رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى الوحدة مع سوريا


اختلاف المذاهب يجعلنا نضطر مرة أخرى إلى التفتت، كما أنه يكاد يستحيل ألا تشتمل الدولة على أكثر من دين، فكيف يجرى التصرف مع أفراد الشعب من الديانات الأخرى؟!

يصادف اليوم الجمعة 22 فبراير من هذا العام ذكرى اجتماع إرادة الشعبين المصرى والسورى لإقامة دولة الوحدة بينهما، حيث أجرى الاستفتاء على الوحدة وعلى انتخاب الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رئيساً لها، وقد اجتمعت إرادة الشعبين فى ذلك الوقت على إقامة وحدة اندماجية يجتمع فيها البلدان فى جمهورية واحدة، وكان هذا حلما لأفراد الشعبين، بينما كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهو داعية الوحدة، يرى التمهل فى إقامة الوحدة، لكن الشعبين فى ذلك الوقت أرادا الاندماج ربما خوفا على دولة الوحدة، وشعورا بالتربص الخارجى للشعوب العربية.

وقد أزعجت الوحدة بشكلها الذى قام كثير من الدول صغيرها وكبيرها، وربما عبر عن هذا الانزعاج رئيس تركيا فى ذلك الوقت، بأنه فجأة أصبح جارا لدولة سكانها ثلاثون مليونا، ولم يكن الأمر يحتاج إلى تصريح بالنسبة لباقى الدول، فقد كان هذا مثيرا لقلق الباقى بما فيهم الدول الكبرى، بل إن الاتحاد السوفييتى الذى كان فى ذلك الوقت صديقا لمصر، وهو الذى ساند مصر فى مواجهة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، هذا الاتحاد السوفييتى لم يشعر بالارتياح لقيام الوحدة باعتبار أن قيامها مخالف لعقيدته التى تقوم على وحدة أفراد الطبقة العاملة «البروليتاريا»، والتى عبر عنها خروشوف ــ زعيم الاتحاد السوفييتى فى ذلك الوقت ــ بأن الفلاح والعامل المصرى أقرب إليه من الإقطاعى الروسى. وقد تأخر الاتحاد السوفييتى فى الاعتراف بدولة الوحدة، كما أنه استقبل خالد بكداش ــ زعيم الحزب الشيوعى السورى ــ الذى عارض الوحدة وهاجر إلى الاتحاد السوفييتى.

يشير ما سبق إلى ما يمكن أن ينتج عن الوحدة بين بلدين أو أكثر حيث تشكل الوحدة ظروفا مواتية لامتلاك القوة داخليا وخارجيا حينما تجتمع موارد البلاد المنضمة إلى الوحدة فتتوفر ظروف أفضل للتنمية، وتتوفر فرص جديدة للعمل، وتتكامل الإمكانيات، وتصبح دولة الوحدة مسيطرة على مناطق أكبر وأوسع، ويمكن لها أن تؤثر بدرجة أكبر فى مفاتيح القوة، وأن تؤثر فى موازين القوى العالمية والإقليمية على النحو الذى لابد أن تعمل حسابه الدول الأخرى.

نتذكر كل ذلك فى يوم 22 فبراير 2013 لنقول إنه منذ خمسة وخمسين عاما قامت فى الوطن العربى دولة كبرى عمادها مصر وسوريا، وانطلقت دعوة الوحدة بين البلاد العربية، ونتيجة لها قامت محاولة لإنشاء اتحاد بين كل من العراق والأردن تحت اسم الاتحاد الهاشمى، حيث كان العراق مملكة ملكها ينتمى إلى الأسرة الهاشمية المالكة أيضا فى الأردن. ومنذ ذلك الحين، ومن قبل ذلك، كانت الوحدة العربية مطلبا جماهيريا، فرغم جريمة الانفصال التى قادتها عناصر انفصالية عميلة فى ذلك الوقت، فقد جرت محاولات كثيرة للوحدة بعد ذلك، تمثلت فى محاولة إقامة وحدة ثلاثية من مصر وسوريا والعراق، ومن محاولات معمر القذافى المستمرة لإقامة دولة الوحدة مع مصر وتونس، ومنها قيام اتحاد الجمهوريات العربية الذى كان يضم كلا من مصر وسوريا وليبيا عام 1971.

