رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التحول الكبير في عهد ترامب


فى حملته الانتخابية، أطلق الرئيس دونالد ترامب عدة كلمات لها دلالات مستقبلية، كان أهمها ما يتعلق بالشرق الأوسط، إذ قال: «إن الأمن هو المهم فى الشرق الأوسط وليس الديمقراطية، فنشر الديمقراطية تسبب فى حروب وفتن، وظهور «داعش» تسبب فى تضحيات أمريكية».

هذه الكلمات تنبئ عن تغير كبير سيحدث فى الشرق الأوسط، وسيكون هناك دعم للقيادات الفردية، لأن الشرق الأوسط بطبيعته الثقافية والفكرية لن يتقبل الديمقراطية على الأقل فى هذه الأيام.

ففى عام 1991م، عقد الرئيس نيكسون قبيل وفاته لقاء استراتيجيا حضره عدد من كبار المفكرين وعلى رأسهم كيسنجر، وكروتهومر، ورئيس المخابرات الأمريكية، وناقشوا ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، كيف تسيطر أمريكا على دول العالم؟ وخلصوا من ذلك المؤتمر إلى عدة نتائج أهمها:

النتيجة الأولى: إن مونتسكيو، قال فى كتابه روح القوانين: «إن السلام لن يسود العالم إلا إذا انتشرت الديمقراطية، لهذا جرى الاتفاق على تعزيز الديمقراطية وانتشارها فى العالم وبشكل خاص فى الشرق الأوسط».

النتيجة الثانية: إن من يسيطر على الشرق الأوسط يستطيع أن يسيطر على الاقتصاد العالمى، وبناء عليه لابد من وجود شرق أوسطى كبير تنضم إليه بعض الدول المجاورة مثل إيران، وتركيا، وإسرائيل، ومن ثم، يتحول إلى الشرق الأوسط الجديد، حيث تسود الديمقراطية فيه، ويصبح سهل الانقياد إلى المصالح الأمريكية.

بعد المؤتمر قرر «بوش الأب» أن يُسقط النظام فى العراق وأن يُنشئ فيه نظاماً ديمقراطياً، ويدعمه بالاستثمارات الأمريكية، كى يصبح العراق نموذجاً لباقى الدول العربية، تماماً كما فعلت الولايات المتحدة فى ألمانيا الغربية، فكانت نموذجاً لأوروبا الشرقية، وفى اليابان التى أصبحت نموذجاً لشرق آسيا، وكذلك كوريا الجنوبية.

وفيما بعد، تم احتلال العراق، لكن سوريا وإيران اللتين خشيتا على نفسيهما من الاحتلال الأمريكى، فتحتا أبوابهما للإرهاب للدخول إلى العراق وضرب القوات الأمريكية فى المناطق السنية.

وقد زارنى وقتها فى منزلى وكيل وزارة الخارجية الأمريكى «لورن كرينر» ومعه طاقمه حيث قال لى: إننا تورطنا فى العراق؟!، فقلت له يومها: إنكم ارتكبتم ست حماقات، دخلتم بلا غطاء شرعى، وسرَّحتم جيشاً قوامه نصف مليون، لم يتمكن صدام ذاته بعد الحرب الإيرانية من تسريحه، ولم تصطحبوا معكم دولاً عربية وإسلامية، وأعلنتم أنكم قوة احتلال، وبذلك شرعتم المقاومة، ثم نشرتم جنودكم فى الشوارع وبذلك استفززتم الشعب.

غيَّرت الولايات المتحدة فى عهد بوش الابن سياستها، وأعرضت عن العراق، وقررت أن تتخذ من تركيا نموذجاً للشرق الأوسط، لما تتمتع به تركيا من خصائص، كونها دولة علمانية ديمقراطية بنفسٍ إسلامى، فقدمت لها الولايات المتحدة الدعم الاقتصادى.

استيقظت فى تركيا أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وقررت أن تمد الأناضول إلى البحر العربى جنوبا، واتخذت من الاقتصاد والثقافة وسيلة للوصول إلى أهدافها، ففتحت أبوابها للسُياح العرب، واستثمرت الأموال فى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كل ذلك بتوجيه من الولايات المتحدة.

