رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وثائق الـ «CIA» عن عصر مبارك (2).. تقارير السفارة الأمريكية عن الحجاب والخمور فى مصر

صوره ارشيفيه
صوره ارشيفيه

تواصل «الدستور» قراءة الوثائق الخاصة بوكالة الاستخبارات الأمريكية، المفرج عنها مؤخرًا، والمتعلق بفترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى.
وهذه المرة تتناول الوثائق السرية الأوضاع الاقتصادية، خصوصًا فى السنوات الأخيرة لحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، بشأن البترول والسياحة وقناة السويس، بالإضافة إلى علاقة «مبارك» الشائكة بجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن حذره المستمر من السلفيين وجماعات الإسلام السياسى بشكل عام.
وقالت الوثائق إن الوضع الاقتصادى المحلى فى مصر لم يتغير بشكل كبير إلى الأفضل منذ توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» فى 1978، بل إن كثيرًا من الاتجاهات الإيجابية السابقة تحولت إلى سلبية، فالربح الوارد من صادرات البترول انخفض نتيجة لانخفاض أسعار البترول عالميًا، وإيرادات قناة السويس فى حالة من الركود الشديد، كما لم تشهد السياحة فى مصر أى تطور ملحوظ.

النظام رأى أن الإصلاح الاقتصادى انتحار سياسى
أوردت الوثائق نظرة تشاؤمية للأحداث المتعلقة باستقرار مصر، والتحديات الاقتصادية المحلية التى تواجهها البلاد، وقالت فى رصدها وتحليلها للأحداث إن هناك اتجاهًا وشعورًا عامًا لدى المصريين تجاه حكومتهم بأنها «لابد أن تفعل شيئًا» لحل تلك المشكلات الاقتصادية، وإن الصبر ينفد منهم عندما لا تستطيع الحكومة اتخاذ أى حلول سريعة وجذرية، ولكن لا تعتقد الوثائق أن تلك الأسباب هى التى أدت إلى «الموت السياسى» لـ«مبارك» على سبيل المثال، بل هى تشير إلى أن وقوع الاضطرابات أمر محتمل إذا كانت بعض الأزمات سوف تؤدى إلى احتقان شعبى فى الشوارع، ولا أحد يمكنه أن يتوقع متى يحدث ذلك. وترى الوثائق أنه فى كل من الأحداث التى مر بها «مبارك»، كان نظامه على وعى كبير بالمخاطر، التى تواجهها الدولة، لذلك لم يحاول اتخاذ أى خطوة «محفوفة بالمخاطر» لإعادة توجيه الاقتصاد المصرى لأنه كان يعى تمامًا أن الإصلاح الكبير اللازم لوضع الاقتصاد على طريق يجعله بكامل صحته وقوته يعد نوعًا من الانتحار السياسى.
خلال الـ17 شهرًا الأولى من توليه الرئاسة، تضمن رصيد مبارك السياسى على الكثير من التقلبات التى تعكس السياسة والأحداث الخارجية والداخلية، «فنحن لا نؤمن بضرورة أن يكون هناك اتجاه عام نحو نقد السياسات، فكما أن هناك جانبًا مضيئًا هناك أيضًا جانب مظلم»، تقول وكالة الاستخبارات الأمريكية، فى وثائقها، فمكانة مبارك تحسنت بعض الشىء بعد رحلته إلى الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وقدمت السفارة الأمريكية فى القاهرة تقارير تدل على رد الفعل الإيجابى بين المصريين المطلعين بشكل عام داخل وخارج البلاد على حد سواء، الذين يرون الآن أن «مبارك» قام بتأسيس وترسيخ أوراق اعتماد إدارته للسياسة الخارجية، إلى جانب تحسين علاقته تدريجيًا مع الدول العربية، وهو ما عمل على تحسين صورته على المستوى الداخلى إلى حد ما، فمبارك لديه سلسلة من النجاحات فى مجال السياسة الداخلية والخارجية عززت ثقته بنفسه وشرعية حكومته. أما من حيث الجانب المظلم فى سياسة مبارك، فكان هناك انخفاض فى أسعار البترول، وفى الأشهر المقبلة سوف يكون على المسئولين النظر بجدية فى تخفيض الدعم الاستهلاكى المكلف والحساس من الناحية السياسية.

