رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثقافة الجيتو


لا تتعجب من التقارب الوجدانى والحركى والفكرى بين اليهود وجماعة الإخوان، ولا تندهش من الخطاب العاطفى الذى أرسله الرئيس المصرى الجديد لنظيره الإسرائيلى، ولا تفزع أمام دعوة العريان لليهود بالعودة إلى مصر، ولا تبحث عن أسباب تخلى الإخوان

عن هتافاتهم الحماسية ضد إسرائيل واليهود والصهاينة، ولا تستغرب العلاقة الحميمة التى صارت تربط الإخوان بالدولة الأم الراعية لإسرائيل والنائمة هى الأخرى فى أحضان الصهيونية العالمية.

الواقع يؤكد أن عوامل التقارب بين اليهود والإخوان أكثر وأعمق من عوامل العداء، فهى على الأقل شئون استراتيجية أهم بكثير من الخلاف التكتيكى الذى كان سائداً فى الخطاب الإخوانى قبل وأثناء ثورة يناير، كلاهما - اليهود والإخوان - يعتنقان فكر وثقافة «الجيتو».

اليهود قضوا عمرهم كله من عهد موسى «عليه السلام» وحتى الوقت الراهن فى صورة جماعة متماسكة ترفض الاعتراف بالآخرين وتؤمن بأنها تفوقهم فى كل شىء، وترفع فى أدبياتها الدينية شعار «شعب الله المختار» وتمارس مضمون هذا الشعار فى مواجهة كل القوى الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية الأخرى.

الإخوان أيضاً قضوا كل تاريخهم منذ تأسيس الجماعة على يد المرحوم حسن البنا وحتى الوقت الحالى فى صورة جماعة متماسكة ترفض الاعتراف بباقى المسلمين وباقى الشعب وباقى الناس فضلاً عن رفضها المنطقى لمعتنقى الديانات الأخرى حتى إن كانت تتقرب إليهم شكلياً حتى تصل إلى أهدافها، وهذه الجماعة تؤمن أيضاً بأنها «شعب الله المختار» الذى يمثل الإسلام الحقيقى بشقيه الدينى والسياسى والذى ينبغى أن يحمل الأمانة إلى أن يتم التمكين لدين الله فى الأرض!

الصهاينة واليهود يقدمون تنازلات براجماتية بين الحين والآخر لأنهم عاجزون عن قهر كل الآخرين وتحويلهم إلى عبيد لهم، والإخوان أيضاً يفعلون نفس الشىء حين يهادنون الفرق الدينية والعلمانية الأخرى داخل وخارج مصر لأنهم أيضاً عاجزون عن إخضاع كل هؤلاء الآخرين لإرادتهم فى الوقت الحالى.

طبيعى إذن أن يشعر السيد الرئيس بكل مشاعر الحب والامتنان تجاه «صديقه» رئيس إسرائيل الشقيقة ويرسل له خطاباً يحمل هذه المشاعر الفياضة.. وطبيعى أن يبادر الأخ عصام العريان بدعوة إخوانه اليهود للعودة إلى الوطن فى مصر.. وطبيعى أن يتوقف شباب وقادة الإخوان عن شعارات «جيش محمد» الذى سوف يعود، وشعارات الشهداء بالملايين الذين هم «ع القدس رايحين»!! وطبيعى أن تتوالى رحلات الحج إلى البيت الأبيض من جانب قيادات الإخوان سعياً للحصول على حق الدعم والرعاية مثل الشقيقة إسرائيل.

الفارق الوحيد بين إسرائيل والإخوان أن يهود إسرائيل على جانب من الفكر والوعى السياسى يتفوق كثيراً على نصيب الإخوان.

ومن هنا تنجح إسرائيل فى تحجيم الأحزاب الدينية المتطرفة وإجبارها على الخضوع للنظام الديمقراطى والتنازل عن كثير من طموحاتها الشخصية والدينية والسياسية، بينما يفشل الإخوان فشلاً ذريعاً فى جمع الطوائف الإسلامية فى مصر وإجبارهم على ممارسة السياسة وفق قواعد الديمقراطية ودون استخراج سلاح التطرف والهمجية ورفض التيارات المدنية أو الليبرالية بعنف وغباء وعبط سياسى غير مسبوق.

رئيس دولة إسرائيل أدلى بعدة تصريحات مؤخراً أدان فيها أصدقاءه الإخوان وقال إنهم لا يفهمون فى السياسة ولا يعرفون معنى الديمقراطية، وأبدى دهشته من الخطاب الذى أرسله له الرئيس المصرى «الإسلامى» والذى لم يحدث فى عهد حسنى مبارك أو حتى فى عهد السادات الذى قتله الإسلاميون احتجاجاً على الصلح مع إسرائيل!!

لا تتعجب أخى المواطن من هذه المفارقات العجيبة، فنحن فى زمن العجائب، ونسأل الله العفو والعافية لهذا البلد الطيب قبل أن يتحالف ضده جيتو اليهود وجيتو الإخوان