رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاصيل مفاجأة "هيكل" داخل الجامعة الأمريكية عن توريث الحكم

محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، تنشر «الدستور» الفصل التاسع من كتاب "أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز"، للكاتب الصحفي عبد الله السناوي أحد أصدقاء الراحل المقربين.

ويتناول هذا الجزء قصة محاضرة "هيكل" في الجامعة الأمريكية عن «توريث الحكم».

لم تكن تلك هى الواقعة الوحيدة التى تحوّلت فيها «دريم» وصاحبها والمشرفون عليها إلى تبة ضرب نار.
قبل عام ـ أكتوبر (٢٠٠٢) ـ نقلت نفس الفضائية على الهواء مباشرة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة المحاضرة التى ألقاها بمناسبة مرور نصف قرن على ثورة (٢٣) يوليو.
لم يكن أحد يعرف ما الذى سوف يقوله، ولا من أي زاوية سوف ينظر إلى تاريخ تقادمت عليه العقود.
لم يكن بوسع «دريم» أن تتوقع دخوله الكامل فى دائرة المحظورات واختراق كل ما جرى التعارف عليه كـ«خطوط حمراء».
ولا كان أحد خارجها يتوقع أن تدوى مفاجأته على النحو الذى جرى.
سألته عن خطته للمحاضرة المرتقبة، وكان يضع أوراقا أمامه.
قال: «ما رأيك أنت؟».. «ما نقاط التركيز التى تتصور أن الرأى العام ينتظرها؟»
أشرت إلى محطات ومعارك وأسئلة تحتاج إلى إجابات.
لم يخطر ببالى لوهلة واحدة، وهو يستمع مبتسما، أنه سوف ينحى الماضى كله ويناقش مستقبل نظام الحكم فى مصر متطرقا إلى «توريث الحكم» من الأب إلى نجله الأصغر.
كانت جريدة «العربى» قد بدأت منذ يونيو سنة (٢٠٠٠) حملة متصلة ومتصاعدة ضد مشروع «التوريث».
لم يتوقف الحديث بيننا فى ذلك الملف الحساس، ولعله أراد أن تكون المفاجأة كاملة.
استقر يقينه على واحدة من أهم معاركه، وقرر أن يدخلها أيًا كانت العواقب.
عندما دخل ساحتها أضفى مصداقية على الذين سبقوه وتحملوا مسئولية التنبيه المبكر.
كان تأثير ما قاله مدويًا فى المجال العام.
لم تكن قطاعات واسعة من الرأى العام المصرى وقتها تصدق أن مشروع «التوريث» ممكن، أو أنه موجود أصلا.
بعد محاضرته فى الجامعة الأمريكية أخذت الحملة أبعادًا جديدة أذنت باتساع المعارضة الصحفية أولا والسياسية ثانيا إلى حدود أفضت فى النهاية إلى ثورة «يناير».
قبل تلك المحاضرة المدوية أطلق أعيرة صحفية فى الهواء كأنها تمهيد لما انتواه: «الأنظمة طالت أعمارها بأكثر مما هو داع» ـ إبريل (٢٠٠٢).
وبعد خمس سنوات ـ يوليو (٢٠٠٧) ـ قال: «لو عاد عبدالناصر الآن لتبنى حملة العربى الطويلة ضد الاستبداد والتوريث».
عندما كان يفجر مفاجآته المدوية فى الجامعة الأمريكية، و«دريم» تنقلها إلى كل بيت، لم يكن هناك أحد من المسئولين الكبار بالقاهرة.
كان الرئيس «حسنى مبارك» قد صحبهم معه إلى الإسكندرية لافتتاح مكتبتها الشهيرة فى حضور ملوك ورؤساء أوروبا، بما ذكر باحتفالات افتتاح قناة السويس على عهد الخديو «اسماعيل».
أذاعت «دريم» المحاضرة مرتين، وقبل الثالثة تنبهت سلطات الدولة لخطورتها، فأمرت بمنع بثها.
اعتذرت «دريم» بزعم أن لعدم البث أسبابه الفنية.
رغم عدم البث تصاعدت حملات التحريض على «دريم»، وشاركت فيها صحف وأحزاب يفترض أنها معارضة بتحريض مباشر من بعض السلطات فى الدولة.
خلال الأزمة طُلب من «دريم» «تعديل المسار» لتجاوز بعض برامجها «خط الإعلام المصرى».
وخلال الأزمة اضطرت ثلاث صحف حزبية وخاصة ـ بطلب مباشر من وزير الإعلام «صفوت الشريف» ـ عدم نشر محاضرة الجامعة الأمريكية بعد أن كاد يدفع بها إلى المطابع.
كان الطلب واضحًا وصريحًا فـ«الرئيس سوف يغضب ويحمّل من ينشر المسئولية».
وانفردت «العربى» وحدها بنشر المحاضرة المدوية التى دخلت فى المحظور.
«إننا أمام أربع صور حول كل واحدة منها إطار يحدد ويفصل، والألبوم من أوله لآخره ناطق بأن تلك الخمسين سنة لم تكن عمرًا تدفق طبيعيا مرحلة بعد أخرى، وإنما بكل الشواهد ـ عصور متعددة ـ اختلفت ـ وتناقضت ـ وفى بعض الأحيان تصادمت».
كانت الصور لأربعة رجال هم: «محمد نجيب»، و«جمال عبدالناصر»، و«أنور السادات»، و«حسنى مبارك».
«إن الغد لا يقدر ـ ولا يملك أن ينتظر صورة خامسة تزيد على ألبوم الصور السابقة، لأن تحديات زمان جديد لا تحتمل استراتيجية الانتظار وسياسة التأجيل».
«المطلوب ليس نقلة من رجل إلى رجل، وإنما من عصر إلى عصر ـ أى من شرعية مرحلة الانتقال إلى الشرعية الدائمة، وبالتالى: من الفرض إلى الدستور ومن الصورة إلى القانون».
«من فضلكم دعوا المستقبل يتحرك بحرية، ودعوا المستقبل يمر بأمان، ودعوا المستقبل يبدأ الآن قبل أن يفوت الأوان».
هكذا كانت رسالته فى تلك المحاضرة التى حملت اسم «المستقبل الآن».
وهكذا تبدت حساسيات إضافية حجبت العقول أن تفكر والصدور أن تستوعب، وكانت النتائج بالنهاية محتمة.