رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين ماضى «الإخوان» وحاضرهم.. تنطق الحقيقة


نحن بصدد تفسير عملية السحل والتعرية لهذا المواطن المسكين حتى نقف على علة الحدث بهدف علاج الأمراض النفسية التي أصابت البعض منا بسبب ممارسات أمنية ونشاطات دينية منحرفة أدت إلى الوضع الراهن..

أفزعنى جداً.. بل وأبكانى منظر المواطن المسحول أمام قصر الاتحادية منذ عدة أيام على يد عدد من رجال الشرطة.. حقيقة لم أكن أتوقع على الإطلاق أن أرى هذا المشهد الذى عمق الفجوة مجدداً بين الداخلية وأغلبية الشعب.. وكأن هناك من يخطط عمداً متعمداً لإنتاج هذه العداوة لكى تغوص مصرنا الحبيبة فى مستنقع الفوضى والبلطجة وتفشل ثورتنا المجيدة فى تحقيق مطالبها.. فإذا نظرنا إلى هذه الواقعة بنوع من الحياد.. فإننا سندرك حجم المؤامرة على مصر وما يحاك لشعبها.. وبعيداً عن إلقاء التهم هنا وهناك.. أو لجهة دون غيرها.. فإننى أضع المسئولية لكل ما يجرى على الساحة فى عنق المواطن الذى تقاعس منذ البداية عن التمسك بثورته حتى يتم له ما كان يحلم به.

والآن.. نحن بصدد تفسير عملية السحل والتعرية لهذا المواطن المسكين حتى نقف على علة الحدث بهدف علاج الأمراض النفسية التي أصابت البعض منا بسبب ممارسات أمنية ونشاطات دينية منحرفة أدت إلى الوضع الراهن.. الوضع السيئ والمسىء الذى اختلط فيه الحابل بالنابل وضاعت بسببه الحقيقة نتيجة نشر الأكاذيب والشائعات..وضع تعمد طمس دور العدالة وارتفاع رايات الظلم.. وضع تعمد خفض أعناق الشرفاء ورفع قامات السفهاء.. وضع أذل الكريم وكرم اللئيم.. وضع تعمد انتهاك القانون واتهم القضاة.. وضع قسم الوطن وشتت المواطن وجعل أفراد الأسرة الواحدة يتشاجرون مع بعضهم البعض بسبب الانتماء الحزبى والدينى.. وضع تكذب فيه السلطة على شعبها وتحنث فى أيمانها ولا تفى بوعودها.. وضع هيأ مصر لأن يحكمها أكثر من 700 ألف حاكم وليس حاكما واحد.. وضع ساهم فى ضياع هيبة الدولة أمام سطوة الجماعات والأحزاب والجبهات.. وضع جعل المواطن يخشى على نفسه وأهله من البلطجية أينما جلس وأينما رحل.

ما سبق جعلنى أربط مشهد «حمادة» المسحول بما قرأته منذ 25 عاماً بالتمام والكمال فى مملكة السويد.. وتحديداً فى مكتبة كبيرة داخل مدينة «مالمو» حينما وقعت عينى على كتاب للداعية الإسلامية زينب الغزالى ـ رحمها الله ـ تشرح فيه وسائل تعذيبها على يد نظام الزعيم الراحل جمال عبدالناصر.. وظل ما قرأته منذ هذا التاريخ وحتى وقت قريب ماثلاً أمام عينى ولم يبرح ذهنى حتى وقع فى يدى كتاب بعنوان «الإخوان.. وأنا» للواء فؤاد علام ـ أحد قادة مباحث أمن الدولة سابقاً ـ حيث يقول فى كتابه إن «الغزالى» ذكرت فى مؤلفها أنها تعرضت لأصناف من التعذيب على يد عبدالناصر وزبانيته تكفى نصف نساء مصر ويزيد.

وأضاف: كما تؤكد جلدها.. 500 جلدة 6 مرات.. و250 جلدة مرة واحدة.. وتم تعليقها على أعمدة من الحديد وقطع من الخشب 11 مرة، فضلاً عن ضربها السياط مرات متفرقة وصلت إلى 46 مرة.. وضعت فى غرف بها كلاب مسعورة 9 مرات.. تركت بلا طعام أو ماء 6 أيام متتالية.. كما دخلت زنانين الماء 5 مرات وغرف النار 3 مرات، فضلاً عن محاولة إيذائها من قبل وحوش بشرية 3 مرات.

اللواء «علام» قال فى كتابه إن ما ذكرته الداعية فى كتابها عن هذا التعذيب هو الجانب المزيف فقط.. أما الحقيقة فهى عكس ذلك تماماً.. لافتاً إلى أن مشكلة «الغزالى» الحقيقية هى خيالها الواسع وتقمصها لشخصية «الزاهدة رابعة العدوية».

وأضاف رجل مباحث أمن الدولة السابق أن «الغزالى» قد أسرفت فى التزييف وخلطت بين الواقع والأحلام والحقائق والأكاذيب، مؤكداً أنها لو تعرضت لواحد فى المليون من صور التعذيب التى تخيلتها للفظت أنفاسها الأخيرة فوراً.

