رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"السناوي" يكشف أسباب إعجاب "هيكل" بقناة الجزيرة

 محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل

احتفالا بالذكرى السنوية الأولى لرحيل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، تنشر «الدستور» الفصل التاسع من كتاب "أحاديث برقاش.. هيكل بلا حواجز"، للكاتب الصحفي عبد الله السناوي أحد أصدقاء الراحل المقربين.

ويتناول "السناوي" في هذا الجزء تحفظات "هيكل" على دخول «الجزيرة»، وآخر عهده بها، ولماذا كان معجبًا بمهنيتها.

قبل نحو شهر ـ الخميس (١٠) يونيو ـ الساعة التاسعة وخمسون دقيقة بالثانية، وفق مواعيده بالغة الانضباط، دخل استوديو محطة «الجزيرة» بمدينة الإنتاج الإعلامى.
تناول فنجانًا من القهوة قبل أن تدور فى العاشرة الكاميرات تسجل أولى حلقاته، وكادت تلاحقه العيون والأنفاس داخل الاستوديو.
كان صوته مستريحا بعدما تعافى من أزمة ألمت بأحباله الصوتية قبل فترة قصيرة اضطرته إلى تدخل جراحى بألمانيا.
لم يستوقف التغير الذى ألم بصوته من «بحة بها شجن» أحدا تقريبا.
استغرب تلك الملاحظة عندما استمع إليها لأول مرة، لكنه كرر العبارة بشيء من الرضا، فقد أصبح ذلك صوته، وهو أكثر اتساقًا مع شخصيته وقربًا إنسانيًا من مستمعيه.
عندما توقفت حركة الكاميرات وغادر موقعه اقترب من عامل الإضاءة، قبل غيره سائلا: «إيه رأيك؟».. كأنه أراد أن يتلمس ردات الفعل المحتملة للمشاهدين العاديين قبل العرض على الشاشة.
لم يحر العامل الفنى البسيط جوابا غير عبارة واحدة: «عظيم يا أستاذ طول عمرك».
وفق العقد المبرم مع المحطة كان مقررًا أن يتطرق فى الـ(١٠) حلقات الأولى إلى الشأن العربى الجارى قبل أن يدخل فى الـ(٥٠) حلقة التالية إلى «سيرة حياة».
غير أن الحلقات امتدت بأطول مما كان متفقًا عليه حتى عام (٢٠١٠) عندما قرر باختياره ـ وحده ـ التوقف عن الظهور على شاشات «الجزيرة».
سألته عن سبب تغيير بعض برامجه المعتادة والبقاء لفترات أطول فى «برقاش»: «هوه فى سر؟».
أجاب ودودا: «هوه فى تحقيق؟».
وأخذ يتلو ـ كعادته دائما بحسب مقتضيات المواقف ـ أبياتا من محفوظاته الشعرية:
«إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصدر الذى يستودع السر أضيق».
مال إلى عرض «الجزيرة» من أى عرض آخر تلقاه من فضائيات عربية منافسة، فقد كانت الأكثر مشاهدة وتأثيرا فى العالم العربى.
فى أول حلقة من «سيرة حياة» دخل كجراح إلى أسبابه دون أن يجرح، وتحدث عن دواعيه دون أن يسهب.
كانت له تحفظات على دخول «الجزيرة» خط التطبيع باستضافة شخصيات ومصادر إسرائيلية.
غير أنه قدّر الدور الذى لعبته فى الحرب على العراق ولم يخفِ إعجابه بأدائها المهنى واتساع شاشتها للتنوع الفكرى والسياسى فى العالم العربى والحرية الواسعة التى وفرتها.
فى إطلالته الأولى كانت آخر جملة استمع إليها مشاهدوه: «إذن فلتكن الجزيرة».
وفى الإطلالة الأخيرة لم يشر إلى أن هذا آخر عهده بـ«الجزيرة» ومال إلى الصمت الكامل احتراما لنفسه وللمحطة التى استضافته لسنوات.
ذات مرة أبديت رأيا سلبيا عن حلقة بـ«الجزيرة» سجلها قبل أن يسافر إلى ألمانيا لتدخل جراحى عاجل، عددت أسبابى، وهو يستمع على سرير مرض.
تحدثت يومها، كما اعتدت بلا حواجز، لكنى تنبهت بعد ذلك الاتصال أن الكلام نفسه لم يكن له لزوم فى أحوال نقاهة بعد تدخل جراحى.
قلت له فى اليوم التالى: «إن كثيرين يخالفوننى الرأى الذى ذكرته لك، وقد يكونون هم على حق».
جاء صوته حازما رغم الوهن: «لا تقل ذلك فما ذكرته أمس هو الصحيح».
[عزيزى عبدالله
أجد لزاما علىّ احتراما لأدب المهنة والحق معًا أن أكتب لأدفع مظنة خطأ يمكن نسبته إلى «العربى» وإليك دون ذنب.
إنك تفضلت وسألتنى فى الأسبوع الماضى عن موعد إذاعة حديثى فى الشأن الجارى على قناة الجزيرة وأجبتك لحظتها بما أعرف وهو فى حينه صحيح، لكن الذى جرى أن إدارة الجزيرة رأت ـ ولها الشكر ـ أن يكون حديثى متوافقًا مع عملية تجديد واسعة سبقت بها، ثم إنها رأت فى نفس الوقت بأفضلية أن تكون إذاعة هذا الحديث ـ وفى هذا الإطار ـ مساء الخميس، وهو نفس الموعد الذى ظهرت فيه من قبل ضيفا على شاشاتها.
ولو تذكرت أن الصحفى فيك مستيقظ طوال الوقت ومتحفز لنبهتك حتى لا يبدو النشر تواكلا من جانبكم أو قصورا، ولذلك فإنى أكتب هذه السطور الآن قاصدا وضع المسئولية فى مكانها الصحيح، راجيا من قرائك أن يغفروا التباس وقع بتسارع الأمور ـ شاكرا ـلك اهتمامك وحرصك وكليهما موضع اعتزازى فى كل الأحوال.
لك صادق الود مجددا مع موفور الاحترام].
كانت تلك إشارة فى (١٩) يونيو (٢٠٠٥) إلى أدب الحق وأدب المهنة وأصول الأستاذية.