رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلاف سياسى وليس قضائيًا.. ماذا بعد الإدارية العليا؟


كنت، ومازلت، مقتنعًا بأننا يجب أن نحترم أحكام القضاء، باعتبار أنه حين يحكم فإن أمامه من الأدلة والقرائن ما لا يتوافر لغيره، وأننا علينا أن نثق فى القضاء رغم التسليم بأن القضاء بشر يخطئ ويصيب، بل ويمكن أن يرتكب الجرائم بما يتعارض مع القانون الذى يصدر أحكامه وقراراته باسمه، لكننى لكى أجد حلاً لهذا اللغز، فلابد أن أقتنع بأن احترام حكم وقرارات القضاء لا يكون بالتسليم بصحتها فقط، ولكن أيضًا بدراستها وكشف ما يمكن أن يعتريها من عوار والطعن فيها بكل الوسائل، واتخاذ كل ما يمكن من إجراءات وخطوات من أجل تصحيح ما يصيب أعمالها من عوار وضعف، ومن المفضل أن يكون التصحيح باللجوء إلى القانون نفسه، أما إذا استنفدت الوسائل القانونية فعلينا أن نبحث عن غيرها وقد يكون ذلك بتعديلات قانونية وأخرى تشريعية وغيرها دستورية وأخيرًا سياسية. والطعن فى الحكم يجب ألا يكون خارج احترام القضاء، بل يعتنى بمناطق الضعف فى قرارات وأحكام القضاء، وأن يوضح الاقتراح بحل الخلاف.



وأرى أن هذا ينطبق على الوضع السياسى القائم الآن فى مصر فى أعقاب حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر يوم الإثنين 16 يناير 2017، والقاضى برفض طعن الحكومة وغيرها على حكم محكمة القضاء الإدارى السابق «قضية تيران وصنافير»، إذ إن هذا الحكم يشوبه عوار كبير ليس فى تطبيق القانون فقط، ولا فى التدليل والتسبيب فقط، ولا فى روح ونص الدستور فقط، ولكنه أيضًا وقبل وبعد كل شىء عوار سياسى يؤدى إلى تصادم اختصاصات سلطات الدولة.. وكما أرى فإن الحكم قد لجأ إلى لىّ الحقائق وإصدار حكم سابق وبحث له عن أسباب لم يجد صعوبة فى ليّها ودفعها ليوافق على ما قصد الوصول إليه بعد أن قضى منذ البداية بأن المعاهدة تشتمل على تنازل عن أراضى الدولة وعلى مخالفة لأحكام الدستور، وهو ما برر له أن يتصدى لتحديد تبعية الجزر، وبالتالى ليس الموافقة على اختصاص المحكمة بالنظر فى تبعية الجزر فقط، بل وحرمان كل من يخالفه فى الرأى من اتخاذ إجراء لتصحيح الخطأ، وبذلك فإنه قد حكم بعدم جواز نظر المعاهدة أو الاتفاقية أمام أى جهة أخرى وإصدار حكم بات ونهائى لا ببطلان التوقيع على المعاهدة كما يريد، ولكن ببطلان ما جاء بالمعاهدة وبعدم جواز مناقشة المعاهدة بواسطة مجلس النواب، صاحب الحق الأصيل فى النظر والتصديق على المعاهدة أو رفضها، أى أنه حرم مجلس النواب من حقه الأصيل، وبناء عليه، فإن مجلس النواب أصبح عليه أن ينتظر أن يسمح له مجلس الدولة بمناقشة المعاهدات التى توقعها الحكومة، باعتبار أن أى معاهدة أو اتفاقية دولية ستشتمل على مزايا لطرفى الاتفاق، بما يمكن أن يفسره مجلس الدولة على أنه تنازل عن جزء من سيادتها، وفى رأيى فإن من حق مجلس الدولة أن يكون له رأيه فى الاتفاقيات، وليس من واجبه إصدار الأحكام على الاتفاقيات الدولية التى تبرمها الحكومة.. وأظن أن مجلس النواب يجب أن يحافظ على حقوقه واختصاصاته، وأن عليه أن يدعو إلى اجتماع للسلطات يتم اللجوء فيه إلى حل النزاعات فى حال تغول إحدى السلطات على غيرها. وأظن أن على المجلس أن يثير حقه فى مناقشة المعاهدة وفقًا لاختصاصه قبل مناقشة أى معاهدة أو اتفاقية أخرى حتى إذا تطلب ذلك المطالبة بإجراء تعديل على الدستور على نحو يلغى أى احتمال لتوغل سلطة على أخرى.. ماذا لو تمسك كل طرف بوجهة نظره وتوقف مجلس النواب عن مناقشة المعاهدات والاتفاقيات ما لم يناقش معاهدة تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، فى حين يتمسك مجلس الدولة بما صدر عنه وبعدم جواز نظر القضية أمام مجلس النواب؟ هل نتعرض لفراغ وتوقف للحياة الدستورية؟ مصر أكبر من أن تصاب بمثل هذا الفراغ والشلل الدستورى، وأن تستنبط آلية لفض الاشتباك بين السلطات فى حال التعارض، ولكن هذه الآلية ستغل يد كل سلطة فى ممارستها لما تراه اختصاصها، وأظن أن ما صدر عن المستشار مجدى العجاتى عن اختصاص مجلس النواب فى التصديق على الاتفاقيات والمعاهدات التى تبرمها الحكومة يمكن أن يشكل بداية لحل الإشكال وضمان عدم تكرار الأزمة. أما تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية فهو أمر يجب ألا يعوقه أى شىء، ولا يعنى هذا بأى حال من الأحوال السماح بالتنازل عن أى أرض مصرية ولا ببيعها، وهو ما يفترض أن حكم محكمة القضاء الإدارى كان يستهدفه، وقد سبق أن أوضحت ذلك فى مقال سابق.