نظرت إيران إلى ما يجرى فى الشرق الأوسط، وأرادت أن تتقاسم النفوذ مع تركيا، وأن تعيد أمجاد الدولة الساسانية التى سقطت فى خلافة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وزحفت إيران نحو العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن العرب تحالفوا بقيادة المملكة ودعموا الشرعية اليمنية وبذلك أوقفوا المد الإيرانى.

فى عهد الرئيس باراك أوباما، تقرر أن تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن أصدقائها قادة الدول العربية، وأن تُفجر الربيع العربى كى تتولى الشعوب مقاليد الحكم وتسود الأنظمة الديمقراطية، وبدأ الرئيس باراك أوباما بزيارة إلى مصر، وألقى كلمته التاريخية بجامعة القاهرة وألمح إلى خطته المستقبلية.

وقبل ثلاث سنوات من فوز الرئيس أوباما بالرئاسة، قال الرئيس السابق للمخابرات الأمريكية «جيمى وولسى» عام 2006: إننا نريد أن نساعد الشعوب الإسلامية الرازحة تحت عبودية الأنظمة الاستبدادية، كى تتحرر من عبوديتها. ليجعل عدداً من الدول العربية فى حالة استفزاز.

صُعق «أوباما» عندما بعث الدكتور أيمن الظواهرى قائد القاعدة الإرهابية بتهنئة للرئيس مرسى، كما صُدمت المخابرات الأمريكية عندما أفرج «مرسى» عن الإرهابيين من القاعدة من السجون المصرية، وأصيب المنظرون فى أمريكا بالدهشة وهم يراقبون حشود الإخوان فى شوارع مصر ورابعة وقد اختلطت أعلامهم بأعلام القاعدة، واعتقدت الولايات المتحدة أن هناك تحالفا بينهما، يومها قررت دعم النظام الجديد فى مصر وأعرضت عن تركيا.

وجاء الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ليُحدث التغيير الكبير، ليس فى الشرق الأوسط فحسب، بل فى العالم أجمع، وشكل فريقه كما يتفق وتوجهات السياسة الأمريكية، فاختار «مايك بومبيو» للاستخبارات الأمريكية CIA، وهو المعارض للاتفاقية النووية مع إيران، التى يعتبرها الدولة الراعية للإرهاب، واختار السيناتور «جيف سيشنز» المعارض للهجرة ليكون وزيرًا للعدل.

كما اصطفى «مايكل فليين» ليكون مستشارًا للأمن القومى وهو من المؤيدين لانتفاضة 30 يونيو فى مصر، ولوزارة الدفاع اختار الجنرال جيمس مايس الذى يعتبر إيران الداعم الأول للإرهاب.

لقد قرر ترامب أن يعيد تشكيل الشرق الأوسط، بإعادة الأمن والسلام إليه وتدمير داعش، وتغيير النظام فى إيران، والتحالف مع روسيا فى مواجهة الصين تمامًا، كما تحالفت أمريكا مع الصين فى مواجهة الاتحاد السوفيتى، وأن يُعيد بناء أمريكا من الداخل لتصبح قوية، تستطيع أن تسيطر على الأوضاع العالمية.

لقد هاجم الرئيس ترامب الاستخبارات الأمريكية، واتهم إدارة أوباما بأنها كانت وراء ظهور داعش بسبب أخطائها فى العراق وسوريا، وعندما غادر مدير وكالة الاستخبارات المركزية CIA «جون برينان» مقعده فى الاستخبارات صرح يوم الثلاثاء ١٠/١/٢٠١٧، قائلا بأن إدارة أوباما لم تحسب بشكل صحيح عواقب الربيع العربى.

إننا اليوم نقف أمام نظام عالمى جديد، وعلى الأمة العربية أن توحد صفوفها وتعرض عن خلافاتها، وإلا سنظل حجارة فى رقعة الشطرنج.