رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من صفات النبي صلى الله عليه وسلم «3-1»


تقول المصادر الموثوقة كلها «كان النبى صلى الله عليه وسلم يمتاز من جمال خَلْقه، وكمال خُلُقه، بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا فى حياطته وإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظُفْر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذى يحبب عادة لم يرزق بمثلها بشر‏.‏ وهنا انتقيت بعض أقوال من وصفوه صلى الله عليه وسلم.

قالت أم مَعْبَدٍ الخزاعية عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهى تصفه لزوجها، حين مر بخيمتها مهاجرا:‏ ظاهر الوَضَاءة، أبْلَجُ الوجه، حسن الخُلُق، لم تعبه ثُجْلَة، ولم تُزْرِ به صَعْلَة، وسِيم قَسِيم، فى عينيه دَعَج، وفى أشفاره وَطَف، وفى صوته صَهَل، وفى عنقه سَطَع، أحْوَر، أكْحَل، أزَجّ، أقْرَن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البَهَاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فَضْل، لا نَزْر ولا هَذَر، كأن منطقه خَرَزَات نظمن يَتَحدَّرن، رَبْعَة، لا تقحمه عين من قِصَر، ولا تشنؤه من طول، غُصْن بين غُصْنَيْن، فهو أنْظَر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدْرًا، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، مَحْفُود، مَحْشُود، لا عَابِس ولا مُفَنَّد‏.‏

وقال على بن أبى طالب ـ وهو ينعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏، لم يكن بالطويل المُمَغَّطِ، ولا القصير المتردد، وكان رَبْعَة من القوم، ولم يكن بالجَعْد القَطِطِ، ولا بالسَّبْط، رَجِلاً، ولم يكن بالمُطَهَّم، ولا بالمُكَلْثَم، وكان فى الوجه تدوير، وكان أبيض مُشْرَبًا، أدْعَج العينين، أهْدَب الأشْفَار، جَلِيل المُشَاش والكَتَدِ، دقيق المسْرُبَة، أجْرَد، شَثْن الكفين والقدمين، إذا مشى تَقَلّع كأنما يمشى فى صَبَب، وإذا التفت التفت معا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفا، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لَهْجَة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عَريكَة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته‏:‏ لم أر قبله ولا بعده مثله، صلى الله عليه وسلم‏.‏ أقول: طبعا بعض العرب اليوم قد يسألون عن معانى بعض الكلمات المستخدمة هنا للأسف الشديد بسبب البعد عن اللغة الصحيحة.

وقال أنس بن مالك‏:‏ كان بِسْطَ الكفين‏.‏ وقال‏:‏ كان أزْهَر اللون، ليس بأبيض أمْهَقَ، ولا آدَم، قُبض وليس فى رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء‏.‏ وقال‏:‏ إنما كان شىء ـ أى من الشيب ـ فى صُدْغَيْه، وفـى رواية‏:‏ وفى الرأس نَبْذٌ‏.‏ وقال أبو جُحَيْفة‏:‏ رأيت بياضا تحت شفته السفلى، العَنْفَقَة‏.‏ وقال عبدالله بن بُسْر‏:‏ كان فى عنفقته شعرات بيض‏.‏

وقال البراء‏:‏ كان مَرْبُوعًا، بَعِيدَ ما بين المَنْكِبَيْن، له شَعْر يبلغ شَحْمَة أذنيه، رأيته فى حُلَّة حمراء، لم أر شيئا قط أحسن منه‏.‏ وكان يُسْدِل شعره أولاً لحبه موافقة أهل الكتاب، ثم فَرَق رأسه بعد‏.‏ وقال البراء‏:‏ كان أحسن الناس وجهًا، وأحسنهم خُلُقًا‏.‏ وسئل‏:‏ أكان وجه النبى، صلى الله عليه وسلم، مثل السيف‏؟‏ قال‏:‏ لا بل مثل القمر‏.‏ وفى رواية‏:‏ كان وجهه مستديرًاً‏.‏

