رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سد الخانات ليس إنجازًا


لا شك أن تجديد الخطاب الدينى مهم نتيجة لما أدخل على الدين من خزعبلات هى أبعد ما تكون عن الرسالات السماوية، مما أدى إلى تشويه هذه الرسالات واستخدام الدين كمنفذ إلى كثير من الجرائم وليس الإرهاب إلا نوعا من هذه الجرائم، فكثيرة هى الجرائم التى ترتكب باسم الدين، ويبدو أن الإنسان يتفنن فى استخدام كثير من المبادئ والشعارات العظيمة فى غير موضعها، والنتائج هى أبعد ما تكون عن مقاصدها. ومن ضمن هذه المبادئ والشعارات العظيمة عرفنا الحرية التى استخدمت لقتل الآلاف بل والملايين فى حركات وثورات، وها هى العقائد استخدمت وتستخدم فى أهداف بعيدة تماما عن مقاصدها، واليوم أتحدث عن قواعد وضعت من أجل حسن أداء الجهاز الإدارى سواء كان جهاز الدولة أو أى جهاز إدارى آخر.



وها نحن قد عرفنا عن أحداث أساءت فيها عناصر إدارية السلطات التى منحتها لكى تحقق آمال البشر لتحقق هى مصالح ذاتية لها على نحو غير الذى أنشئت من أجله، أو لمجرد التسلط على رقاب البشر، أو لتوجيه المشاعر ضد الدولة أو صاحب الجهة الإدارية والتى يمكن أن تكون على أشكال مختلفة، فهو أحيانا الحكومة، وأحيانا الشركة أو النقابة أو غيرها من الصور المختلفة لأجهزة الإدارة، وها نحن نسمع ونقرأ بصفة شبه يومية عن قيام البعض بالتحايل لكى يحققوا مصالح مالية لهم/أو لغيرهم على حساب مصالح البشر، ولكن ما تضبطه أجهزة الرقابة الإداريةـ أو على الأقل ما نعرف به هو نوع واحد من الفساد الإدارى وهو الذى يتلخص فى التربح من الوظيفة والحصول على رشاوى أصبحت تقدر بملايين الجنيهات والدولارات بعد أن كانت تقدر بالقروش والجنيهات، لكنى أرى أن هناك أنواعا من الفساد الإدارى الذى لا ينشر عنه شىء وربما لا يكون هناك من يحاسب عليه، وأقصد هنا ما يقوم به مسؤول من تعطيل العمل مثلا وكلنا يعرف حكاية «فوت علينا بكره»، وهناك من يستخدم سلطاته لتقدير الرسوم الواجب دفعها نتيجة الخدمة المقدمة ليبالغ فيها إلى درجة قد تؤدى إلى التوقف عن أداء النشاط نتيجة لانخفاض العائد أو تآكله، كما يؤدى إلى عدم الثقة فى جهاز الدولة عموما، وفى رأيى أن الجهاز الإدارى للدولة فى حاجة إلى تجديد خطابه هو الآخر، وتغيير معايير الكفاءة عما هى الآن، وإن كنت أعترف بأن المهمة ليست سهلة.

كانت هناك مقولة سائدة فى أجهزة الحكومة بشكل خاص تتلخص فيما يلى: «تشتغل، تغلط، تتحاسب، ما تترقاش، ما تشتغلشى ما تغلطشى ما تتحاسبش، تترقى» أى أن القواعد انقلبت وبدلا من أن يكون الأصل أن المسئول إنما وجد ليعمل فى موقعه وأن معيار كفاءته هو تحقيقه للخدمة التى وجد من أجلها، أصبح المعيار هو توقفه عن العمل وعدم تقديم الخدمة التى يفترض أن يقوم بها. هذا وقد يكون هناك معيار آخر وهو توفير مصادر مالية للحكومة أو الجهة الإدارية عن طريق فرض رسوم أو تقدير ضرائب عشوائى مبالغ فيها ما يجعل الممول يلجأ إلى التحايل أو ربما التوقف عن العمل،وهذا كله يحتاج إلى تغيير وهو ما أسميه تجديد الخطاب الإدارى. خلاصة ما سبق أن تقييم المسئول لا يكون بمدى حضوره فى مواعيد الحضور، وانصرافه فى مواعيد الانصراف فقط، ولا بالرد على طلبات المواطنين فقط ولو كان الرد بالرفض، ولا بتوفير مبالغ كانت ستدفع لتحقيق عمل معين، ولا الانتهاء من القيام بعمل ما فى زمن أقل من المقدر فقط، وإنما بتحقيق الهدف، فمثلا عناصر وزارة الزراعة تقاس كفاءتها وفقا للمحاصيل الزراعية التى تحققها وفقا للمعايير المعروفة كما ونوعا، ومعايير كفاءة عناصر وزارة التموين هى مدى حصول كل مواطن على احتياجاته فى الوقت والمكان المناسبين وبالتكلفة المناسبة. ومعايير كفاءة وزارة التعليم بمدى كفاءة ما حصل عليه التلاميذ والطلبة من التعليم المناسب واكتساب المعرفة والمهارات الضرورية وبأقل تكاليف، ومن الطبيعى أن هذا لا يقتصر انطباقه على أجهزة الوزارة وإنما ينطبق أيضا على أفرع الوزارات فى المحافظات المختلفة، وألا يقتصر التقييم على القيادات رغم أهمية دورهم، ولكن يجب انطباقه على جميع المسئولين كل فى مدى اختصاصه، كما ينسحب ما سبق على المحافظات وأجهزة الحكم المحلى بحيث يمكن تقييم عمل المحافظ ومساعديه وفقا لما ينجزه على النافع وليس ما يطلق عليه «سد الخانة»، فسداد الخانة ليس إنجازًا، وإنما الإنجاز تحقيق الهدف كاملًا غير منقوص.