رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوهم الإخوانى.. وإيران وإسرائيل وأمريكا


نلوم النظام الحالى الذى يعمل لصالح أتباعه ويتناسى مصلحة الوطن.. ثم نلوم أنفسنا ونضرب رؤوسنا بالحذاء عندما سمحنا لأنفسنا بمساعدة الإخوان فى اغتصاب الثورة وتهميشهم الثوار واتهامهم بالعمالة والتآمر والبلطجة.

«دمه تقيل فعلاً».. هذا التصريح الذى أدلى به الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد لتليفزيون «الميادين» اللبنانى قبل زيارته للقاهرة منذ عدة أيام مضت عندما قال: «إن بلاده مستعدة للدفاع عن مصر والسعودية إذا ما تعرضتا لأى هجوم تماماً، كما كانت إلى جانب الشعبين الأفغانى والعراقى».. بصراحة كلام جميل وكلام معقول ما نقدرش نقول حاجة عنه.. لكن الواقع يؤكد عكس ذلك يا سيد «نجاد».. إذ كيف تفسرون ما يحدث حالياً فى سوريا، الحليف الاستراتيجى الأول لكم؟.. وما رأيكم فيما حدث بالعراق وأفغانستان؟!.. ثم ما الذى تقصده تحديداً من هذا التصريح الذى أغضب قادة قواتنا المسلحة ـ وعندهم ألف حق وحق ـ يا عم «نجاد»؟!

وكان من الطبيعى ـ الطبيعى جداً ـ أن يترجم هذا الغضب مشفوعاً برسائل من القوات المسلحة للرئيس مرسى ترفض تصريح الرئيس الإيرانى، معتبرة أن ما قاله تدخلاً غير مسموح به.. وشددت على أن الجيش المصرى بما له من تاريخ عظيم قادر ـ بإذن الله تعالى ـ على ردع أى قوة تهدد أمن وسلامة مصر وحماية الوطن من أى مخاطر يتعرض لها.. وهذا ما أكده اللواء حمدى بخيت ـ الخبير العسكرى والسياسى» ـ حينما قال إن قواتنا المسلحة لا تحتاج إلى مساعدة من أى دولة مهما كانت.. وأن عمل المؤسسة العسكرية المصرية يقوم على عدة معايير.. أهمها البعد الإقليمى والاستراتيجى وتحديد الأعداء والأصدقاء.

وحتى نقف على حقيقة الأوضاع الراهنة لابد أن نفهم جيداً أبعاد الموقف المصرى من إيران وأمريكا وإسرائيل بعيداً عن المملكة العربية السعودية التى تناولها «نجاد» فى تصريحه.. فطهران لديها مشروع «الهيمنة» على دول الخليج بالكامل.. ومن يظن غير ذلك، فليفسر لى اغتصابها للجزر الإماراتية ودورها الظاهر والخفى فى هذه الدول؟!.. ثم لديها أيضاً مشروع «التشيع».. إذ إنها تسعى جاهدة إلى انتشار مذهبها فى العالمين العربى والإسلامى بشكل عام ومصر بشكل خاص.. وخصوصية مصر بالنسبة لطهران ترجع إلى تاريخ الدولة الفاطمية قبل أن يقضى عليها الناصر صلاح الدين الأيوبى.. هذا غير «مقامات» آل البيت.. وما اعتقاد وثقافة شيعة مصر بهذا الأمر إلا خير برهان على السعى لتحقيق هذا الهدف.

وإيران «الخمينى» التى هى إيران اليوم سبق واتهمت القاهرة بأنها «مارقة» عندما استضاف «السادات» ـ رحمه الله ـ الشاه الذى وقف بجوارنا وأمدنا بالوقود فى حرب 1973.. وإيران حالياً تسعى لوجود حليف قوى عوضاً عن سوريا التى يبدو أنها تخلت عنها.. وإيران تريد أن تبيع بترولها المكدس فى آبارها بسبب العقوبات المفروضة عليها تحت غطاء المساعدات الاقتصادية للثورة المصرية.. وإيران لا تألو جهداً لضمان سهولة التواصل مع شيعتها المصريين دون متابعات أمنية.. وما تصريحات فضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب للرئيس الإيرانى بضرورة توقف المد الشيعى فى الدول السنية سوى إعلان عن خطورة هذا السيناريو.

وإيران تخطط بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة لبسط نفوذها داخل مصر.. وما دعواتها السنوية لأنصارها ومحبيها السياسيين والعلماء والصحفيين والإعلاميين المصريين والاغداق عليهم سوى لتحقيق هذا الهدف، وإيران الشيعية تدعى أنها تحسن معاملة مواطنيها من السنة، لكن الحقيقة غير ذلك تماماً.. أما عن تصريح «نجاد» بزيارة 5 ملايين سائح إيرانى لمصر.. فهذا يعنى الكثير لطهران على الأقل ظاهرياً مثل إتاحة الفرصة لهؤلاء بالاتصال المباشر مع المصريين للتقارب السياسى والثقافى والاجتماعى والدينى.. وهو الهدف المرجو والمخطط له على الأمد البعيد، وهذا جزء من كل من المشروع الإيرانى.

