رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماسحة الأحذية:«عايشة بكِلية واحدة.. ونِفسي أقابل السيسي»

رسالة منال لرئيس
رسالة منال لرئيس الجمهورية

"تسمح تمسح يابيه.. طيّب علبة مناديل ربّنا مَا يحْوجك"، جملة افتتاحية مع طلعة كل شمس تأتي من سيدة ثلاثينية تتّخذ من سور محطة جمال عبدالناصر ملاذًا لها ولأطفالها بشارع رمسيس في وسط البلد، أمامها صندوق من الخشب يعلوه فرشة لمسح الأحذية، وعلى مرمى حجر منها مجموعة من أكياس المناديل تتقاسم عائدها لتَنصب حالها المائل مع الدنيا !

"في مصر ناس عايشة كويس، وناس كويس إنها عايشة"، جملة تلخّصها تلك العيون الذائغة التي تلهو وتلعب بجوار منال، تلك المرأة التي تحدّت ظروف المعيشة ولم تتخذ من البيت مجلسًا أو تشاطر مثيلاتها عيد المرأة المصريّة الذي احتفلت به مصر مؤخرًا، بل خرجت وتخرج صبيحة كل يوم تحمل على كتفها طفلة رضيعة بحثًا عن الرزق الحلال من كرم وجيوب المصريين المارين بمنطقة وسط البلد.

صوت خفيف تعلوه نبرة حزن ومرارة ووهن سمعه محرر "الدستور" فور خروجه من محطة خالد الذكر، بحث عن مصدره فوجده لسيدة عجوز تتوكأ مع أطفالها على أحزانها وضعفها الظاهر في استعطاف الزبائن، بحثًا عن حذاء تقوم بتلميعه مقابل جنيهات ما بعد تحرير سعر الصرف تسدد به "أفواه وأرانب" الحَاجة وتكفي مؤنة أطفالها الصغار.

اقتربت "الدستور" من مصدر الصوت الواهن ملبية على الفور طلبها، ولتتعرف على تفاصيل حكاية السيدة الحزينة، وبعد إلحاح شديد منّا حكت مع "الدستور" قائلة:"ربّنا يكفيكم شر الحُوجة، عمري ماكنت أتخيل أني أشتغل شغلانة زي دي، لكن مرض جوزي هو ما دفعني لهذا، أبو عيالي أصيب بفيروس C منذ عامين، ما ألزمه الفراش تمامًا، فقمت على الفور بلعب دوره؛ بحثًا عن رزق حلال لأطفالنا ومصاريف أسدّد بها ثمن علاجه وعلاجي خاصة بعد زيادة أسعار الدواء، فأنا أعيش بكِلية واحدة بعد التبرع بالأخرى لأبويا، وهو ما أثّر ويؤثّر عليّ بالسلب وأتعرض لوجع شديد أذهب على إثره للمستشفى لتعليق بعض المحاليل.

وتتابع سيدة الكلية الواحدة لـ"الدستور"، وهي تغالب دموعها:"عندي 3 أطفال مُلزمة أني أصرف عليهم مع دفع ٢٥٠ جنيها ايجار شقة صغيرة فاضية خالية من الأثاث، فهي عبارة عن صالة وحمام ببولاق الدكرور، بنام علي مرتبة مقطّعة والباقي بينام علي ورق الجرائد، صيف وشتا ده حالنا" !

"أيام كتير بناكل عيش حاف، والفول والطعمية هي وجبة الفطار والغدا والعشاء ليا ولأولادي قلبي بيتقطع لمّا ولادي بيقولولي نفسنا نأكل سمك أو فراخ علشان العين بصيرة والإيد قصيرة، نفسي نعيش زي الناس العادية.. نفسي نعيش بس"، هكذا حكت، وتألمت، وبكت، فنظرت إلى السماء وقالت وهي تغالب دموعها:"يارب".. قالت ثلاث وصمتت ولم تنطق ببنت شفة.

قبل أن نتركها نظرت وقالت:"نِفسي أقابل الريّس السيسي عشان أحكيله حالي، عايزه يوفرلنا علاج ليا ولزوجي، محتاجه الريّس ياخد باله من ولادي عشان يتعلّموا كويس ويدخلوا مدارس زي كل الأطفال اللي في سنهم، والله العظيم بحب تراب البلد دي، وحياة زوجي اللي بتمنى شفاه من ربنا نفسنا نعيش من خير البلد اللي بنحبها.. معقول أم الدنيا تنسى ولادها في الشارع؟ تركنا سيدة الكِلية الواحدة لتأتي من خلف "الدستور" كلمة أخيرة:"هيرد عليّا الريّس ويقابلني امتى يا بيه؟"، ثم عاودت تنادي مرة أخري:"تلمّع يابيه.. منديل يا هانم، ربنا ما يرميكم في ضيقة" !