رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقاد: "القليني" صوت متفرد يركض طاويًا العالم تحت إبطه

صورة من الحدث
صورة من الحدث

في ندوة أقامها منتدى المنيرة الثقافي، بمقر أمانة القاهرة لحزب التحالف الشعبي، لمناقشة ديوان الشاعر محمد القليني "أركض طاويًا العالم تحت إبطي"، والذي صدر عن دار "العين"، وحصل على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب للعام 2017، عرف الدكتور محمد السيد إسماعيل بالشاعر محمد القليني والمتحدثين الناقدين عمر شهريار وخالد حسان، الذين قدما قراءتين للديوان، تخللهما إلقاء الشاعر لبعض قصائد ديوانه.

وقدم الدكتور محمد السيد إسماعيل الشاعر محمد القليني بقوله: "ينتمي القليني إلى ما يعرف بشعراء الألفية الثانية، وينتمي جماليًا إلى شعرية ما بعد الحداثة التي تنأى عن المجاز بمفهومه القديم وتعتمد الإيجاز والتكثيف والبعد عن الألغاز وكثرة التأويل، خالصة لفكرة القصيدة الرئيسية، كما يعتمد على الخيال القريب المألوف، والخيال الفانتازي الغريب متخلصًا في كل الأحوال من الرؤية الرومانسية للوجود، ونزع هذه الرؤية عن الدوال القديمة كالبحر والقمر والنجوم وغير ذلك، كما يستخدم تقنية التورية بذكاء وفنية في لغة حميمة وشاعرية".

وأضاف إسماعيل: "إن الشعر عند القلينى أشبه بالنزف المستمر أو الموت البطئ أمام قهر العالم؛ حيث يتحول الشاعر الى جثة مهذبة تمارس شئونها اليومية بآلية قاتلة طبقا لقوانين الحصار المفروضة عليه من الخارج، فتخرج الجملة الخبرية "أنا بخير يا أصدقائى" من سياقها الدلالى المعتاد، لتكون أقرب للدلالة على ما يشبه الموت، حين تتحول الشقة إلى مشرحة والشاعر إلى جثة مهذبة. وليس غريبًا فى هذه الحالة أن تتحول علاقة الشاعر بالآخر إلى عداء سافر يصل لدرجة القتل. ومع ذلك، يظل هناك حرص على العطاء حين يتمنى الشاعر أن يكون شجرة وأن يوزع جسمه فى أجساد الآخرين، وهذا ما نلمسه على مدار هذا الديوان الجميل".

بينما استهل الناقد عمر شهريار كلامه بقوله: "إن محمد القليني صوتاً مهمًا في جيله، فبالرغم من أن هذا الديوان هو أولى تجاربه، إلا أنه أحدث صدىً جيدًا ولاقى حفاوةً شديدةً، وقوبل فوزه بجائزة أفضل ديوان فصحى في معرض القاهرة للكتاب بإبتهاج حقيقي.

وقال شهريار، في قراءته للديوان: "في ديوان محمد القليني تصبح القصيدة بديلًا عن الوجود، تصبح وطنًا وعالمًا بديلًا عن العالم القاسي الذي نعيش فيه. كثيرًا ما تتحدث الذات الشاعرة عن القصيدة باعتبارها مكانًا، فضاءًا، باعتبارها زمنًا أحيانًا، وأحيانًا باعتبارها الوجود الحق. فأبيات القصيدة الأولى، على سبيل المثال، تشي بأن القصيدة ليست محض مجاز شعري، أو شيء معنوي، لكنها تستحيل إلى مكان أو فضاء تلجأ له الذات الشاعرة، فيصبح البيت الشعري هو بيت بالمعنى الحقيقي. كما نجد في قصائد أخرى علاقات ما يمكن أن نسميه تعارضًا سيميائيًا، إذا جاز التعبير، كانزياح الشاعر وتألق القصيدة، أو موت الشاعر/ حياة القصيدة. وتتعاطى الذات الشاعرة مع القصيدة باعتبارها الوجود الأهم، في حين يبدو الجسد مفتتًا وممزقًا، فيفكك القليني فكرة الجسد الذي طالما نظر إليه باعتباره، مع الموت، إحدى حقيقتين أساسيتين في قصيدة النثر. فنلمح ذلك التتفيه لقيمة الذات الشاعرة وكأنها لا شيء وبلا أية قيمة، فالذات الشاعرة لا قيمة لها إلا بما يحويه من قصائد. فيتحول وجود الذات الشاعرة في قصيدة من قصائد الديوان إلى وعاء حاوي للقصائد، وتكئة لوجود القصائد".

