رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التعليم المأسوف عليه


وإذا بالدكتور حسام بدراوى يقول فى حواره مع جريدة يومية بعددها المنشور فى الأول من مارس الجارى: «إن لديه الحل الأمثل لمشكلة الدروس الخصوصية». ما إن قرأت هذه الجملة، حتى رحت أطوى الكلمات طيًا، لأصل إلى الحل الذى أعول عليه كثيرًا، خاصة أن حسام بدراوى كان قاب قوسين أو أدنى من مقعد وزير التربية والتعليم وجاء رد بدراوى، بأنه يرى ابتكار تطبيق على أجهزة الموبايل، يتولى من خلاله المعلمون المخضرمون التدريس لعدد أكبر من الطلاب، وأن ذلك سيدر على المعلم ما بين 50 و70 ألف جنيه شهريًا.

تطبيق إلكترونى على الموبايل، يحل أزمة التعليم، ومشكلة المعلم، فهنيئًا لمن سيدخل إلى جيبه ألوف لا حصر لها، ونبارك لأبنائنا الذين تيسرت لهم الأمور، وسيتابعون ما تجود به قريحة المعلمين الأفذاذ عبر الإنترنت، وباستخدام الأجهزة المحمولة.

كأننا نعيش فى كوكب منفصل أيها السادة، لا يعلم الدكتور بدراوى ومن حوله، أن عددًا لا بأس به من المدارس يفترش فيها الطلاب الأرض، لعدم وجود مقاعد كافية، وأن المعلمين لا تتوافر لهم مقاعد أخرى ليظلوا واقفين طوال حصصهم الدراسية.

لم تتح الفرص السعيدة للدكتور بدراوى ولم يحالفه الحظ، أن يرى «الخريطة» وهى الحقيبة المصنوعة من أقمشة بالية، التى يضع فيها أبناؤنا كتبهم الدراسية لعدم قدرة آبائهم على شراء حقائب مدرسية، أو لعله لم يتابع إحصائيات أولياء الأمور العاجزين عن الوفاء بالمصروفات الدراسية.

من أين تأتون بهذه الأفكار يا سادة؟!.. الوزير السابق، يقول إن الطلبة ليسوا بحاجة إلى كتب دراسية مطبوعة، فجميع المقررات الدراسية تم رفعها على الموقع الإلكترونى للوزارة، وكأن أجهزة توصيل الإنترنت، لا تفارق فقراء قرانا، وبدراوى يقول إن مقترحه تقدم به إلى وزير التعليم الحالى، مبديًا تفاؤله بقرب إنجازه.

لن ينصلح حال التعليم، بالنظريات والمنظرين، بل بالعمل على أرض الواقع، فليس معقولًا أن يتم إمداد مدرسة بـ«سبورات» ذكية، ومعلموها يجهلون أبسط قواعد استخدام أجهزة الكمبيوتر، وإن عرفوها فإن التلاميذ يشعرون بمسافة كبيرة بين هذا الاختراع الذكى، وبين المنزل الذى لا يزال يعانى من توفير الخبز والزيت والسكر.

تطوير التعليم ليس بتقنيات تكنولوجية، إنما بمعلمين أكفاء، يدركون قيمة العلم، ويعتزون بمكانة المعلم.. تطوير التعليم بتوفير أماكن آدمية للطلاب، لكى يفكروا فى التعلم من الأساس. نحن نحارب الدروس الخصوصية فى الصباح، وكل منا يبحث عن معلم منزلى لأبنائه فى المساء، لأننا نعلم علم اليقين أن المعلم وإن كان مخلصًا، فلن يتمكن من أداء شرح علمى لائق، فى ظل مناخ غير صحى.

أناديكم جميعًا أيها المسئولون، بالقيام بزيارات مفاجئة لمدارسنا فى المناطق الشعبية، والقرى النائية، لا تزوروا المدارس النموذجية، ولا تكتفوا بالتقارير التى تقول «كله تمام»، التعليم هو نقطة البداية، فلا تختصروها فى «آى باد»، و«موبايل». القضية أكبر وأعمق من ذلك بكثير، المشكلة ليست فى «البوكليت»، بل فى تدنى الأخلاق الذى جعل من يقوم بتسريب الامتحانات يعتقد أنه على حق، القضية ليست فى الوسيط الذى تصل الفكرة عبره إلى الطالب، إنما تكمن أيضًا فى المناهج الصماء التى يتعلمها. تلك المناهج التى لا يؤخذ فيها رأى شباب الخبراء، أو المدركين لاحتياجات الواقع من العلوم التى يجب تدريسها فى وقتنا المعاصر.. تعليم الأطفال فى المرحلة الابتدائية، اختلفت طرقه، وأصبح لدينا خبراء تستعين بهم دول عديدة، لتطبيق مناهجهم على أبناء هذه المرحلة الأهم فى مسيرة التعليم. تعليم المرحلتين الإعدادية والثانوية، بحاجة أيضًا إلى إعادة النظر فى مناهج اللغة العربية، التى تقدم وجبتها بشكل ينفر الطلاب، فتتخرج منهم نماذج لا تعرف أبجديات القراءة والكتابة، وبحاجة إلى طرح جديد لتعلم اللغات الأخرى وخاصة اللغة الإنجليزية التى باتت نقطة سوداء فى السيرة الذاتية لخريجى الجامعات.

فى الغرب الذى يتشدق به خبراء التعليم، بلغت جودة المدارس الحكومية إلى الحد الذى لا يسمح بوجود مدارس خاصة، ويتقاضى المعلم راتبًا متميزًا من دون «كادر» ومكافأة امتحانات، فى الغرب لم يتم إلغاء حصة المكتبة، ولم يتم التعامل مع التربية الفنية والتربية الرياضية، كوقت لراحة التلاميذ.

الأجدى فى كل الأحوال، ألا يكون مصير التعليم متعلقًا بشخص الوزير، فإذا ما ترك مقعده جاء من يخلفه ليلغى ما تم إقراره من نظم فيما سبق، التعليم بحاجة إلى مجلس أعلى، يضع نظمًا مبنية على دراسات متعمقة، تنطلق من خلاله استراتيجية ليست معرضة للأهواء، بل يجب أن يسبق تطبيقها استرشاد بآراء المعلمين أنفسهم، الذين يطبقون هذه النظم، لا أن يتلقوا التعليمات للتنفيذ فقط. لا نريد الرفاهية يا دكتور حسام، لكننا نتطلع إلى الحد الأدنى من نظم التعليم التى تحترم المعلم والطالب، أرجوكم تنازلوا عن أحلامكم بأن يصير لدى كل طالب حزمة من الأجهزة المتطورة، هو يأمل الآن فى كتاب مطبوع، وصوت مسموع، ومعلم متعلم وسيكون لكم من الشاكرين.