رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاد المعلم أن يكون فقيرًا


لا أظن أن مهمة المعلم تقل قدرًا عن دور القضاء، ولا أراه أقل من وظيفة الدبلوماسيين. فلولاه ما وجدنا نماذج ناجحة فى كلا المجالين، وهما مثلان من بين أمثلة عديدة، نعلمها جميعا. إذًا أين تكمن المشكلة؟! لماذا تعد رواتب المعلمين فى مصر الأقل أو تكاد، من بين موظفى الأجهزة الحكومية الأخرى؟ فى ظنى أن القضية ليست استخفافًا بالمهمة، بقدر ما هى عدم إدراك بقيمتها، فعندما قال شوقى:



«قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا وأردف فى البيت التالى مباشرة، بقوله: أعلمت أشرف أو أجل من الذى.. يبنى وينشئ أنفسًا وعقولًا؟.. وكأنه يستشرف ما نحن عليه، الآن، من ضعف فى الوعى بأن النهضة الحقيقية تبدأ من العلم.. ولا علم دون معلم.. ولا معلم دون حياة.. ولا حياة بلا مال يوفر أبسط سبل العيش الكريم.. لكننا نتساءل وكأننا لا ندرى ما سبب لجوء المعلم إلى الدروس الخصوصية، والمؤلم عندى ليس فى هذه الدروس، بقدر ما يضطر الذى «كاد أن يكون رسولًا»، أن يمد يده فى نهاية ساعة منح فيها طالبًا علمًا.. نحن فى عام 2017، ولايزال الراتب الأساسى للمعلمين متوقفا عند عام 2014، فتحتسب العلاوات والمكافآت على هذا الأساسى دون احتساب الزيادة السنوية.. يحصل المعلمون على مكافأة امتحانات فى نهاية العام، ولكنهم لا يحصلون على مكافآت فى المناسبات والأعياد والتى تبلغ فى بعض الوزارات 5 مكافآت. يصل راتب معلم زادت خبرته على 20 عامًا، ما يربو على 2000 جنيه. عشرون عامًا من العمل يتقاضى بعدها المدرس قيمة هاتف محمول من نوع ردىء الصنع، ولكنه يحصل على ميزة جيدة، عندما يرزقه الله بطفل، إذ تقدم له علاوة لا تزيد على حفنة من الجنيهات.

أما الوظائف غريبة التسميات، التى يتقلدها المدرس بعد حصوله على الترقيات، فهى وظائف لا تمنحه سوى القدر اليسير من الزيادة فى الراتب، أزيدك من الشعر بيتا أن مدير المدرسة يتولى مع نائبه المسئولية عن الأعطال التى تصيب الكهرباء والمياه وما شابه ذلك، وهى أعمال لا قبل لهما بها. أما البلية التى تضحك فهى الاستقطاعات التى تتزايد ويتم خصمها من راتب، لم تضف إليه علاواته المستحقة.. الأمر لا يتطلب زيادة فى أعباء موازنة الدولة، خاصة فى ظل ما تمر به البلاد من محن اقتصادية، ولكننى أدعو إلى إعادة توزيع المقرر لميزانية وزارة التربية والتعليم، فى بند الأجور والمكافآت.

فلا يعقل أن يكون راتب الإدارى فى مديرية التربية والتعليم فى أى محافظة أضعاف راتب معلم يؤدى دوره فى إتاحة المعرفة لأبنائنا، ولا يعقل أن تخرج لجان متابعة تسافر إلى أنحاء متفرقة من الجمهورية، ولا تجنى سوى بدلات الانتقال.. أما «كنترول» الثانوية العامة فحدث ولا حرج، فهو لأهل الحظوة، وقد اقترح أحد المعلمين الأفاضل ضرورة وجود معايير حاسمة للمشاركة فى هذا «الكنترول».

إن بعض السادة الذين يحتلون مناصب عليا فى وزارة التربية والتعليم يتقاضون بدلاً للمتابعة عن اتصالاتهم التليفونية اليومية، بينما يتحرك «رمضان مبروك أبوالعلمين» بدراجته فى القرى والنجوع، يمضى لياليه فى تصحيح أعمال الطلاب، ونهاره فى الحرص والاجتهاد لنحصد جيلًا واعيًا.

بين المعلمين من يتهاون، ومنهم من تخرج فى الجامعة دون أن يكون صالحًا لهذا الدور المهم، ولكن بينهم أيضا مخلصون أكفاء.

نتفاءل خيرًا بالوزير الجديد الدكتور طارق شوقى، ونضع هذه الملفات أمامه، وبعضها شائك، إلا أن مواجهتها ستكون بداية الحلول.. سلام على أبى، معلم اللغة العربية، الذى كان يعود من المدرسة، وملابسه عليها آثار «الطبشور»، وعندما قلت له ذات يوم: «لا أحب أن أكون معلمًا»، حزن وقال: «هذه الوظيفة شرف، وهى للنبلاء».. أنت على حق يا أبى، فهى مهنة النبلاء، وأنا أيضًا على حق، فلو صرت معلمًا، لما تمكنت من توفير تكلفة جهاز الكمبيوتر، الذى استخدمته لكتابة هذا المقال.