وعلى الجانب الآخر تجد أمريكا وإسرائيل فى زيارة «نجاد» لمصر خطورة على مشروعهما «مشروع الشرق الأوسط الكبير» وتقسيم العالم العربى والإسلامى إلى دويلات يسهل السيطرة عليه وتسخيره لتحقيق مصالحهما وأهدافهما الاقتصادية والتاريخية.. وما يحدث فى العراق وأفغانستان وسوريا والسودان واليمن وليبيا ومصر الآن ما هو إلا جزء يسير من هذا المشروع الشيطانى.. أمريكا وإسرائيل تسعيان أيضاً إلى خلق حروب مذهبية بين الشيعة والسُنة.. وهذه الحرب فى طريقها إلى أن ترى النور.. وما يدور حالياً فى سوريا بين بشار الأسد وشعبه إلا نواة لهذه الحرب.. وأمريكا وإسرائيل تسعيان لضرب إيران النووية بواسطة دول الجوار وعلى رأسها مصر ودول الخليج.. ودليلى على ذلك تأكيد د. مرسى على أن أمن الخليج من أمن مصر!!.. وهذه رسالة أمريكية موجهة لإيران بالوكالة.

ما سبق يوضح أن إيران النووية لديها مشروعها الخاص وتسعى إلى تحقيقه.. وأمريكا وإسرائيل لديهما مشروعهما أيضاً.. والسؤال المطروح فى هذه الحال هنا: أين هو المشروع المصرى.. أو حتى العربى؟! بلاش أقول مشروع عربى أو مصرى علشان قادة الإخوان المسلمين ما يزعلوش منى.. أين المشروع الإخوانى من المشروع الإيرانى ونظيره الأمريكى ـ الإسرائيلى؟! لا شىء.. نعم لا شىء.. فالإخوان اتضح أنهم وهم كبير.. وهّم ولهو خفى لا يجيد العمل إلا فى الظلام وتحت الأرض بنفس أساليب نشأته التى تمتد إلى ما يقرب من التسعة عقود.. الإخوان يتعاملون الآن مع «مصر العظيمة» على أنها أرض يجب امتلاكها وسلعة يجب التجارة بها وشعب يجب استعباده.

نعم.. الإخوان وهّم كبير وهّم بحجم دعوتهم وثقافتهم وشعاراتهم وإدعاءاتهم.. لقد أثبتوا فشلهم وعجزهم فى إدارة البلاد وتوفير أدنى المتطلبات الرئيسية للمواطن الذى قام بأعظم ثورة فى التاريخ من أجل لقمة عيشه وحريته وكرامته.. كنا نتوقع أن تكون لديهم خطط لإدارة البلاد وتنمية مواردها وعلاقاتها الإقليمية والعالمية بما يتناسب مع ثروات ومكانة مصر.. وكنا نظن فى قيادات الإخوان الذين صدعوا رؤوسنا ليل نهار بمنكرات فعلوها وكبائر ارتكبوها.. إن لديهم حكومة ظل مستعدة للعمل وإدارة عجلة الإنتاج لتحقيق مشروع «النهضة» السخيف.. الذى ضحكوا على الشعب به.. كنا نقول إن من ذاق طعم الذل والظلم والتحقير والتهميش والتعذيب والمعتقلات والسجون لا يمكن أن يمارس ذلك ضد ورد مصر.. هذا الورد الذى أوصل الإخوان لحكم مصر.. نراه الآن ـ للأسف ـ يقتل ويغتصب ويختطف «عينى عينك» على يد عصابات منحطة وعدد قليل من رجال الداخلية معدومى الضمير ممن يعملون بسياسة «عاش الملك.. مات الملك».. وهذا يجعلنى أؤكد أن كل من أجرم فى حق هذا الشعب المقهور لن ينجو بفعله مهما طال الزمن وساعدته السلطة أو حمته.

تلخيصاً.. أرى أن النهج الحالى للإخوان المسلمين يؤدى إلى تحقيق المشروع الأمريكى ـ الإسرائيلى وأيضاً المشروع الإيرانى معاً..أماالمشروع المصرى.. عفواً أقصد المشروع الإخوانى.. فمصيره الفشل الذريع.. هذا على اعتبار أن لديهم مشروعاً من الأساس يخططون لتمريره رغم أنف الشعب المصرى بواسطة تركيا ورضا أمريكا وإسرائيل.. ولنفترض أن لديهم مشروعاً حقيقياً.. أليس من حق الشعب أن يعرف هذا المشروع حتى يبدى قبوله أو رفضه على تنفيذه؟ وهذا يعنى أننا لا نلوم إيران أو أمريكا وإسرائيل فى العبث بنا وبمقدراتنا، لأن ذلك حقهم.. لكن نلوم ـ كل اللوم ـ النظام المصرى الذى سمح لهؤلاء أن يخترقوا أراضينا وثقافتنا واقتصادنا ومذهبنا ومقدساتنا.

ختاماً.. ندعو الله أن يلهم الجميع الصواب لعودة ثورة 25 يناير..

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.