«مبارك» كان مستهدفًا من اليمين الإسلامى واليسار أيضًا
تناولت وثائق وكالة الاستخبارات الأمريكية تحليلاً للتهديدات التى يواجهها النظام والوجود الأجنبى فى مصر، حيث قالت إنه على الرغم من تمتع المناخ السياسى لمصر فى عهد مبارك بالاستقرار، لأنه كان لايزال يسير بشكل بطىء فى المنهج الليبرالى المتحرر «الانفتاح السياسى»، إلا أن ذلك الاستقرار كان مهددًا بعدة عوامل منها: تدهور الأوضاع الاقتصادية، وعودة الأصولية الإسلامية، وتأثير الاضطرابات وحالة الفوضى السياسية التى تعانى منها أماكن أخرى فى المنطقة على استقرار مصر، حيث كان مبارك، وغيره من كبار القادة إلى جانب بعض من المسئولين والمرافق الأمريكية والإسرائيلية، عرضة لأعمال العنف من قبل مجموعات صغيرة، منظمة، وممولة بشكل كبير، سواء تابعة لليمين الأصولى الإسلامى أو لليسار الراديكالى. ويرى التحليل أن اتباع مبارك المنهج اللين والمرن، فى تعامله مع المعارضة، أثبت نجاحًا معتدلاً، ولكن على الناحية الأخرى لم يتمكن هذا المنهج من القضاء على المخاطر، التى يتعرض لها النظام، فعلى الرغم من أن حكومة مبارك تمكنت بشكل كبير من استمالة عناصر المعارضة الأكثر اعتدالاً، إلا أن قمع العنف التطرفى «الراديكالى» قد يؤدى إلى كثير من المخاطر.

الجيش وحده قادر على إدارة البلاد وحمايتها من المعارضة الداخلية
تعليقًا على قدرة الحكومة المصرية على الحفاظ على النظام العام للبلاد بعد الثورة المصرية، أورد التقرير أن الجيِش المصرى هو أكبر وأقوى مؤسسة وهى القوى الوحيدة التى بإمكانها أن تكون محل النظام وتدير البلاد وتحميه من جماعات المعارضة الداخلية، وأن التاريخ قد أظهر ولاء الجيش للرئاسة على مر العصور، خصوصًا فى عام 1986 عندما تمكنت مؤسسة الجيش من السيطرة على الشغب الذى أثارته الشرطة، وعلى الناحية الأخرى كانت الحكومة تراقب ظهور أى علامة من علامات التعصب الدينى ذى الدوافع السياسية داخل الجيش المصرى، وكان دائمًا ما يسعى مبارك لحماية وتأمين الجيش أيضًا من أى مصاعب اقتصادية تمر به.
ولفت التقرير إلى أن «مبارك» كان يتبع سياسة مرنة ومزدوجة «ذات مسارين» تسمى «سياسة العصا والجزرة» فيما يخص تعامله مع المعارضة الداخلية، وتهدف تلك السياسة إلى إحداث انقسام فى صفوف المعارضة، والتى يبدو أنها لاقت نجاحًا معقولاً، فالقمع الانتقائى لأعمال التطرف الدينى كان تتم موازاته بالترحيب بعناصر المعارضة الأكثر اعتدالاً من أجل إحداث حالة من التوازن، وكثيرًا ما كان مبارك يتسامح مع عناصر المعارضة غير المحرضة للعنف وذلك بغرض تحقيق وتعزيز الديمقراطية، ومحاولة تجنب حملات رفض النظام التى كانت سببًا فى اغتيال السادات، فكان يسمح بالزى الإسلامى وممارسة الأعمال الدينية بوصفها تقوى الشخصية، كما عمل «مبارك» على فتح الباب على مصراعيه أمام رجال وعلماء الدين للانخراط فى الحوار الدينى المفتوح لمناقشة القضايا الدينية، وسمح لجماعة الإخوان المسلمين بالمشاركة فى البرلمان، وذلك أملا فى أن يتم رفض رؤيتهم الفكرية، أو النظر إليها من قبل الرأى العام المصرى على أنها مبالغ فيها، أو غير معقولة، ومن ثم تفقد دعمها الشعبى، فى شكل يبدو ظاهريًا أن هناك تجاهلاً لأجندتهم السياسية، فى حين أن جهازه الأمنى لم يكن يرفع عينيه عن أنشطتهم.

