رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من صفات النبى صلى الله عليه وسلم «3-3»


تقول المصادر العلمية الموثوقة- حتى العالمية منها- الكثير عن النبى محمد، صلى الله عليه وسلم. ومن ذلك أن النبى محمدًا، صلى الله عليه وسلم، «كان لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن ـ لا يميز لنفسه مكانا ـ إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهى به المجلس، ويأمر بذلك، ويعطى كلًا من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه.

من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسورٍ من القول، وقد وسع الناس بسطه وخلقه، فصار لهم أبًا، وصاروا عنده فى الحق متقاربين، يتفاضلون عنده بالتقوى. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم ـ لا تخشى فلتاته ـ يتعاطفون بالتقوى، يوقرون الكبير، ويرحمون الصغير، ويرفدون ذا الحاجة، ويؤنسون الغريب‏.‏
أقول فى ضوء أخلاقه العظيمة، صلى الله عليه وسلم، وفى ضوء المدرسة النبوية العظيمة من حوله، تلك التى مثلت الإسلام تمثيلًا صحيحًا- أقول وهذا سر الحضارة الإسلامية العظيمة التى استفادت من كل ما قبلها من حضارات وتاريخ. لذلك قال صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» ولم يبعث ليهدم الحضارات أو آثار من جاء قبله، صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم هو التطبيق العملى للأخلاق الإسلامية الحسنة. وأين ما نراه اليوم من أصحاب الفقه البدوى، كما يسميه الشيخ محمد الغزالى، رحمه الله تعالى؟.
وعلى الجملة، كما تقول المصادر العديدة: فقد كان النبى، صلى الله عليه وسلم، محلى بصفات الكمال المنقطعة النظير. أدبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنيًا عليه فقال‏:‏ ‏{‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏القلم‏:‏ 4‏]‏. وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس، وحببه إلى القلوب، وصيره قائدا تهوى إليه الأفئدة، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء، حتى دخلوا فى دين الله أفواجا.‏
انظر وصفه فى العديد من المصادر ممن رأوه وجالسوه أو على الأقل شاهدوه، فبهرهم بالخلق العظيم الذى انعكس على وجهه المنير البشوش فى كل مناحى الحياة البشرية، صلى الله عليه وسلم.
«كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظٍ، ولا غليظٍ، ولا صَخَّابٍ، ولا فحاشٍ، ولا عتابٍ، ولا مداحٍ، يتغافل عما لا يشتهى، ولا يقنط منه‏.‏ قد ترك نفسه من ثلاث‏:‏ الرياء، والإكثار، وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث‏:‏ لا يذم أحدا، ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رءوسهم الطير، وإذا سكت تكلموا‏.‏ لا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم عنده أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم حديث أولهم، يضحك مما يضحكون منه، ويعجب مما يعجبون منه، ويصبر للغريب على الجفوة فى المنطق، يقول‏:‏ إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يطلب الثناء إلا من مكافئ‏.‏
وقال خارجة بن زيد‏:‏ «كان النبى، صلى الله عليه وسلم، أوقر الناس فى مجلسه، لا يكاد يخرج شيئا من أطرافه، وكان كثير السكوت، لا يتكلم فى غير حاجة، يعرض عمن تكلم بغير جميل، كان ضحكه تبسما، وكلامه فصلاً، لم يكن فضولاً ولا تقصيرًا، وكان ضحك أصحابه عنده التبسم توقيرًا له واقتداءً به»‏.‏
أقول، وهذه الخلال التى أتينا على ذكرها إنما هى لمحات قصار من مظاهر كماله وعظيم صفاته، أما حقيقة ما كان عليه من الأمجاد والشمائل فأمر لا يدرك كنهه، ولا يسبر غوره، ومن يستطيع معرفة كنه أعظم بشرٍ فى الوجود بلغ أعلى قمة من الكمال، استضاء بنور ربه، حتى صار خلقه القرآن‏؟‏.
انظر إلى حيائه صلى الله عليه وسلم، كان إذا دخل عليه عثمان بن عفان مجلسه، غطى صلى الله عليه وسلم قدميه، وعندما سئل فى ذلك: قال ألا أستحى من رجلٍ تستحى منه الملائكة؟ ما أكرمك يا رسول الله. وما أكرم تلك المدرسة وأصحابها، كان منهم رجال تستحى منهم الملائكة. أما اليوم فهناك رجال كرهوا الناس فى الإسلام بالذبح والتكفير والتهجير.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يدعو لمكارم الأخلاق، لأن تلك الأخلاق الحسنة هى من خير أعمال العباد «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، «أَلا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ، هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ، وَأَثْقَلُ فِى الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟»، قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطُولِ الصَّمْتِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا عَمِلَ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهِمَا».
وعن ابن عمر رضى الله عنه؛ أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسْلمه، ومن كان فى حاجة أخيه كان الله فى حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة» رواه مسلم والبخارى. ولا يعنى ذلك أن يكون الأدب أو العدل مع المسلمين فقط، بل هو من الحديث الخاص الذى يشمل العموم، لأنه يتعلق بالعدل كقيمة إنسانية عظيمة. أين هذا من الفضائح والتشهير والسب والقذف، بل القتل والذبح بعد التكفير . ألا يستحى هؤلاء القوم؟ وألا يدرك الجميع ذلك؟ أقول للقتلى والمذبوحين صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة.
وهكذا كانت هناك نماذج بشرية عظيمة ممن تعلموا من رسولنا الكريم فى هذا العصر، ومنهم الشيخ الشعراوى، رحمه الله تعالى، حيث يدعو فيقول: «اللهم إنى أتوسل بك إليك وأقسم بك عليك فكما كنت دليلى إليك فكن اللهم شفيعى لديك وعاملنى بالإحسان لا بالميزان، وبالفضل لا بالعدل، فإن حسناتى منك وسيئاتى منى، فجد اللهم بما هو منك على ما هو منى».
وفى النهاية أذكر للقراء الكرام ما نقرأه فى صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضى الله عنه أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قال له لما جاءه يبايعه على الإسلام والهجرة: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله».
انظر كيف يطمئن صلى الله عليه وسلم، أصحابه الجدد الذين يدخلون الاسلام ويبشرهم بهذا القول! وهذا تأكيد لقوله تعالى «إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ».. وبالله التوفيق.