رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحو بناء جديد للأمن العربى


يفترض أن ينعقد مؤتمر القمة العربى فى مارس 2017 المقبل فى الأردن، وذلك وفقا لميثاق جامعة الدول العربية بعد تعديله، وجرت اتصالات بين الأمانة العامة للجامعة العربية والسلطات الأردنية تمهيدًا لذلك، ونتوقع أن ترحب المملكة الأردنية بانعقاد الاجتماع فى المملكة ما لم يحدث جديد على نحو ما جرى حينما اعتذرت المغرب عن استضافة الاجتماع، إلا أن الظروف مختلفة الآن بعد ما جرى على الأرض العربية وتطور العلاقات بين الدول العربية والقوى الأخرى بما فيها انتخاب رئيس للولايات المتحدة، وتطورات المسألة السورية والليبية واليمنية والعراقية بشكل خاص.



ولا أظن أن يعتذر الأردن فى هذه الظروف إلا إذا كان ذلك بناء على موقف الولايات المتحدة التى رحبت بقائد الأردن، وكان أول قائد عربى يلتقى الرئيس الأمريكى الجديد بعد انتخابه.

من المعروف أنه عند عقد اجتماع على مستوى رؤساء الدول فإن الحديث عادة ما يتطرق إلى جانبين: الأمن، والاقتصاد، أو الأمن والتنمية وهى موضوعات متداخلة حيث إن الاقتصاد أحد عناصر الأمن الرئيسية، والاقتصاد هو وسيلة لتحقيق النمو والتنمية، وفقا لما سبق أن فسره روبرت مكنمارا، وزير الدفاع السابق للولايات المتحدة الأمريكية، والرئيس السابق للبنك الدولى، حيث يقول فى كتابه «جوهر الأمن» ما معناه إن الأمن هو التنمية، بما يعنى أنه ألغى الفواصل بين مفهوم الأمن أو جوهره ومفهوم التنمية. فتوقف التنمية هو إخلال بالأمن، وانتهاك الأمن يؤدى إلى توقف التنمية.

حينما يجتمع رؤساء الدول العربية فى مارس، كما هو مفترض، فهم سيجتمعون فى ظروف استجدت ثم طالت، ولكنها لم تتوقف، وأصبحت شعوب ودول جامعة الدول العربية تعيش فى ظروف أمنية تختلف تماما عن تلك التى كانت سائدة عند إنشاء الجامعة والتى تطلعت إليها شعوب تلك الدول، وقد كان مفهوما أن الجامعة قد أنشئت من أجل تحقيق آمال وتطلعات تلك الشعوب، وفى ظل مفهوم يقول بأن أمن هذه الدول مرتبط ببعضه، وإن العدوان على دولة منها أو أكثر هو عدوان على باقى هذه الدول، وإن هذا الأمن يتطلب تعاونا بين هذه الشعوب فى كافة المجالات، ومنها الجانب العسكرى.

وإذا كان الآباء المؤسسون للجامعة لم يضعوا الأمن كعنوان لأهداف الجامعة فإن أعضاء الجامعة قد عقدوا فيما بينهم معاهدة الدفاع المشترك التى تنص على أن «تعتبر الدول المتعاقدة كل اعتداء مسلح يقع على أى دولة أو أكثر منها، أو على قواتها، اعتداء عليها جميعا، ولذلك فإنها، عملا بحق الدفاع الشرعى- الفردى والجماعى-عن كيانها، تلتزم بأن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ على الفور، منفردة ومجتمعة، جميع التدابير وتستخدم جميع ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما». كما تنص المادة العاشرة على أن «تتعهد كل من الدول المتعاقدة بألا تعقد أى اتفاق دولى يناقض هذه المعاهدة وبألا تسلك فى علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكا يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة». ولا شك أن أساس المعاهدة هو الهوية العربية وعروبة الدولة، وفقا لما سبق أن جاء فى ميثاق الجامعة.

ينعقد الاجتماع فى الأردن بينما هناك دستور جديد مقترح للجمهورية العربية السورية يغير من اسم الدولة لتكون «الجمهورية السورية» أى بحذف صفة العروبة عن اسمها، وفى نفس الوقت يحضر لاجتماع يخطط لمستقبل سوريا بعيدًا عن جامعة الدول العربية، وكذا فإن القمة تنعقد بعد عامين على اجتماع شرم الشيخ فى مارس 2015 والذى قرر إنشاء القوة العربية المشتركة ولقد أجل الاجتماع الخاص بإنشائها فى أغسطس 2015 بناء على طلب من المملكة العربية السعودية «لمزيد من الدراسة» ولم نعرف، ولا أظن أن أحدا يعرف، متى ستنتهى الدراسة، فى حين أننا نرى أن اجتماعات دول الخليج مع حلف شمال الأطلسى وفقا لمبادرة إسطنبول للتعاون تسير على قدم وساق.

وفى الوقت نفسه فإن دولا عربية تخطط للعدوان على دول عربية أخرى، كما أن الدول العربية لم تستطع أن تحافظ على وحدة أراضيها كما حدث فى الصومال وفى السودان وفى اليمن والعراق وسوريا وليبيا، بما يعنى فى الواقع فشل الدول العربية فى تحقيق أمنها بكل مفاهيمه سواء الدفاعية والوحدة الوطنية أو مفهومه الواسع بما يعنى التنمية.. أظن أن على قادة الدول العربية فى اجتماعهم المقبل أن يعترفوا صراحة بما يرونه حول أمنهم ويعيدوا بناءه على الأسس السابقة أو أن يضعوا أساسا لنظام جديد يحقق قبول الشعوب.