الولايات المتحدة ستصبح كبش فداء حال فشل الإصلاحات السياسية
ختام التقرير الأمريكى تضمن تحليلا بالإشارة إلى أن رصد وجمع معلومات عن عدد المشاركين فى الثورة المصرية من الممكن أن يقلل احتمالات الهجوم على المسئولين والمؤسسات الأمريكية من قبل الجماعات المتطرفة فى مصر «الأصوليين» فى الوقت الحالى، ولكنه لا يستطيع أن يحول دون حدوث أى هجوم على أمريكا فى المستقبل، كما أن العداء الإسرائيلى تجاه المسلمين، بالإضافة إلى عدم قدرة الحكومة المصرية على رصد أماكن تلك الجماعات الصغيرة، سوف يزيد من احتمالات الهجوم ضد أمريكا (فى إشارة إلى إعلان إسرائيل مسئوليتها عن حادث اغتيال «أبوجهاد»). وإلى جانب هذا التهديد المباشر لمصالح أمريكا، هناك أيضًا تهديد غير مباشر، يتمثل فى تلك القوى التى تسعى إلى هدم استقرار الدولة المصرية، والتى من الممكن أن تجبر «مبارك» على وضع حدود بين مصر وأمريكا تحت عدد من السيناريوهات المختلفة، فمن الممكن أن تصبح الولايات المتحدة كبش فداء لتعلق عليها أسباب فشل خطط الإصلاحات السياسية.. «نحن من الممكن أن نلام على عدم توفيرنا المساعدات الكافية لمصر، أو عدم استخدام نفوذنا للتأثير على صندوق النقد الدولى لمساعدة مصر. فحدوث فوضى كبيرة فى البلاد، من الممكن أن يجبر الحكومة المصرية على إحكام قبضتها، وإرجاء عملية التحرر السياسى.

الحجاب وقلة الخمور والتحول فى أسلوب المصريين
ترى المخابرات الأمريكية أن استياء الشعب المصرى من الأحوال الاقتصادية كان لايزال ناتجًا عن بعض الاضطرابات الداخلية فى البلاد والتى لم يكن لها علاقة بالقضايا السياسية، فخلال الثلاثة عقود الماضية كان الشعب المصرى ينظر لـ«سخاء» الحكومة فى دعهما لمنتجات الغذاء الأساسية كحق أصيل له، وكان على «مبارك» فى الوقت نفسه أن يتعهد بتقديم إصلاحات اقتصادية ملموسة بالرغم من عجز حكومته عن توفير تلك الخدمات.
كما تشير الوثائق إلى أن الجماعات والتنظيمات الإسلامية الصاعدة، فى كثير من الأحيان، كانت تستغل الاستياء العام من تدنى الظروف الاقتصادية كسلاح لهم ضد الحكومة، بما يمكن أن يغذى أهدافهم فى حدوث نقلة مجتمعية وشعبية نحو الفكر الإسلامى المحافظ، وهو ما يظهر فى تقارير كثيرة لدى السفارة الأمريكية فى القاهرة، بعد أن لاحظت أن هناك تحولاً فى أسلوب الحياة فى المجتمع المصرى، واتجاهها نحو الفكر الإسلامى، فاستهلاك المواطنين للخمور قل، فيما زاد انتقادهم للمشاهد الجنسية الصريحة فى الإعلام الغربى، كما انتشر «الحجاب» بشكل كبير بين النساء، إلى جانب أن المساجد شهدت حضورًا كبيرًا من المصلين.
فى السياق نفسه، تناول التقرير التهديدات التى واجهتها الجماعات المتطرفة من الحكومة المصرية، فبعد مرور ست سنوات على إعدام هؤلاء الشباب الذين تمت إدانتهم باغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات تحت اسم الدين الإسلامى، ترى الوثائق أنه مازالت هناك حالة من الاستياء تجاه تدنى أحوال المعيشة وتقاعس الحكومة عن توفير حلول للظروف الاقتصادية والاجتماعية، وما زالت أمريكا وإسرائيل يتم النظر إليهما بوصفهما أعداءً للمسلمين، كما لاتزال الحكومة المصرية تعامل المعارضين والنشطاء من التيار الإسلامى المتشدد بكل قسوة.
وفى حديثها عن الإرهاب، قالت وكالة الاستخبارات الأمريكية إن كل أحداث الإرهاب الأخيرة تشير إلى أن مرتكبيها ينتمون إلى عناصر ذوى أصول واحدة. ولكنها ليس لديها أى أدلة عن ماهية الجهات الخارجية الفاعلة المتورطة فى أحداث إرهابية بعد ثورة يناير، ولكنها أعطت بعض الاحتمالات عن تورط كل من ليبيا، وإيران، أو «تنظيم الفلسطينى أبونضال» فى تلك الأحداث.