ومنها أيضاً إنشاء التجمعات العربية المتمثلة فى مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجلس التعاون العربى الذى كان يضم كلا من مصر والعراق والأردن واليمن، واتحاد المغرب العربى الذى كان يضم كلا من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، كما قامت الوحدة بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وما زالت قائمة حتى الآن. والغريب أنه رغم أن كل هذه المحاولات عدا الوحدة اليمنية ومجلس التعاون الخليجى قد توقفت عمليا إلا أن أحدا لم يعلن إلغاءها، فما زال اتحاد الجمهوريات العربية قائما نظريا، وما زالت التجمعات الإقليمية العربية قائمة. وللأسف فهذا حال الأمة العربية فكثيرا ما تظل أشباح من الماضى قائمة نظريا، وليس لها على الأرض من وجود، وينطبق ذلك على معاهدة الدفاع المشترك، واتفاق السوق العربية المشتركة والوحدة الاقتصادية العربية وأخشى أن تنضم إليهم جامعة الدول العربية.

كان لا بد من أن نتذكر كل ما سبق فى ظروفنا الحالية حيث ابتعدت صورة الوحدة من الواقع، بل أظن أن أجيالا جديدة تستغرب حينما تسمع أو تقرأ أحدا يتحدث عن الوحدة العربية كهدف، كما أن ما يسمى بـ «ثورات الربيع العربى» قد تجاهلت فى شعاراتها وأهدافها كلمات الوحدة والاتحاد، وهو ما يدفعنى فى ظل الظروف التى نعيشها والتى تتجه إلى مزيد من التجزؤ والتفتت إلى التذكير بالوحدة هدفا وضرورة، فالواقع يقول إنه باستمرار التفتت فإن الشعوب العربية تتلاشى وقد تختفى عن الواقع مثلما حدث بالنسبة لشعوب أخرى ربما يكون أقربها شعب الهنود الحمر فى أمريكا الشمالية.

إن الوحدة بالنسبة لنا كانت نزعة إلى القوة، بينما هى بالنسبة للأجيال الجديدة محاولة للبقاء، فنحن فى زمن الكيانات الكبيرة حيث تسعى الدول إلى إنشاء تكوينات جديدة من خلال الاندماج أحيانا، أو الاتحاد أحيانا أخرى، أو التحالف أحيانا ثالثة، والتعاون مرة رابعة، وأمامنا الدول الأخرى أمثلة، فأوروبا تتوحد فى الاتحاد الأوروبى رغم الصعوبات الهائلة، يكفى أن نتذكر كم لغة يتحدثها الأوروبيون، لنعرف مدى صعوبة التفاهم داخل هذا التعاون. ونجد أن الاتحاد الروسى يتعاون مع كل من الصين والهند وإيران فى منظمة «شنغهاى» للتعاون، وهناك فى أمريكا منظمة للتعاون فى شمال أمريكا وفى جنوبها، وفى جنوب شرق آسيا هناك الآسيان، وهناك التعاون الاقتصادى بين ضفتى المحيط الهادى والآن يتحدث الرئيس الأمريكى عن التعاون الاقتصادى بين ضفتى الأطلسى.

كل ذلك ونحن بدلا من الاتحاد ينقسم السودان إلى شمال وجنوب، ويتقاتل شرق ليبيا مع غربها، ويكاد ينفصل شمال العراق عن جنوبه، ولولا حرص تركيا على ألا ينفصل كردستان العراق لانفصل أكراد العراق منذ فترة طويلة، وفلسطين منقسمة بين غزة والضفة، بينما تنخرط كل من اليمن وسوريا فى حرب دموية تنذر بتفتت بعضها، وفى ظل كل ذلك نجد دعوة انفصالية فى سيناء، وأخرى فى النوبة وثالثة فى الصعيد، ومن يدعو إلى ذلك إما جاهل فى أحسن الأحوال، أو متآمر فالتفتت يؤدى بالضرورة إلى الخضوع للنفوذ والرغبات الأجنبية، وبالتالى يؤدى إلى فقدان الهوية والتبعية وهو أمر نشعر به فى الدول الصغيرة، حيث تجد نفسها مضطرة إلى الانصياع لتهديدات الدول الأخرى وبالتالى تقديم مصالح الغير على مصالح الشعب الذى يفترض أن التفتت جاء لمصلحته، وهكذا يجد الشعب نفسه كالمستجير من الرمضاء بالنار.

لا أستطيع أن أنهى حديثى عن إقامة الوحدة دون الحديث عن الوحدة على أساس دينى، وأقول إن انتشار الدين على مساحات واسعة من الأرض يجعل الوحدة على أساس الإسلام، أو أى دين آخر، أمرا شبه مستحيل، هذا بالإضافة إلى أن اختلاف المذاهب يجعلنا نضطر مرة أخرى إلى التفتت، كما أنه يكاد يستحيل ألا تشتمل الدولة على أكثر من دين، فكيف يجرى التصرف مع أفراد الشعب من الديانات الأخرى؟!

■ خبير سياسى وعسكرى