وأضاف شهريار: "نجد القليني في مواضع أخرى يفكك الصورة الرومانسية عن الشاعر، فالذات الشاعرة ليست كالشعراء الذين يهيمون بحب القمر، بل تصرح بعدم حبها للقمر ولا للسحاب ولا للبحر. فيعيد القليني بذلك بناء صورة البحر، فيقول في إحدى قصائده: "أنا حزين كبحر نهب الصيادون كل أسماكه/ وتركوا أمواجه تنزف".

كما أشار إلى أنه: "من ضمن ملامح قصيدة القليني، ذلك الهاجس بالناقد كسلطة مسلطة على الشاعر. فتصور إحدى القصائد الناقد كشخص يرغب في حشر أنفه، ليس فقط في قصائد الشاعر واستخدامه للمجاز، بل يتعدى ذلك إلى حياة الشاعر الشخصية بسؤاله عن سبب عدم وضعه ذراعه حول خصر حبيبته وهو يراقصها على سبيل المثال. وفي قصيدة أخرى تسخر الذات الشعرية من فكرة بعض النقاد عن المجاز، بينما يميل القليني لاستخدام اللغة التداولية اليومية والمعيشة صانعًا منها قصائد فاتنة وشديدة العذوبة. فالذات الشاعرة تكره كل ما هو سلطة، كسلطة الماضي التي تضغط عليه بالذكريات والحنين. بينما ترغب الذات الشاعرة في الانفلات من أية سلطة أو قهر، وترنو للحرية".

واختتم شهريار قراءته، قائلاً: "تبدو البنية الدرامية للديوان جلية، إذ يفتتح الديوان بتعريف الشاعر بنفسه وكأنها مقدمة سردية كالتي يفتتح بها الروائيين رواياتهم، وفي نهاية الديوان يرسم الشاعر مشهدًا حياتيًا للقارئ مشابه تمامًا للمشهد الحياتي الذي رسمه لنفسه في بداية الديوان. "قصيدتي مجرد مرحاض كبير/ أتقيأ فيه خيباتي وهزائمي" جملة مفتاحية تعبر عن رؤية الذات الشاعرة في الانحراف عن الرؤية الرومانتيكية للشاعر المرتبطة بالقمر والبحر، إلى رؤية أخرى القصيدة فيها ليست أكثر من فضاء لتفريغ الانهزامات في ظل واقع قاسي نجده حاضرًا طوال الوقت في القصائد".

