رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثقافة.. ذراع الدبلوماسية المعطلة


مهمة شاقة تتحملها الدبلوماسية المصرية فى هذه الآونة، فرهانات القوى العظمى تلقى بسهامها نحو مصر، رغبةً فى استمالتها تجاه طرف على حساب الآخر، ناهيك عن المواقف تجاه القضايا العالمية، التى تُجبًّر مصر على إبراز رأيها حيالها، وبين هذه وتلك تظل مسئولية إظهار الوجه الحضارى لمصر أمرًا فى غاية الأهمية، فى ظل ما يشاع عنها من قبل تكتلات مغرضة.

وفى خضم ما ذكر، يغض بيت الدبلوماسية العريق الطرف عن أهمية الثقافة فى حسم هذه المواقف فى صالح الجانب المصرى، الثقافة هى التى اختصرت جهودًا كان من الممكن أن تظل لسنوات بفوز محفوظ بجائزة نوبل، وهى أيضًا التى تسلب العقول فى معارض الآثار والمحاضرات المتعلقة بالتاريخ المصرى القديم.

الدبلوماسية الثقافية.. زيادة فى ترجمة الإبداعات المصرية إلى لغات مختلفة، بدلًا من تفرغ المركز القومى للترجمة ليقدم للقارئ المصرى، ترجمات عن لغات أخرى – مع التقدير لهذا الجهد.

الدبلوماسية الثقافية.. هى الالتفات إلى إمكانية استخدام الثقافة كجسر تعبر عليه إلى الآخر، وتمهد الطريق أمام الكثير من الحوارات والمناقشات المتعلقة بقضايا سياسية واقتصادية، ولكننا مع الأسف نجد ذلك يحدث بشكل ناجح فيما ندر.

المستشارون الثقافيون الذين تعينهم وزارة التعليم العالى، يقومون على رعاية المبتعثين وما أقلهم، وتتعامل مع النشاط الثقافى فى الغالب معاملة الهواة، خاصة إذا كان المستشار الثقافى بعيدًا كل البعد عن الأبعاد الثقافية وأهميتها.

والمؤسف أيضًا أن كلًا من قطاع العلاقات الثقافية بوزارة الخارجية، وقطاع العلاقات الثقافية بوزارة الثقافة، يتعاملان بشكل روتينى يقتصر على مكاتبات دورية، أو إرسال بعض فرق الفنون الشعبية التى يتم اختيارها فيما أظن – بنظام الكوتة – فلا هدف ولا سبب من إرسال فرقة بعينها إلى اليابان وإرسال الأخرى إلى الهند... الفنون الشعبية تراث مهم فى تاريخنا، ولكن العالم يريد أن يعرف عن وقتنا المعاصر أيضاً، يريد أن يتعرف إلى شعرائنا، وشعراؤنا يتم اختيارهم وفقًا لهوى شاعر كبير يختار من تحت عباءته فقط.

لابد أن تفعّل الدبلوماسية المصرية ذراعها الثقافية، على الساحة الدولية، فما المانع من أن تصحب الزيارات التى تتم على مستوى رفيع، مؤتمرات لمناقشة سبل التعاون فى رئات ثقافية، منها على سبيل المثال الترجمة من وإلى العربية، أو استغلال الحرف التقليدية المصرية كوسيلة للتعاون الثقافى والتجارى فى آن واحد.

تحتل قضية السينما اهتمامًا كبيرًا لمسناه على مستوى مجلس الوزراء فى السنوات الأخيرة، ولكن الأفلام المترجمة إلى لغات غير الإنجليزية نادرة، حتى المتميز منها لا يتم إمداد سفاراتنا به. . فما بالك لو تم التعاون مع بعض الدول على مستوى التصوير داخل مصر، وفقًا لتسهيلات فى الإجراءات والإعفاءات الجمركية، كما يمكن أيضًا فتح أسوق للتوزيع، والإنتاج المشترك... كثيرًا ما تنادت الأقلام بضرورة إعادة النظر فى مسألة المستشارين الثقافيين، ولكن هناك حل لا يحتاج إلى تعديل فى القوانين، وهو أن يكون فى كل ملحقية ثقافية ممثل عن وزارة الثقافة، يتحمل هذا الممثل مسئولية اقتراح فعاليات ثقافية، تدرس من قبل متخصصين فى الجهات المسئولة فى مصر، ويتولى هو الإشراف على تنفيذها.

كما أن قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارتى الخارجية والثقافة، لا توجد به مكاتب فنية، تقترح ما يجب تفعيله فى كل دولة وفقًا لمؤشرات العلاقات، والواجب تداركه من خلال فعاليات ثقافية. تتناسب مع الخلفية الثقافية لكل دولة... الأمر ليس هينًا كما قد يراه البعض، بل هو أمر شديد التأثير، الثقافة قادرة على اختصار المسافات، وعبور المشكلات، ودحض الصور الذهنية غير الصحيحة عن مصر وأهلها، الثقافة هى الحل الأمثل لإعادة السياحة، والقوة الضاربة للقضاء على الهجوم المضاد... نحن بحاجة إلى إرادة سياسية، تعيد الثقافة إلى مقعدها المناسب فى طائرة سفير مصر فى أى دولة.