق الانتخاب، واختار الدكتور محمد مرسى، ومنهم كثيرون ممن يشكون الآن، أو الذى لم يذهب إلى صندوق الانتخاب أصلا، وبالتالى ساعد من حيث لا يدرى على انتخاب الدكتور محمد محمد مرسى موسى العياط وفقا لما ورد على لسان رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية المستشار فاروق سلطان. هكذا فإن معارضى الرئيس الحالى يرون بألفاظ أخرى أن النظام الحالى، إذا كان من الممكن وصفه بأنه نظام، هو الذى يحاول أن يكرههم على الدخول فى منافسة هو وضع أسسها وشروطها، ومهد أرضها وحدد مراقبيها، ثم دعاهم للمنافسة، وأن هذا هو الإكراه بعينه.

لا يمكن إنكار الواقع فى أن هناك حالتين من الإكراه كل يحاول إكراه الآخر، على أنى أستطيع أن أقرر أن بطانة الرئيس مرسى قد خلقت واقعا ضربت فيه بالأعراف السياسية عرض الحائط، وكان أهم عواملها إصدار الإعلان الدستورى «إياه» الذى منح رئيس الجمهورية سلطات مطلقة فوق الدستورية، وأنه استخدم هذه السلطات لفرض أمر واقع بالنسبة للمحكمة الدستورية ولمجلس الدولة كما حصن به مجلس الشورى، ثم إنه تغاضى عن حصار المحكمة الدستورية لمنع قضاتها من إصدار أحكام لحين تمرير دستور لم يجر التوافق عليه على عكس ما سبق الاتفاق على ألا يعرض على الناخبين دستوراً لم يتم التوافق عليه، وإجراء الاستفتاء عليه ثم إلغاء الإعلان الدستورى المشئوم بعد أن أصبحت نتائجه واقعا محصنا بالدستور الجديد الذى تعتبره المعارضة عن حق غير صحيح ولا يجوز الاعتراف به. بعد ذلك يأتى الدكتور محمد مرسى ويدعو إلى حوار ولا يحدد له مشاركين ولا جدول أعمال ولا يوضح أهدافه ولا آثار نتائجه، ليقول بعد ذلك أنه دعا المعارضة إلى الحوار وأنهم لم يحضروا، وأنه ما زال مستعدا للحوار، رغم أنه أصدر فى هذه الفترة قانون الانتخابات، أى أنه مستمر فى إرساء قواعد للعبة وفق ما يراه هو وفريقه وبغض النظر عن أى معارضة أو وجهات نظر! إذا لم يكن هذا إكراهاً فكيف يكون الإكراه؟!

ليت الحياة كانت تسير وفقاً لمعدلات معقولة تبشر بالخير رغم كل ما سبق، فلو أن الأمور المعيشية لغالبية الشعب كانت ميسرة أو شبه ميسرة أو أنها كانت تنبئ عن تقدم أو احتمال تقدم لما وصلنا إلى حال تذمر الكثيرين، إلا أن العكس هو الصحيح فمن ناحية نجد أن طريقة الدكتور مرسى فى إدارة شئون البلاد لا تنبئ بالخير، فقد كان من الواضح أنه حين أصدر قراره بالإعلان غير الدستورى المشئوم لم يستشر نائبه حينذاك، ولم يستشر مستشاريه، ثم إنه ألغاه بعد ذلك، وهو سبق أن أصدر قرارا بخصوص العدوان الإسرائيلى على غزة دون استشارة وزير خارجيته، ثم إنه يصدر قرارات ويرجع فيها، وآخرها القرار بموعد إجراء الانتخابات حيث صادف الموعد المحدد موعد أعياد الإخوة المسيحيين، أى أنه لم يبحث مناسبة الموعد مع السكرتارية، وأن القرار لم يمر بالدورة الطبيعية للقرار التى تضمن صحته قبل إصداره، وأن التجرية تشير إلى أن الدكتور محمد مرسى غير قابل للإصلاح فى هذا المجال، فقد كان الخطأ الأول كفيلا بأن يتعلم منه وألا يضطر إلى تعديل قراراته واحدا تلو الآخر! أما سلوك الرئيس فى زياراته الخارجية فهو أمر لا يليق برئيس جمهورية مصر، فخطابه فى إيران فى قمة منظمة التعاون الإسلامى والذى وصف بالطائفية والمذهبية لم يكن مناسبا، هذا بالإضافة إلى ما سببه من حرج لسفارتنا فى دمشق، ثم إن قرار المؤتمر بالنسبة لسوريا جاء على عكس ما أشار الرئيس المصرى. أما خطابه فى ألمانيا فقد كان للأسف مضحكا ولا يليق برئيس جمهورية عموما، فما بالنا برئيس جمهورية مصر العربية.

ويأتى اختياره للوزارة ورئيسها وسلوكها مظهرا آخر لفشل الإدارة وهى وزارة فشلت فى مواجهة المشاكل، وهى لم تحظ حتى بتأييد حزب الحرية والعدالة الذى رشح الرئيس للرئاسة والذى كان يتولى رئاسته قبل انتخابه، وجاء صدور القرار الخاص بالضرائب ثم إلغاؤه استمرارا لأخطاء الرئيس، ثم جاءت تصريحات رئيس الوزراء حول الرضاعة، شيئاً أقل ما يوصف به أنه مؤسف، ولكن الأهم أن ما سبق يوحى بأننا نتحدث عن حالة ميئوس منها، وأن الأمر لا يتعلق بخطأ هنا أوخطأ هناك، ولكننا نتحدث عن أسلوب عمل وأخطاء متكررة تذكرنا بمثل شعبى يقول «تعلم فى المتبلم يصبح ناسى» ويا ليته ينسى فقط، فهو غير قادر على التعلم.

هنا يصبح التغيير من وجهة نظرى ضرورة حتمية وليس اختيارا، وليس هذا من موقف شخصى، ولكن من وجهة نظر علمية بحتة، فحينما يصبح العلاج غير مفيد يضطر الطبيب إلى الجراحة، وهنا فإن تغيير الرئيس وتغيير الوزارة ضرورة بقاء، واستمرار تأييد حزب الحرية والعدالة للرئيس يعنى أن الأمر لا يمكن إصلاحه بتغيير شخص الرئيس وشخوص الوزارة التى يرأسها الدكتور هشام قنديل، وإنما بإعادة الأمور إلى أصلها، وأن نعترف بأن التجربة التى مررنا بها فشلت فى أن تأتى بضمانات المستقبل، وعلينا البحث عن أسلوب جديد.

■ خبير سياسى واستراتيجى