أما الناقد والشاعر خالد حسان فقدم قراءة للديوان تتبع فيها بعض ملامح الخطاب الشعري لدى القليني، قائلاً: "ببساطة وعمق ملحوظين يفتتح القليني عالمه الشعري معرفا بنفسه، كأنه يضع في وجوهنا بطاقة عبوره إلى عالم الشعر، فيقول :
اسمي محمد القليني
أكتب الشعر
وأعمل في شركة ملابس
ليس بين الأمرين أي تعارض
فثمة مخزن كبير
أكدس فيه قمصانا مستوردة
يتهافت الناس على شرائها
وثمة قلب أكبر
أخزن داخله قصائد
لا تجد لها مشتريا ( الديوان ، ص 13).
هنا يختبيء الشعر في لغة تتوسل بالحيادية لتحقيق المفارقة التي يستقبلها المتلقي كلطمة غير متوقعة، ينبجس الشعر فجأة ودون سابق إنذار ليبرهن على أن البساطة التي تكلم بها الشاعر عن نفسه والحيادية التي حاول الاتكاء عليها لم تكن مجرد حيلة إبداعية بقدر ما هي أمر حتمي بالنسبة لكائن هش، فقد القدرة حتى على الاستخدام الجمالي/ البلاغي للغة، فلم يتبقى لديه سوى سلاح السخرية اللاذعة يشهره في وجه العالم بالبساطة نفسها ليعبر عن مأساة الشعر في عالم طغت عليه المادية فلم يعد يحفل بالشعر ولا بالشعراء، فالناس تتهافت على شراء الملابس بينما لا تجد القصائد من يشتريها، وكأن القصائد سلعة تباع وتشترى. إنها حتى عندما تصل لدرجة السلعة تصبح سلعة راكدة، لا تجد مستهلكا".

ويضيف حسان: "إن بطاقة التعريف التي بدأ بها الشاعر ديونه تقع في الصلب من نظرة جيل كامل من الشعراء للعالم والشعر والكتابة، جيل يبحث عن الشعر في كل ما هو في متناول يديه، لا ينظر أبعد من حدود جسده وحواسه، جيل فقد اليقين في أية أبعاد ميتافيزيقية للعالم، وكذلك أية رؤى متجاوزة للشعر، جيل لم يعد يعبأ كثيرا بفكرة النشر في حد ذاتها، غير معني بقضايا من مثل التحقق والانتشار، جيل ارتضى أن يقرأ ويكتب وينشر من خلال الفضاء الالكتروني، فتجد أغلبه ليس له ديوان مطبوع، أو له ديوان واحد أو ديوانان على الأكثر، جيل تم تهميشه وطيه في جعبة جيل سابق عليه وهو جيل التسعينيات ذلك الذي أزعم أنه قد قتل بحثا ودراسة داخل الخطاب النقدي لقصيدة النثر، فلم يأخذ ذلك الجيل_ اللاحق_ حقه من الدراسة والنقد والتنظير".

ويستطرد: "إن الخطاب الشعري لدى القليني هو خطاب ساخر، يعبر عن ألم الإنسان المعاصر، عن غربته الأصيلة، عن حزنه الوجودي، عن حنينه لحياة أخرى أكثر صدقا ودفئا واستيعابا، عن بحثه الدائم عن السعادة والأمان والحب. خطاب يصدر عن ذات معذبة، قلقة، مهمومة بالحياة والشعر والكتابة. حاول القليني أن يتبنى أقصر الطرق للتعبير عن فحوى خطابه، فجاء شعره عفويا، بالغ الرقة والرهافة، أقرب ما يكون إلى الكلام العادي، الذي نعبر به كل يوم عن همومنا ومشاكلنا وتفاصيلنا اليومية، لكنه مع ذلك سعى لتوسيع واقعه عن طريق مسحة من خيال خصب، لم يطلق عقل المتلقي في سماء الصور الذهنية والتجريدات اللغوية بقدر ما أعاده إلى واقع عيني ملموس، حاول من خلال خياله أن يفجر مفارقة تجعل القارئ يعيد ترتيب النص وبنائه من جديد من خلال تلك المفارقة التي يتخذها المتلقي كحجر أساس لا غنى عنه للنهوض بالمعنى أو الإحساس بطاقة الشعر. لقد حاول القليني طيلة الديوان مطاردة الشعر، وأزعم أنه نجح في انتهاكه بمهارة قاتل/ مبدع محترف".

وتبع عرض الناقدين لقراءتيهما في الديوان مناقشة بين حضور الندوة، ومن بينهم الشعراء: أحمد المريخي، عادل جلال، محمود سيف الدين قطز، والباحث محمود سلام.