رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلا رغيف العيش!


إحنا البلد الوحيد فى الدنيا اللى بنسمى رغيف الخبز «عيش».. وإحنا برضه المكان الوحيد فى الدنيا اللى بنربط «لقمة العيش» بالأرض والتاريخ والحياة.. يعنى فى الصعيد مثلًا.. الخبز اسمه «عيش شمسى».. والعيش المخبوز فى الأفران المجهزة مش فرن الخبز يعنى اسمه «العيش المصرى».. وفى القاهرة بنقول.. عيش بلدى، وتعددت الأسماء والمعنى فى النهاية واحد.. يقدس المصريون خبزهم وعجينهم..



يعنى مثلًا أهم قسَم يتعامل به الناس هو «العيش والملح» ويا ويله اللى يخون العيش والملح.. وعندما كنت طفلًا صغيرًا تسوقنى قدماى لجلسات صلح بين عائلات يقودها رجال كبار «الشنب يوقف على شفاهم» وتقشعر أبداننا نحن الأطفال الذين صرنا رجالًا لمجرد مرورهم فى الشارع.. عادة ما كانت تبدأ هذه الجلسات بقسم على المصحف.. وعلى «رغيف خبز».. يجىء به الشاكى أو المشكو فى حقه ليحلف عليه.

بالمختصر المفيد ممكن المصرى يستغنى عن أى شىء فى حياته.. السجاير بيتصرف ويغير نوعها حسب الأسعار.. وممكن يشرب «فرط».. وممكن يغير «المود» ويشرب «شيشة»، وممكن يحلف على الدخان من أصلُه.. ويقولك تعبت صحتى.. ممكن يستغنى عن «اللحمة» ونرجع نربى الفراخ فى البلكونة.. ممكن ينسى «السمك» من أساسه.. ممكن.. كل شىء ممكن.. لكن رغيف العيش لأ.

ربما لهذه الأسباب ولغيرها حرص كل وزراء التموين.. وكل مسئولى الحكومات على مدار تاريخنا على توفير «لقمة العيش».. لأنهم يعرفون «سره».. لدرجة أن من يبحث عن فرصة عمل.. لا يخبرك بأنه يحتاجها ليتزوج مثلًا.. هو بالأساس يقول لك: عايز وظيفة «آكل منها عيش».

العيش يا سادة خط أحمر.. وأصفر.. وأزرق «الخبز هو كل الألوان الممنوعة والاقتراب منه خطر عظيم».

وفى ظلال ما يسميه البعض تحرير سعر الصرف، تغول الجشعون.. وغيرهم.. واستباحوا كل احتياجات البشر.. ما يستطيعون الاستغناء عنه وما لا يطيقون.. ورغم الضيق والغضب المكتوم مازال الناس فى بلادى يملكون القدرة على السير فى الطرقات.. وعلى تحمل ما تسميه الحكومة إصلاحات اقتصادية.. على أمل أن يتحسن الوضع قريبًا.. ومادامت «لقمة العيش متوفرة إلى حد ما..».. لكن ما حدث هذا الأسبوع مؤشر خطر يجعلنى أنبه.. وأحذر وأدعو وزير التموين لاتخاد إجراءات عاجلة حتى لا نقترب من ذلك الخطر.

صحيح أن الوزارة مازالت توفر الرغيف المدعوم بخمسة قروش لمن يحملون بطاقات تموينية.. لكن أكثر من نصف المصريين لا يحملونها.. وهؤلاء يشترون بالسعر الحر.. وما حدث أن استغلت المخابز ذلك.. وبدلًا من خمسة أرغفة كانت تبيعها بجنيه واحد.. أصبحت ثلاثة أرغفة!! وبدأ الناس يتذمرون.. وأصحاب المخابز يفكرون مجددًا فى رفع السعر والانتقاص من حجم الرغيف.. وهو التمهيد المعتاد لزيادات قد تؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.. ياسادة حكاية.. لا تعض رغيفى.. مش هزار والمثل اللى بيقول «يا واكل قوتى.. يا ناوى على موتى» لم يخرج من ألسنة حكماء مصر لمجرد التسلية.. انتبهوا لعلكم تعقلون.. الحكاية مش ناقصة.