رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلوك السياسى للقوى الفاعـلة تجاه المسألة النوويـة الإيرانية


إذا كان هـذا هـو السلوك السياسى المتوقع من الولايات المتحدة، فـكـيـف يـكـون حال السلوك الـمتوقع من الـقـوى الإقـلـيمـيـة الـفاعـلة ؟ هـذا ما سـنـتـنـاولـه فى مقـال الأسـبـوع القـادم بإذن الـله والذى سيكون عـن إيـران.

أولاً: الولايات المتحدة.. تناولت فى مقال سابق فى هـذا المكان فى 14 نوفمبر 2012 تحت عـنـوان «الـتـراجع الإيـرانى ولحـظـة الحسم» أن مديـر مشروع ويـسكـونـسـن للتحكم فى الأسلحـة النووية، والذى يُـعـد مسـئولا عـن متابعـة وتعـقـب انـتـشـار الأسلحـة الـنـوويـة أعـلـن أن إيـران قـد أنـتـجــت بالـفـعـل وقـودا نوويا مـنخـفـض الـتخصـيـب بـنسبة 20% يـكـفـى لإنتاج عـدد 2 قنبلة نـوويـة فى حالـة زيـادة نـسـبـة الـتخـصيـب إلى 90%، وقـد بـدأت إيـران بالـفعـل عـمليـة رفـع نـسـبـة الـتخـصيـب مـنـذ فـبـرايـر 2010 وقد عـلَقـت عـلى ذلك فى المقال المشار إليه أنه إذا سلمـنـا بصحة ما جاء بهـذا التقـريـر، وأن إيـران قد بـدأت بالـفعـل فى رفع نسبة التخصيب مـنـذ هـذا التاريخ، فربما تكـون قـد أنهـت هـذه العـملـيـة ولكن لحـظة الحسم للإعـلان عـنها لم تـأت بـعـد، فهل يمكن الآن القـول إن لحظة الحسم قـد أتت بالفعـل بعـد أن وجه نجاد خـطابـا إلى العالم بأسره أثناء حضوره المؤتمر الإسلامى بالقاهـرة، أعـلن فيه أنـه يتعـيـن عـلى الجميع أن يتعامل مع إيـران من الآن فـصاعـدا عـلى أنها قـوة نـوويـة، وبعـدما أعـلن أوباما أيضا أنـه قـد حان الوقت لكى نتوصل إلى حـل دبلـوماسى مع إيـران بشأن برنامجها النووى، فإذا كان الأمر كذلك، فما الـرسالة التى يحملها هذا الخطاب؟ وإلى من يريـد توجيهها؟ وما الأهـداف من توجيهها؟

فى اعـتـقـادى الشخصى أن هـذه الرسالة موجهة إلى جميع وحدات الـنسق الـدولـى عـلى نحـو عـام ووحـدات الـنسق الإقليمى عـلى نحـو خاص، إذ يـريـد أولا أن يـؤكـد لـلجـمـيـع أن إيـران قـد قـفـزت إلى مـصاف القـوى العـظمى بعـد تطويـر المقدرة الإستراتيجية لقـواتـها المسلحة حسبـما تقتضى مصلحتها العـلـيـا بما يسمح لها مواجهة أى أخطار تهـدد أمنها الـقـومى، وأنـه ثانـيـا يريـد أن يـؤكـدعـدم جـدوى العـقـوبـات التى فرضتها القـوى العـظـمى والكـبـرى (الولايات المتحدة والغـرب) بـعـد أن توصلت إيـران إلى امـتـلاك تكنولوجيا تصنيع الـرادع النووى محليا، وأنه ثالـثـا يريـد أن يـؤكـد أن نقطة الانـطلاق السليـمة لحـل الخلافات التى نشأت حـول برنامجها النووى هى العـودة إلى طاولـة المفاوضات، مع الـوضع فى الاعـتـبـار أن إيـران تقـف الآن عـلى أرضيـة تفاوضيـة صلـبـة، ويُـريـد رابعـا وهـو الأهـم أن يُـؤكـد أنها قـد حـقـقـت تـوازن الرعـب مع إسرائـيـل، وعـلى إسرائيـل إعـادة جميع حساباتها الاستراتيجية قبل التفكـيـر فى الإعـتـداء عـليـها أوعـلى منشآتها النوويـة، ولذلك يـبـدو لى أن الملف النووى الإيـرانى سيـظـل يحمل فى طياتـه كـثـيـرا من التفاعلات المؤثـرة ليس فقـط عـلى منطقة الخليج العـربى ولكن أيضا عـلى منطقـة الـشـرق الأوسط وربما عـلى العالم بأسره، فـما تأثـيـرات هـذه التفاعلات ؟ وما السلوك السياسى المتوقع للقوى الفاعـلة؟

