رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

2017.. عام التاريخ


يهِل علينا عام 2017، والمنطقة العربية، بل العالم بأكمله، فى حالة من السيولة واللامنطقية، بشكلٍ ينبئ عن مرحلة انتقالية صعبة كُتِب علينا أن نمر بها، ولكن أيضًا يُبشِّر ذلك بعالم جديد، تتشكل ملامحه، ولكن لا يظهر منه إلا ضوء خافت فى آخر النفق.

هذه الحالة الانتقالية اللامنطقية، تجعلنا نعود إلى قراءة التاريخ، مثل الطبيب الذى يقرأ تاريخ مريضه ليساعده ذلك على اكتشاف الداء، ووصف الدواء.

واستلفت انتباهى أننا فى إطار عملية المراجعة وإعادة قراءة التاريخ، علينا فى هذا العام إعادة قراءة الفترة العثمانية فى تاريخنا، إذ يمر خمسمائة عام على دخول العثمانيين إلى مصر، والعالم العربى من قبل.. هذه الفترة العصيبة والهامة من تاريخنا.. إذ صورت هذه الفترة من جانب التيار القومى المصرى والعربى بأنها فترة «الانحطاط والتدهور»، وهى الفترة التى مهدت بشكل مباشر أو غير مباشر للاستعمار الأوروبى. وعلى العكس من ذلك، نظر الإسلاميون إلى هذه الفترة على أنها آخر خلافة إسلامية، وبسقوطها زالت الخلافة، وسقطت فلسطين فى أيدى الصهاينة. من هنا لم يكن غريبًا قيام حسن البنا بتأسيس جماعة الإخوان عام 1928، كرد فعل طبيعى لسقوط الخلافة العثمانية.. وهكذا سقطت هذه الفترة فى ثنائية «الجنة والنار»، ولم تتم دراستها بعيدًا عن الأيديولوجيا!!

وفى هذا العام أيضًا تمر علينا مئوية وعد بلفور، حيث وعدت بريطانيا يهود العالم بتكوين وطن قومى لهم فى فلسطين، وسيكون هذا الوعد عاملاً هامًا وداعمًا للحركة الصهيونية، وقيام إسرائيل بعد ذلك فى عام 1948، ودخول المنطقة فى صراع القضية المزمنة «قضية فلسطين»، التى تحول اسمها بعد ذلك إلى قضية الشرق الأوسط، فى تغير نوعى هام، ترك آثاره على القضية، التى أصبحت الآن فى خبر كان، ولا يعلم أحد ماذا يخبئ الغد لها.

وليس بعيدًا عن ذلك أن عام 2017 يذكرنا بمرور خمسين عامًا على هزيمة 1967، أو نكسة يونيو، أطلق عليها الاسم الذى تفضله، وفقًا لموقفك السياسى والأيديولوجى، ولكن لن تختلف معى أنها كانت القاصمة للحلم العربى، وأننا من بعدها لم نعد نتحدث عن الأمة العربية الواحدة، أو عن «أمجاد يا عرب أمجاد»، إذ استيقظنا على كابوس رهيب؛ دولة العصابات الصهيونية تحتل أراضى ثلاث دول عربية: مصر والأردن وسوريا. ولم نطرح على أنفسنا السؤال الإجبارى «لماذا هُزمنا؟»، وبالتالى لم تكن هناك إجابة، ولذلك تكررت الهزائم، حتى تعودنا عليها!!

ويذكرنا هذا العام أيضًا بمئوية الثورة البلشفية وقيام الاتحاد السوفيتى، وربما يسأل البعض: وما أهمية ذلك الحدث بالنسبة لنا فى مصر، أو حتى فى العالم العربى؟.

يكفى أن أُذكرك عزيزى القارئ أن المنطقة العربية كانت من أكثر المناطق فى الفترة التالية على الحرب العالمية الثانية، تهيؤا لوصول الحركات الشيوعية إلى سدة الحكم فيها، وأن أمريكا فى إطار سياسة الحرب الباردة فعلت الأفاعيل للحيلولة دون حدوث ذلك. كما مر على المنطقة حين من الدهر كان الاتحاد السوفيتى هو نصير الحركات التقدمية العربية، مع أن الاتحاد السوفيتى هو من أوائل الأنظمة التى اعترفت بقيام دولة إسرائيل!! وكان الحلم الشيوعى هو أمل المستقبل لدى أجيال عديدة فى العالم العربى، ولكن فشلت الحركات الشيوعية العربية، وانقسمت على نفسها وضاع هذا السراب.

عزيزى القارئ ألم أقل لك إن عام 2017 هو عام المراجعة وإعادة قراءة التاريخ، ولكن هل نحن أمة تقرأ؟ وإذا قرأنا، هل لدينا شجاعة المراجعة؟ أم يا ترى سيأتى الحفيد ليُعيد كتابة هذا المقال فى عام 2117؟!!