رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كروش «الحكومة».. وعروش «الصعايدة»


الصعيد فقير.. أكيد.. الصعيد غنى.. أكيد برضه..
طب إحنا زعلانين ليه، أن يؤكد رئيس البلاد ما قالته تقارير التنمية البشرية لعشر سنوات متتالية، عن «فقر الصعيد الدكر».
أقولها لكم بصراحة.. صرنا موجوعين فى تلك البلاد البعيدة، بأكثر مما يحتمل صبرنا المعروف.. حبال الصبر التى مددناها لمئات السنين «دابت».. وصارت إعلانات الشحاتة التى تستخدمها جمعيات «المنظرة» فى غالب الأحيان.. عارًا يلاحق أبناءنا فى بلاد الخليج وغيرها.. ومن يعرف المثل الشعبى الذى تربى عليه أهالينا فى الصعيد سيدرك لماذا هم موجوعون الآن.
يقول المثل يا سادة: «فوت على عدوك معرش.. ولا تفوت مكرش».. ومعناها بالبلدى.. ألا يعرف أحدهم أنك جائع.. وجرت العادة فى بيوتنا هناك أن «الدار ما يكونش فيها غير زلعة مش.. أو بلاص عسل، وإن حل ضيف أو غريب ممكن «ست الدار المطيعة تستلف وتدبح له وتحمّر وتشمر».. ألهذا أصبح الفقر «معايرة» تؤذينا!!
أبدأ من هنا.. لأن ما حدث فى مؤتمر أسوان من وجهة نظرى مكسب كبير للصعيد لم يحدث من سنوات طويلة.. ليس فى تلك القرارات التى أعلنها الرئيس فقط.. ولكن فيما هو أهم - من وجهة نظرى - لمصر بالكامل.. لقد كشف لقاء عابر لسيدة صعيدية عجوز - لا وراها ولا قدامها - برئيس البلاد عن أزمتنا الكبرى.. أزمتنا فى «إدارة شئون البلاد».. حتى صار قرار بسيط على ورقة «زفرة» المفروض يمضيه موظف صغير.. أننا نحتاج إلى «رئيس البلاد».. هذا ما نعرفه للأسف منذ سنوات فلا رئيس حى نافع.. ولا رئيس مدينة شافع.. ولا محافظ له لازمة.. هذا المفهوم التصق بأذهان أهالينا فى كل شبر من البلاد.. بل ووصل إلى «عقول المسئولين» أنفسهم، فصاروا يُسيَّرون أعمالهم كما اتفق، ولأن لا أحد يحاسبهم.. أهى ماشية، حتى وصلت إلى الصورة العابثة التى كشف عنها الشاب الصعيدى الذى أحرج محافظ «البلد الطيبة».. وحسنًا فعل الرئيس عندما اصطحبه لزيارة المحطة - كيما أسوان - ومفاجأة المحافظ المخادع على الطبيعة.. الرسالة لم تكن عقاب المسئول الذى كان يتوجب عليه أن يستقيل من نفسه ولا ينتظر حركة محافظين قادمة.. الرسالة الكبرى والأهم هى إعادة الثقة للناس من ناحية.. واحتياجنا العاجل لتغيير طريقة اختيار المسئولين من وزراء ومحافظين.. ليس مطلوبًا من الرئيس أن يصدر قرارات العلاج على نفقة الدولة.. وليس مطلوبًا منه أن يتابع العمل فى محطة معالجة مياه.
نحتاج لثورة حقيقية فى مفهوم التغيير والاختيار.. الشجاعة التى تحدث بها أبناء الجنوب فى مواجهة رئيس البلاد.. جاءت فى ظنى من ثقتهم أن شيئًا حقيقيًا حدث بعد مؤتمر شرم الشيخ.. وشعور الناس فى الشارع بأن القرارات التى أعلن الرئيس عنها فى شرم تم تنفيذها وفى مقدمتها الإفراج عن قوائم المحبوسين.. ثم الإصرار على دورية انعقاد المؤتمر - الذى كان للشباب فقط فصار للمستقبل بحاله.. كل هذا أعطى إحساسًا مدهشًا بأنه لا أبواب موصدة.. وأننا نستطيع أن نفكر بشكل مختلف.. الحكاية مش محطة صرف صحى.. أو سيدة تحتاج لعلاج أهينت فى كرامتها لسنوات وهى تنتقل بين مكاتب مسئولين عجزة فأعادها لها لقاء عابر سعت إليه بحياتها مع رئيس الدولة.. الأمر كاشف.. نحن الآن أمام مشروع عملاق لإعادة بناء الصعيد.. اسمه المثلث الذهبى - قد يستمر العمل فيه ٣٠ سنة قادمة.. وأمام ترميم عاجل لأوجاع عاجلة تحتاج لمجرد قرار.. وهذا ما حدث.. شعور الشباب المكرمين من مؤسسة الرئاسة سواء من أبناء سوهاج أو أسيوط أو الوادى الجديد بأن هناك من يعرفهم.. ويتواصل معهم ويهنئهم.. يتجاوز حدود القطاعات التى أقيمت فيها موائد المناقشات.. لدينا فكرة.. وخطة.. ومعرفة لمشكلاتنا.. وطرق حلها.. فهل كنا ننتظر مؤتمر الشباب لنفعل؟. خيرًا إذن.. بالفكرة وحدها يختفى الفقر.. «فقر الفكر».. هو الذى يدمر البلاد.. وبالفكر وحده نستطيع أن نهزمه.