رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

واعظ بدرجة «أراجوز»!!


فاللهم يا من أنجيت يونس من بطن الحوت.. وأنطقت عيسى فى المهد.. وبرأت مريم وعائشة من فوق سبع سماوات أسألك أن تنجى بلدنا وتحفظها وشعبها من كيد أعدائها.. اللهم أنزل على شعبها المحبة والألفة ووحد بين قلوبهم وقاتل من يريد بهم الهلاك.. اللهم شتت شمل الخونة وافضح خططهم واكشف سترهم.. اللهم أنت أنت الملجأ والملاذ وقت الضيق.. اللهم تقبل.

صدمنى مشهد هذا الواعظ عندما جلست أمامه فى منطقة الدقى منذ أيام قليلة مضت فى صلاة الجمعة.. لقد تخلى «بسلامته» عن كل وقار واحترام العلماء والوعاظ وبدأ «يهلفط» بحركات وكلمات تشبه البهلوانات فى السيرك.. وتخطى أيضًا فى خطبته كل الخطوط الحمراء والخضراء والصفراء.. وحتى البامبى والفوشيا وهو يعبر عن غضبه بيديه وقدميه ووجهه ورأسه وكل حواسه من ثوار ميدان التحرير الذين تجرأوا على انتقاد نظام الدكتور محمد مرسى الذى تجاهل عمدًا أو قصرًا تلبية مطالب الثورة المجيدة بعد أن أوصلوه إلى سدة الحكم!!

نظرت وأنا أتابع حركات هذا السبعينى الذى يرتدى جلبابًا وعليه جاكيت ويضع فوق رأسه «طاقية» يحركها كل دقيقة للأمام وللخلف بيديه.. وسألت نفسي: من سمح لهذا «الأراجوز» باعتلاء مكان مقصور على القامات الدينية والخلقية؟ من سمح لهذا «الأبله» أن يقف يوم الجمعة خطيبًا سياسيًا لا دينيًا يصنف المجتمع إلى إسلامى وليبرالى وعلمانى وناصرى و...!! وفوق كل ذلك بدأ يتشنج وتحمر وجنتاه عندما رفع صوته متسائلاً: هل ترضون فصل الدين عن الدولة؟؟.. وأضاف موجهًا خطبته للمصلين وكأنه وحده من يعرف هذه المصطلحات دون سواه مكررًا سؤاله: هل هى كلمات جديدة على مسامعكم؟؟ نعم أعتقد ذلك وسوف أشرحها لكم حتى تعرفوا الشر المستطير الذى يريده لنا غير الإسلاميين و.. وقبل أن ينتهى من وصلة «ردحه» ضد من أسماهم ليبراليين وعلمانيين.. هدده عدد من المصلين بالخروج من المسجد دون صلاة إن هو استمر على هذا الوضع.. وهنا غير الواعظ حديثه من السياسة إلى الدين.. لكنه استمر فى أسلوبه الساخر عبر تنابزه بالألقاب وتهكمه على امتعاض المصلين من توجهاته بعدم إتاحة الفرصة لسعادته أن يقول ما يريد!!

المهم.. أنهى هذا الخطيب جمعته وسط سخط المصلين وضجرهم منه ومن أسلوبه الفج.. وسمعت الكثيرين منهم يقسم بألا يقترب من هذا المسجد مرة أخرى طالما كان فيه مثل هذا الرجل الذى سمع من المصلين انتقادًا حادًا.. حتى إن أحدهم أقسم بأنه لولا الثوار الذين يسبهم من أعلى المنابر اليوم.. لما سمع لأمثاله صوت ولا كان قد أتى د. مرسى وجماعته إلى سدة الحكم.

وخيرًا فعلت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية عندما حذرت إصدار الفتاوى من غير دار الإفتاء وعدم استخدام منابر المساجد لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية.. بل وشددت هذه المحكمة على ضرورة عدم خلط الدين بالسياسة محملة الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف مسئولية وقف فوضى الفتاوى من غير المختصين قانونًا بإصدارها.. وتعليقًا على هذا الحكم أؤكد أن الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الدكتور أحمد الطيب له مواقف واضحة وثابتة نشكره عليها.. لكن وزارة الأوقاف - والحق يقال - هى التى أطلقت لمثل هؤلاء الوعاظ يدها كأبواق إعلامية فى المساجد للدفاع عن النظام الحالى ضد كل من يعارضه!!

