رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لمحات من أزمة تاريخنا وتعليمه


تحت عنوان «لمحات من جغرافية مصر وتاريخها»، اطلعت بالمصادفة على منهج «الدراسات الاجتماعية» المقرر هذا العام فى الفصل الدراسى الأول على طلاب الصف الخامس الابتدائى، ودون قصد دونت عدة ملحوظات، تستوقفك فتملؤك دهشة ممزوجة بالشفقة، على حالة الانفصال عن الواقع، التى يعيشها القائمون على مناهج التربية والتعليم، فى وزارتنا النمطية العريقة العتيقة!!.. وأسأل أول ما أسأل، إذا كان المنهج يتناول فى إيقاع سريع، مكون من ثلاث وحدات رئيسية، وعدة عناوين فرعية، الموارد الطبيعية فى مصر، والأنشطة الاقتصادية فى مصر، ومصر قبل الإسلام، فهل الصواب أن يحمل المنهج عنوان الدراسات الاجتماعية أم الدراسات المجتمعية؟!.. وإذا كان العنوان الفرعى للمنهج «لمحات من جغرافية مصر وتاريخها».. فما الداعى للتأكيد على أننا نتحدث عن مصر، فنكرر ذكرها فى العناوين الرئيسية بعد ذلك؟!.



الكتاب ذو الستين صفحة، يحمل أسماء ستة مؤلفين من مدرسى المادة، وثلاثة مراجعين من أساتذة جامعات القاهرة وعين شمس والأزهر، فى المناهج والجغرافيا الطبيعية، والتاريخ الإسلامى، بالرغم من أن المنهج يتناول مصر قبل الإسلام!!.. ومع أولئك وهؤلاء مدير عام للإشراف العلمى، وممثلو مركز تطوير المناهج والمواد التعليمية بالوزارة!!.. آه والله.. كل هؤلاء هناك فى مقدمة الكتاب!!.. أما مؤخرته فمازالت تحمل إرشادات من عينة، الاتحاد قوة والتفرقة ضعف، أد واجباتك ثم طالب بحقوقك، من يزرع المعروف يحصد الشكر، أنت حر ما لم تضر!!.. ولا تسألنى ما علاقة هذا كله بجغرافية مصر وتاريخها؟!.

مقدمة المؤلفين وعدت ضمن ما وعدت بعرض المحتوى بأسلوب مبسط، ومراعاة المتغيرات على الساحة المحلية والدولية، وربط الماضى بالحاضر وتوقع المستقبل، ووضع المفاهيم والمصطلحات بجوار المحتوى المناسب لها، بحيث يسهل الربط بين المفهوم والمحتوى!!.. والاهتمام بمهارات التفكير، والاهتمام بالجانب الوجدانى، وإكساب المتعلم المنظومة القيمية المجتمعية، ودمج القضايا المعاصرة، والتأكيد على الهوية الثقافية والولاء والانتماء.. وأطمئنكم أنه لا شىء من كل هذا هناك!!.. ولم ينس المؤلفون الدعاء فى ختام المقدمة، وفاتهم فقط «أستغفر الله لى ولكم»!!.. كل هذا يستهدف طفلًا عمره يدور حول العشر سنوات!!.. ومدرسين أتمنى يومًا فرصة مناقشة عينة عشوائية منهم، حول مضامين هذه الرسائل، التى تمثل إطارًا لوضع أيدى أبنائنا على لمحات من جغرافية مصر وتاريخها!!.

أما عن المحتوى، فقد أقبل ما جاء به بشأن جغرافية مصر، من معلومات تتناول مواردها الطبيعية، كما أرحب فى ذات الاتجاه، باستعراض أنشطتها الاقتصادية، ممثلة فى الإنتاج الزراعى والسمكى والحيوانى، وأيضًا الصناعة والنقل والمواصلات والتجارة، ولكن لا أفهم مطلقًا التمييز العرقى العنصرى فى وحدة التاريخ المعنونة «مصر قبل الإسلام».. تلك التى تستعرض أحداثًا من العصرين البطلمى والرومانى، وأبطالها ممن يعجز أطفالنا عن استعياب أسمائهم ومعانيها، ومعهما الحقبة القبطية فى مصر!!.. أعتقد أنه آن أوان أن يقتصر تدريس التاريخ فى مرحلة التعليم الأساسى على تاريخ مصر الحديث، الذى يبدأ بالحملة الفرنسية على مصر فى نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، وإلى أن يصل إلى عصرنا الحاضر، ومن خلال أعمال مؤرخين حقيقيين، لم يفعلوا سوى التأريخ، التأريخ وفقط.. أما ما قبل هذا، فمكانه أقسام التاريخ بكليات الآداب، أو ضمن مساحة الاطلاع لتحصيل المعارف العامة.