رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل خدعتنا ثورة يناير ؟


فى 14 يوليو عام 1789م فى باريس حين أبلغ ليانكورت لويس السادس عشر ملك فرنسا آنذاك بسقوط سجن «الباستيل»، وتحرير بضعة سجناء منه، و«تمرد» القوات الملكية قبل وقوع الهجوم الشعبى، قال الملك فى غضب: إنه «التمرد»، فصححه ليانكورت قائلاً: «كلا يا صاحب الجلالة، إنها الثورة»!.

وحتى ذلك التاريخ لم يكن العالم يعرف معنى كلمة ثورة، وكانت تُعرّف كل حركة شعبية تحاول إسقاط النظام فى العصور الوسطى بأنها ضرب من ضروب «التمرد». وعادة ما كان الحاكم يعطى لنفسه شرعية الدفاع عن نظامه بكل السبل، حتى وإن كانت هذه السبل القمعية غير شرعية!، وعادة أيضًا ما كان الهدف من هذه الحركات هو «استبدال» حاكم سيئ بحاكم جيد- حسب معاييرهم الخاصة طبعًا- أو «استعادة» السلطة من حاكم «مُستبِد» أساء استخدامها بـ«حاكم قانونى»!.

وعلى مدار التاريخ كانت الثورة تقوم ضد الشخص الذى يقبع على قمة الهرم السياسى، أى «الملك»؛ بزعم إسقاط النظام. وحينما تنجح تلك الثورات فى «إزاحة» الملك عن السلطة، فعادة ما كان يقاس نجاحها بقدرتها على «استعادة النظام» الذى أطاحت برأسه!.

إلا أن الثورة الفرنسية كانت الثورة الأولى التى أعطت الشعوب الشرعية الأخلاقية والدستورية فى الثورة على الأنظمة الفاسدة، وكانت هى الثورة الأولى تاريخيا التى تمكنت من تغيير النظام، ووضعت قالبًا معرفيًا جديدًا لمفهوم الثورة.. وعَلمَتنَا أن أى فعل شعبى لا يمكن أن يأخذ «لقب ثورة» إلا إذا تمكن الثوار من تغيير النظام برمته، وأن يأتى للبلاد ببداية جديدة أو نظام جديد يحكمها!.

ورغم النجاح الفريد الذى حققته الثورة االفرنسية، إلا أنها اختزلت أهداف الثورات فى المطالبة بـ«الحرية» وأنه لا يمكن وصف أى حركة شعبية ضد النظام بأنها ثورة؛ إلا إذا كان هدفها «التحرر» من استبداد الأنظمة الفاسدة، وذلك بعكس «الثورة الأمريكية» التى كان شعارها «عالم بلا فقر»..! ومنذ قيام هاتين الثورتين وحتى الآن، لم يُستَعبد الشعب الفرنسى من أنظمته الحاكمة.. ولم يفتَقر الشعب الأمريكى، رغم أن نظامه تسبب فى إفقارِ كثيرٍ من الشعوب!.

فتاريخ الثورات يُعَلمُنَا الكثير.. لكننا حين فكرنا فى الثورة لم نكن قرأنا تاريخ الثورات.. وحين قرأنا يبدو أننا لم نستوعب الدروس جيدًا.. وأفضل ما ما تضمنه ذلك التاريخ من رسالات، هو أن الثورات مهما بلغ نجاحها فمن المستحيل أن «تُحَوِّل العامةَ إلى حُكَامٍ».. وأن الشعب حين يثور، فبإمكانه أن يحدد النظام الذى لن يحكمه.. لكنه لا يستطيع أبدًا أن يحدد النظام الذى سيحكمه.. فعادة ما تنجح الثورات فى إسقاط النظام الذى يكرهه الشعب.. لكنها عادة ما تفشل فى الإتيان بالنظام الذى يريده الشعب!.

ومن ثم فقد علمنا تاريخ الثورات أن التغيير بـ«الصناديق» عادة ما يكون أسرع وأكثر أمانًا من التغيير بالثورة، حتى وإن كلفنا الوصول إلى ديمقراطية الصناديق سنوات من التعليم الجيد باهظ التكلفة.. والغريب فى الأمر أن الغَرب الذى يُغَيّر مَصيره بـ«الصناديق» لا يزال يُصدر إلينا مفهوم الثورة كأداة فعالة لـ«التغيير الآمن»!.

وفى ضوء أدبيات الثورات، هل لنا أن نتساءل بعد مضى ستة أعوام على 25 يناير، عما إذا كانت 25 يناير « ثورة» أم «تمردا» على حاكم وصفه الثوار بالمستبد..؟، خاصة أنها حسب كتابات المثقفين نجحت فى الإطاحة بمبارك، رغم أنها لم تنجح فى إسقاط نظامه!.

وهمنا لا يجب أن نتعجل بالإجابة.. فحسب مفهوم الثورات، فإنها «ثورة» أتت بـ«الإخوان» كنظام بديل مغاير لنظام مبارك.. وبنفس القياس فإن 30 يونيو ثورة لأنها أطاحت بالإخوان وأتت بنظام بديل مغاير.. وهنا يطرح السؤال نفسه، إذا أسقطنا فترة حكم الإخوان، وقارنا بين النظام الحالى كبديل لنظام مبارك.. هل يمكن اعتبار 25 يناير «ثورة»؟!.

علمنا تاريخ الثورات أن التغيير بـ«الصناديق» عادة ما يكون أسرع وأكثر أمانًا من التغيير بالثورة