أكتب عن هذه الومضات لأصل إلى غرض فى نفس يعقوب وهو أن لا أحد ينكر تعذيب الإخوان المسلمين فى عهد عبدالناصر.. وما كتبته زينب الغزالى فى مؤلفها.. قد قاله وكتبه الآلاف من الإخوان المسلمين.. وما بين شهادات رجال الأمن وشهادات قادة الإخوان.. تظل علامات الاستفهام قائمة.. لكن فى الحالتين أيضاً يجب أن نعطى للعقل مجالاً للتفكير.. فإذا صدقنا وآمنا بأن زينب الغزالى تعرضت فعلاً لكل ما ذكرته من تعذيب.. فإنها فى هذه الحالة تكون قد تخطت صفات البشر ووضعت فى مصاف الأنبياء والرسل.

وعلى فرض أن من عذبوا وشنقوا من الإخوان المسلمين فى عهد جمال عبدالناصر كانوا رسلاً وأنبياءً مثل سيدنا إبراهيم الذى أجمع قومه على حرقه.. فكانت هذه النار برداً وسلاماً عليه بإذن الله.. فهل يعقل يا معشر الإخوان بعد أن تسلقتم إلى سدة الحكم بطرقكم الخاصة.. أن يقتل الشباب وتغتصب الفتيات ويسحل الرجال فى عهدكم على هذا النحو؟!.. هذا هو السؤال الذى أطرحه على السيد الرئيس محمد مرسى وأتمنى منه الإجابة فى الدنيا حتى لا أصر عليها يوم العرض على المولى عز وجل.. يوم لا ينفعه إخوان ولا أمريكان ولا سلفيين ولا جماعة إسلامية ولا أى شىء إلا ما قدمت يداه وكان مسئولاً عنه.

ما سبق يجعلنى أتطرق أيضاً إلى تفاصيل مهمة فى واقعة الاعتداءات على فئات من شعب قام بثورة عظيمة ليحصل على حقه بالطرق السلمية.. وبين الاعتداءات على فصيل اتخذ من الإسلام سبيلاً لتحقيق ما يعتقد.. فواقعة الاعتداء على المسحول «حمادة» جريمة بشعة لا يقرها أى دين سماوى.. بل وتنكرها جميع المنظمات الحقوقية والإنسانية على مستوى العالم، والسؤال المطروح فى هذه الحالة هو: ما الذى فعله هذا الضحية حتى يهان وينتهك عرضه بهذه البشاعة؟ ثم من أعطى لهؤلاء أوامر للقيام بهذا السلوك المشين ولصالح من؟ وعلى الجانب الآخر نسأل عن سبب تعذيب بعض رموز الإخوان المسلمين مثل السيد قطب ـ رحمه الله ـ حيث يقول اللواء «علام» فى نفس الكتاب السابق ذكره إن هذا الرجل قبل وفاته ندم على عدم تنفيذ أتباعه لعملية نسف القناطر الخيرية».

ويستطرد اللواء «علام» قوله: «إن سيد قطب يتصور أن تدمير القناطر الخيرية وإغراق نصف مصر هو بداية الثورة الإسلامية.. لأنها ـ حسب فهمه ـ إنذار شديد اللهجة للناس لينتبهوا للخطايا والكفر الذى يعم البلاد.. وأن هذه الأرض يجب أن تتطهر بإغراق منطقة الدلتا!!.. وهذا يعنى يا سادة يا كرام ولا يحلى الكلام إلا بالصلاة والسلام على النبى العدنان.. إن سيد قطب كان الرأس المدبر وصاحب فتاوى التكفير والقصاص من المجتمع.. وهذا النهج اعتنقه من بعده تلاميذه ممن يطلق عليهم الآن «تيار الإسلام السياسى».. وحقيقة فإن الإسلام أعظم وأرقى من هذه السلوكيات التى أساءت إليه وإلى المسلمين جميعاً.

وما يحدث الآن من هذه الجماعات.. ما هو إلا حصيلة ما زرعه أمثال السيد قطب من أفكار فى كتبهم.. والعلاج لهذه المعضلة يكون فى رقبة رجال الأزهر الأسوياء لا الدخلاء.

تلخيصاً.. أدعو الشباب الثائر أن يبتعد عن الصدام بالداخلية والجيش قدر المستطاع.. فقوى الشر الكامنة بين المتظاهرين وفى العديد من مؤسسات الدولة تريد القضاء على هاتين القوتين.. ولتكن اعتصاماتنا ومطالبنا سلمية حتى نحقق كل أهداف الثورة.. أما هؤلاء القلة المندسة بين الثوار من البلطجية وقلة مشابهة من جنود وضباط الأمن.. فجميعهم شوه صورة الثوار والداخلية معاً.. ولم يعد مقبولاً أن يتركوا دون حساب إذا كان النظام الحالى يريد فعلاً الوصول بهذا الوطن إلى بر الأمان.

والله من وراء القصد.

■ كاتب صحفى

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.