رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب العالمية على الإرهاب.. «الطبخة» الجاهزة


مخطئ من يظن أن الحرب العالمية الثالثة ـ إن جاز التعبير ـ على الإرهاب، سيكون محورها هو تنظيم داعش الإرهابى، باعتباره البؤرة المتصدرة حالياً لجميع العمليات الإجرامية حول العالم، سواء باستهدافاتها المباشرة كتنظيم، أو بمواجهة ذئابها المنفردة المنتشرة فى أماكن كثيرة.

صحيح أن «داعش» يتصدر الاهتمامات عبر تمركزاته الرئيسية فى العراق وسوريا، أو عبر وكلائه التنظيميين فى ليبيا ومصر وعواصم أوروبية أخرى، ولكن برأيى فإن الاستراتيجية التى يجرى الإعداد لها على قدم وساق فى الوقت الراهن، تشمل الإرهاب بنوعيه الفكرى والأيديولوجى من جهة، وكذلك التنظيمى والعملياتى من جهة أخرى. وهنا يكون من الغباء تصوّر أن العالم يعلن حربه الثالثة على «داعش»، وكما قال وزير الخارجية الأمريكى فإن مسألة القضاء على زعيم داعش أبو بكر البغدادى مسألة وقت ليس إلا، لذا فإن «داعش» الأسطورة المصنوعة زيفاً لن يكون فى النهاية سوى فصيل إرهابى مثله مثل «القاعدة» حالياً، وكذلك جبهة النصرة أو «جبهة فتح الشام»، وغيرهما من الأذرع الإرهابية المتعددة.. أى أن المسألة أكبر بكثير من كل هؤلاء.

فى رأيى، فإن استراتيجية العالم لمحاربة الإرهاب، لن تخرج عن ثلاثة محددات أساسية:

أولها: تنظيم الإخوان ومكاتبه الفرعية المنتشرة فى العديد من العواصم، باعتباره الحاضن الأم لكل الميليشيات التكفيرية والإرهابية.

ثانيها: السلفية الجهادية، ومعها الأفكار الوهابية، بعناوينها المتشددة.

ثالثها: الجماعة الإسلامية فى باكستان، حيث أحد أقوى وأهم منابع فكر الإخوان المتطرف.

وبرأيى أيضاً، فإن هذه المواجهة لن تكون عسكرية فقط، بل ستشمل ما هو أبعد، الفكر والتمويل والتجفيف الكامل، وجزء كبير من عقيدة هذه المواجهة سيخصص لمحاربة التطرف بكل صوره وأشكاله.. أى أنها حربٌ على الأفكار.. وهذه هي الاستراتيجية الأعمق.

وربما يعيدنا ذلك، لما سبق أن كشفه الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما لمجلة «ذى أتلانتيك» فى مارس 2016، والذى هاجم فيه وبشدة الرئيس التركى رجب طيب أردوغان ووصفه بالـ«فاشل» والـ«ديكتاتور»، كما وجَّه اتهاماً صريحاً للسعودية وبعض الدول الخليجية بنشر التطرف والإرهاب فى المنطقة والعالم من خلال نشر المذهب الوهابى، وضرب مثلا بكيفية استخدام المال السعودى والخليجى فى تغيير طبيعة الإسلام المعتدل فى إندونيسيا،على سبيل المثال.. وتأكيده عدم السماح بـ«تحويل أفراد إلى قنابل تفجر نفسها فينا» وضرورة إعادة النظر فى الأفكار التى يدرسونها فى مناهجهم ومدارسهم ويتولاها مشايخ من الوهابية أنفسهم.!

وأستطيع أن أقول، إنه بموجب كل التطورات الراهنة والاحتمالات المستقبلية، فإن على مصر دوراً كبيراً فى هذه الحرب، بل ربما تكون الركن الأساسى فيها، انطلاقاً من قيادتها التاريخية الوسطية للسنة فى العالم، ولا بدَّ من تأطير مرجعيتها بشكل حاسم من خلال الأزهر الشريف، ليس بمواجهة المرجعية الشيعية، ولكن بحكم ضرورة تصحيح المفاهيم الدينية الغائبة طويلاً للأسف عن مجتمعاتنا، فى حقبة اختطافها على يد زمرة قمعية ادّعت امتلاك ناصية تفسير النصوص ولى أعناقها لخدمة أهدافها الخبيثة.

وربما من هنا، نفهم أهمية تجديد الخطاب الدينى، وتنقيح التراث الراكد منذ قرون وفق مفاهيم ومصطلحات العصر الحديث، وعملية التجديد، أو بمعنى أصح «التنوير»، هذه من ركائز هذه الحرب التى باتت شبه معلنة، محلياً وإقليمياً وعالمياً، لأن كل ما يحدث إذا كان ليس من الفهم الإسلامى كما ندَّعى.. فماذا هو إذاً.؟ أو بمعنى آخر: ماذا سيحارب العالم إذا.!

الاستراتيجية قديمة نسبياً، وتحتاج للحسم وعدم التردد، وها هو المناخ الدولى بات مهيأ تماماً خاصة بعد الاستهدافات الأخيرة التى شملت العديد من عواصم العالم فى الأشهر والأسابيع الأخيرة، وعن نفسى أعتقد، أن القرار قد اتخذ بالفعل، وتتبقى فقط الرتوش والآليات.. وهذه عملية ليست بسيطة، بل طويلة ومعقدة.