وأكرر تأكيدى على أن سب الإعلام والإعلاميين من قبل العديد من أمثال هذا الخطيب جاء بشكل ممنهج ومتعمد لتشويه صورة كل من يختلف مع «مرسي» وجماعته وعشاقهم ومعجبيهم ومحبيهم.. وبهذا الوضع المستحدث.. أو الدور الذى تلعبه حاليًا وزارة الأوقاف.. تكون مصر فعلاً قد دخلت فى متاهة حقيقية.. لأن هذا التحريض الذى يقوم به رجال ينتمون للأوقاف يساعد على تقسيم المجتمع أكثر مما هو عليه الآن.. بل وتصبح فيه المساجد مستباحة سياسيًا وإعلاميًا وتستخدم كطرف أصيل فى توجيه وتحريض فئة ضد أخرى لحسابات بعيدة كل البعد عن الدين وهنا تكون «الطامة الكبري».. وهى اللعب بالدين واستخدامه لتحقيق أغراض سياسية من قبل جهة يفترض فيها ومن هو قائم عليها الحياد التام مع جميع شرائح المجتمع على اختلاف اتجاهاتهم.. لكن الواقع يؤكد - يومًا بعد يوم - عكس ذلك تمامًا.. وما موقف الشيخ الجليل المحلاوى فى مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية إلا أحد هذه النماذج التى أدمت قلوبنا جيعًا.

بعد هذه الرؤية نسأل وزير الأوقاف الشيخ الذى تؤول إليه مسئولية هذه الوزارة وما يرتكبه المنتسبون إليها: هل يمكن أن تسمح وزارة الصحة ونقابة الأطباء لـ «تمرجي» أو ممرض أن يدخل غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية لمواطن؟!.. يا فضيلة وزير الأوقاف.. هل يرضيك أن يفتى أحدهم بقتل رموز وطنية هى أحرص على البلد منه ومن أمثاله؟!.. وهل يرضيك أن تغض الطرف عن هذا الذى خرج علينا ليتهم بناتنا ونساءنا اللائى ذهبن لميدان التحرير بأنهن... «وقد ذهبن لهذا المكان لكى يغتصبن؟!

يا فضيلة وزير الأوقاف د. طلعت: إن المساجد لله ولا يجب أن تكون لغير ما أنشئت من أجله.. للوعظ والإرشاد والعبادة وتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم بما أمرنا به الله ورسوله.

تلخيصًا.. يتراءى لى أن انتفاضة الشعب فى 25 يناير ولمدة 18 يومًا حتى خلع النظام السابق.. كانت الفرصة الحقيقية التى لن تتكرر ربما فى القريب العاجل.. كانت فرصة حقيقية لوضع مصر فى مكانتها العالمية التى تستحقها ضمن ما يسمى بـ«دول العالم الأول» لا العالم الثالث.. وما سلوك الشعب فى أثناء الأيام الأولى للثورة حتى تآمر عليها أعداء مصر.. سوى نموذج لعراقة وأصالة المصريين العظماء.. لكن هيهات.. لقد أدرك العالم أن الإمبراطورية المصرية التى ضمت السودان والشام والحجاز وإسبانيا وجزءًا من اليونان وكادت تبتلع العاصمة العثمانية.. سوف تعود وتفرض سيطرتها وتدخل نادى الدول الكبرى «صناعيًا ونوويًا» وهنا سارعت قوى الشر لدحض مشروع ثورتنا وامبراطوريتنا الوليدة عن طريق عملائها فى الداخل.

وبهذا التآمر الدنىء.. ضاع الحلم الجميل.. وضاع معه مستقبل مصر.. مصر صاحبة أعرق تاريخ وأقدم حضارة وأقدس تربة وأنقى جو.. مصر صاحبة أهم جغرافيا عالميةً.. مصر الشعب الذى بنى الأهرامات صاحبة الإعجاز المعمارى والعلمى منذ 7 آلاف عام وحتى الآن.. مصر التى أذاقت جميع المعتدين مرارة الهزيمة.. نراها اليوم.. واحسرتاه - تضيع أمام عيوننا وبأيدى أبنائها باسم الدين..

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.