قـبـل الإجابـة عـلى هـذه التساؤلات، يتعـين أولا توضيح ثلاثـة اعـتبارات رئيسية تتحكم فى تفاعـلات العـلاقـات فى المنطـقة، الاعـتبار الأول وهـو الـذى ينبغى أن يوضع فى جميع الحسابات الإستراتيجية للوحدات السياسية هـو المحـتـوى الـفـكـرى للمنظور الإستراتيجى الإيـرانى الذى تـتـطـلع من خلالـه إلى تحـقـيـق حـلمها الـدائـم للسيـطـرة عـلى مـنـطـقـة الـخليج وإحـيـاء الإمـبـراطـوريـة الفـارسـيـة تحـت الـرايـة الـشـيـعـيـة، ولـتحـقـيـق هـذا الحـلـم تسعـى إيـران إلى بناء قـوة عـسكـريـة ذات قـدرات تـسـلـيـحـيـة هـائـلـة تفـوق متطلباتـها الدفـاعـية، والإصرار عـلى الامتلاك الـفعـلى لـلرادع الـنـووى عـن طريـق التصنع الـمحـلى، وهـو الأمـر الـذى أعـلـنـه نـجـاد مـؤخـرا فى القـاهـرة والـذى أصرت عـليـه طهـران بإطـالـة أمـد المفـاوضات أوالـمراوغـة تحـت ستـار سلمـيـة بـرنـامجـها النووى، أما الاعـتـبـار الـثـانـى فـهـو ضـرورة الإعـلان عـن الامـتـلاك الفـعـلى لـلرادع الـنـووى عـلى أعـيـن الـنـاس وفى وقـت مـشـهـود، فإخـتـارت القاهـرة فى الوقـت الـذى تـحـتـضـن فـيـه العـالـم الإسلامى، أما ثـالـث هـذه الاعـتبارات فهـو أن الإمـتـلاك الـفعـلى لـلرادع الـنـووى قـد يـؤدى إلى تحـقـيـق الإستقـرار فى الـمـنـطـقـة من خـلال تـوازن الرعـب الذى قـد ينشأ، إذ إن إمتلاك قوتين متضادتـيـن لذات الرادع يـؤدى إلى العـدم النووى، وهى حالة تشبه إلى حـد كـبـيـر تلك الـتـى نـشـأت بـيـن الهـنـد وبـاكـسـتـان بعـدما إمـتـلـكـت الأخـيـرة الرادع النووى وأدت إلى استقـرار شـبـه القارة الهـنـديـة، وفى يقينى فإنـه يـبـدو لى أن تـوازن الرعـب قـد أصبح قانـونـا مقبـولا لتحـقـيـق الاستقـرار فى عـالم العـلاقـات الـدولـيـة التى تحـكـمـها القـوة غالـبـا ويحـكـمها القانـون الـدولـى والأخلاق أحـيـانـا . وتـرتـيـبـا عـلى ما سبـق فإنـه يـنـبـغـى الإجـابـة عـلى التساؤلات التى تـدور فى الأذهان الآن وهى، ما إدراك القـوى الخـارجـيـة والـداخـلـيـة الفـاعـلـة فى الـمـنـطـقـة لهـذه الاعـتبارات الثلاثـة ؟ وما مدى رضاهـا عـن هـذا الإدراك؟ وأخيـرا ما السلوك السياسى المتوقع من الـقـوى الفاعـلة فى المنطقة (الولايات المتحدة وحلفاؤها فى الغـرب، وإيــران وإسرائيل وتركيا، ومصـر والعـرب)؟

ومن الطـبـيـعى أن نـبــدأ بالولايـات الـمـتـحـدة باعـتـبـارهـا قـائـدة تفاعـلات الـنـسـق الـدولى، وبالـتحـلـيـل الدقيق لتلك الاعـتبارات الثلاثـة يمكن أن نـخـلـص إلى تـعـارض الاعـتـبـار الأول وهـو عـدم قـيـام قـوة إقـلـيـميـة تقـف حـائـلا دون تحـقـيـق مصالحها فى المنطقة أهـداف واستـراتـيـجـيـة الولايـات الـمـتـحـدة، كمـا يتعارض مع مبـدأ كارتـر الذى ينص عـلى «أن أى محاولـة من اى قـوة داخـلـيـة او خارجـيـة للحـصـول عـلى مركـز مهـيـمـن فى منطقة الخليج سـوف يـعـتـبـر من وجهة نـظـر الولايات المتحدة بمثابـة إعـتـداء عـلى مصلحـتها القـوميـة، وسوف يـتـم ردعـه بجميع الوسائـل المتاحة بما فى ذلك القـوة العـسكريـة»، كما يـتـعـارض مع منـظـورها الاستـراتـيـجـى الـقـائـم عـلى الارتـبـاط الاستراتيجى (العـضوى والعـاطـفـى) مع إسرائـيـل بالإلـتـزام بضرورة ضمان أمنها وبقائها وصيـانـة سيـادتـها، وتعـهـداتها بضرورة تحقـيـق ذلك من خلال التـفـوق الشامل عـلى جميع دول المنطقـة، ليس فـقـط فى مجالات التسليح التقليدى وفـوق التقليدى ولكن أيضا بإنفرادها بإمتلاك الرادع النووى، وتـبـنـى جميع مواقـفـها السياسيـة والعـسكريـة والاجتماعـية، باعـتبار أن إسرائـيـل تمثـل فـاصلا أرضـيـا يحول دون وحـدة العالم العـربى، وفـاصلا زمـنـيـا يحـول دون تقـدمه . وبناء عـلى ذلك يمكـن أن نتوصل إلى أن السلـوك السياسى المتوقع للولايات المتحـدة إزاء البرنامج النووى الإيـرانـى سيـرتكـز عـلى ثـلاثـة محاور رئـيـسـيـة، الأول هـو حضور باراك المحادثات التى ستعـقـد فى كـازاخـسـتـان بـيـن الدول العـظمى وإيــران (26 من الشهر الجارى) وبــذل الجهـود الحـثـيـثـة مع حلفائها فى الغـرب للتوصل إلى تسويــة دبلوماسية مع إيـران، والحـيـلـولـة دون امتلاكها الرادع النووى للخروج من هـذا المأزق دون اللجـوء للحـل العـسكرى.

■ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.