وقالت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ‏:‏ لو رأيته رأيت الشمس طالعة‏.‏ وقال جابر بن سَمُرَة‏:‏ رأيته فى ليلة إضْحِيَانٍ، فجعلت أنظر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإلى القمر-وعليه حلة حمراء - فإذا هو أحسن عندى من القمر‏.‏

وقال أبوهريرة‏:‏ ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كأن الشمس تجرى فى وجهه، وما رأيت أحداً أسرع فى مشيه من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كأنما الأرض تُطْوَى له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث‏.‏. وقال كعب بن مالك‏:‏ كان إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر‏.‏

وعرق مرة وهو عند عائشة رضى الله عنها يَخْصِفُ نعلًا، وهى تغزل غزلاً، فجعلت تبرق أسارير وجهه، فلما رأته بُهِتَتْ وقالت‏:‏ والله لو رآك أبوكَبِير الهُذَلى لعلم أنك أحق بشعره من غيرك‏: ‏وإذا نظرت إلى أسرة وجهه ** برقت كبرق العارض المتهلل.. وكان أبوبكر إذا رآه يقول‏:‏

أمين مصطفى بالخير يدعو ** كضوء البدر زايله الظلام

وكان عمر ينشد قول زهير فى هَرِم بن سِنَان‏:‏

لو كنت من شىء سوى البشر ** كنت المضىء لليلة البدر

ثم يقول‏:‏ كذلك كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم‏.‏

وكان إذا غضب احمر وجهه، حتى كأنما فقئ فى وجنتيه حَبُّ الرمان‏.‏. وقال جابر بن سَمُرَة‏:‏ كان فى ساقيه حُمُوشة، وكان لا يضحك إلا تَبَسُّما.‏ وكنت إذا نظرت إليه قلت‏:‏ أكْحَل العينين، وليس بأكحل‏.‏. وقال عمر بن الخطاب‏:‏ وكان من أحسن الناس ثَغْراً‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ كان أفْلَجَ الثنيتين، إذا تكلم رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه‏.‏

وأما عُنُقه فكأنه جِيدُ دُمْيَةٍ فى صفاء الفضة، وكان فى أَشْفَاره عَطَف، وفى لحيته كثافة، وكان واسع الجبين، أزَجّ الحواجب فى غير قرن بينهما، أقْنَى العِرْنِين، سَهْل الخَدَّيْن، من لُبَّتِه إلى سُرَّتِه شعر يجرى كالقضيب، ليس فى بطنه ولا صدره شعر غيره، أشْعَر الذراعين والمنكبين، سَوَاء البطن والصدر، مَسِيح الصدر عريضه، طويل الزَّنْد، رَحْب الراحة، سَبْط القَصَب، خُمْصَان الأخْمَصَيْن، سَائِل الأطراف، إذا زَالَ زَالَ قَلْعا، يخطو تَكَفِّيا ويمشى هَوْنا.‏

وقال أنس‏:‏ ما مسست حريرا ولا ديباجا ألين من كف النبى، صلى الله عليه وسلم، ولا شممت ريحا قط أو عَرفا قط، وفى رواية‏:‏ ما شممت عنبرا قط ولا مِسْكا، ولا شيئا أطيب من ريح أو عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏. وقال أنس‏ أيضا:‏ كأن عرقه اللؤلؤ‏.‏ وقالت أم سليم‏:‏ هو من أطيب الطيب‏.‏. وقال أبو جُحَيْفة‏:‏ أخذت بيده، فوضعتها على وجهى، فإذا هى أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك‏.‏ وقال جابر بن سمرة، وكان صبيا‏:‏ مسح خَدِّى فوجدت ليده بردًا أو ريحًا كأنما أخرجها من جُونَةِ عَطَّار‏.‏

وقال جابر‏:‏ لم يسلك طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عَرْفِه‏.‏ أو قال‏:‏ من ريح عرقه‏.‏. وكان بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده، وكان عند نَاغِض كتفه اليسرى جُمع، عليه خِيَلان كأمثال الثَّآلِيل‏».‏. هذه بعض أقوال فى صفات رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه العظيمة. نعم «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ» وللحديث صلة. وبالله التوفيق.