رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الرئيس يبني والداخلية تهدم".. السيسي يدعم الشباب بحزمة مبادرات وقرارات.. والعصا الأمنية تعمق الصدام.. الإنجازات "كلام مؤتمرات".. والأرقام الرسمية لا تكذب

جريدة الدستور

على طريق شاق تحف جنباته الأشواك، وطأت أقدام الشباب خطواتهم الأولى في رحلة المصالحة مع الدولة، التي ظلت تحتفظ معهم بعلاقات يشوبها قدر كبير من الشد والجذب إلى حد وضع كثيرين منهم ضمن خندق الأعداء، حتى أطل النظام الحالي ببادرة إيجابية مطلع العام الجاري سعيًا منه إلى طي صفحة الخلاف.

وظلت الدولة طيلة السنوات الثلاث، التي أعقبت ثورة يناير تحتفظ بجسور التفاهم مع الشباب، الذي قاد احتجاجات انتهت بالإطاحة بحكم مبارك ووصول الرئيس المعزول محمد مرسي إلى الحكم، حتى دخلت علاقة الطرفين نفقًا مظلمًا في أعقاب ثورة 30 يونيو، تخللتها عدة صدامات انتهت بحالة فتور وغضب لدى الكثيرين تجاه الدولة.

محطات متتالية من الصدام مرت بها العلاقة بين الدولة والشباب في أعقاب ثورة 30 يونيو قبل ثلاث سنوات، تخللتها مبادرات تقارب عدة، حتى بدت الدولة ممسوكًا بعصا في يد وجزرة في أخرى.

وكان "قانون تنظيم التظاهر" بمثابة المسمار الأول في نعش علاقة الدولة بالشباب، حين سارع مجلس الوزراء بعد 3 أشهر على ثورة 30 يونيو علي إصدار قرار بالموافقة على مشروع قانون تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية في الأماكن العامة والمعروف بقانون التظاهر، ثم أصدر الرئيس عدلي منصور في الشهر التالي القرار بقانون رقم 107 لسنة 2013.

بيد أن الرئيس عبد الفتاح السيسي كان له رأيًا آخر، دفعه بعد انقضاء عام ونصف العام من ولايته الرئاسية الأولى إلى إعلانه عام 2016 عام للشباب المصري، خلال كلمته باحتفالية يوم الشباب المصري، في التاسع من يناير من العام الجاري، التي أطلق خلالها مشروع بنك المعرفة، وذلك في دار لأوبرا المصرية.

القرار الرئاسي أعقبه حزمه من القرارات جاء في مقدمتها تخصيص نسبة لا تقل عن 20% من إجمالي القروض خلال السنوات الأربع القادمة؛ لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للشباب، بحيث يقوم القطاع المصرفي بضخ 200 مليار جنيه لتمويل نحو 350 ألف شركة ومنشأة توفر نحو 4 ملايين فرصة عمل للشباب، كما أعلن عن تخصيص نسبة كبيرة من مشروع المليون ونصف فدان للشباب.

تزامنًا مع المبادرة تلك، كانت مؤسسة الرئاسة على موعد مع متابعة تنفيذ المراحل المتعاقبة من مشروع البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، الذي يستهدف تأهيل 2500 شاب وشابة سنويًا كمرحلة أولى، الذي سبق إطلاقه أثناء فعاليات أسبوع شباب الجامعات المصرية العاشر بجامعة قناة السويس تحت رعاية رئاسة الجمهورية، وبتمويل من صندوق تحيا مصر.

"القبضة الأمنية"

بالرغم من كونه عام الشباب؛ إلا أنهم منعوا من التعبير السلمي عن أي وجهة نظر لهم في الشارع، فخلال الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير، قامت الشرطة بمداهمة مئات الشقق السكنية في محيط وسط القاهرة، وقامت بالقبض العشوائي على عشرات الشباب بدعوى التخطيط للتظاهر والسعي لإسقاط النظام.

وفي خضم الملاحقات الأمنية، ألقي القبض على رسام الكاريكاتير إسلام جاويش في31 يناير الماضي، بتهمة إدارة موقعًا خاصًا به على شبكة الإنترنت دون ترخيص، بالمخالفة لقانون تنظيم الاتصالات، ودون الحصول على تراخيص من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات.

وبعد توقيع مصر اتفاقية ترسيم الحدود من المملكة العربية السعودية، التي بمقتضاها تنتقل السيادة على جزيرتي "تيران وصنافير" إلى السعودية، رفضت نسبة ليست بقليلة من الشباب هذه الاتفاقية، وطالب الرئيس بالتأني ومراجعة قراره.

إذ حمل يوم الجمعه 15 أبريل الماضي، بين طياته مشهدين متناقضين، فبينما كان يعقد الرئيس السيسي لقاءه مع عدد من شباب الصحفيين وممثلي الإعلام، أعلى جبل الجلالة بالقرب من خليج السويس؛ كان المئات يتظاهرون على سلم نقابة الصحفيين بوسط البلد في تظاهرات مناهضة للتنازل عن الجزيرتين تحت شعار "جمعة الأرض".

وفي عشية 22 إبريل، ألقي القبض على عشرات من رواد مقاهي وسط البلد، بدعوى التخطيط لمظاهرات رافضة التنازل عن الجزيرتين، بتهمة محاولة تكدير السلم العام، والانضمام لجماعة محظورة.

بعد يومين خرجت مسيرات شبابية سلمية لرفض التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، فيما عرف بـ "تظاهرات الأرض"، التي أسفرت عن القبض على 239 متظاهرًا، وظلت قضايا هؤلاء متداولة في المحاكم حتى قضت محكمة الدقي، يوم 14 مايو، بالسجن 5 سنوات والغرامة 100 ألف جنيه لـ 85 متهمًا بالتظاهر في الدقي، وقضت بالسجن 5 سنوات على 30 متهمًا بالتظاهر في العجوزة.

"طلاب الثانوية"

حضر جيل جديد من المحتجين إلى ساحة التظاهرات، طلاب الثانوية العامة هذا العام، في يونيو الماضي بعد أن احتجوا على تسريب الامتحانات على صفحة فيسبوك، كانت أوراق الأسئلة والإجابات تسرب، وفكرت الوزارة في إلغاء بعض الامتحانات؛ مما أثار غضب الطلاب.

كما كان متوقعًا، وجهت الاجهزة الأمنية الأمر باعتقال الطلاب، بعد أن أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على الطلاب.

"عزوف عن الاستحقاقات الانتخابية"

وشهدت تلك الفترة أيضًا، عزوف الشباب عن المشاركة في كل الاستحقاقات الانتخابية الماضية من الدعوة للاستفتاء على الدستور، مرورًا بالانتخابات الرئاسية، وانتهاءً بالانتخابات التشريعية؛ حيث تراجعت نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات البرلمانية عن الانتخابات الرئاسية، من 37% إلى 20% في الانتخابات البرلمانية الحالية، وفقًا لمركز بصيرة لدراسات الرأي العام.

"التقارب مع الشباب"

تخللت محطات الصدام العديد من محاولات التقارب، ورأب الصدع إعمالاً بسياسة العصا والجزرة، كانت أبرزها قرارات العفو الرئاسي المتتالية عن الشباب المحبوس على ذمة قضايا تتعلق بالرأي والتعبير.

بداية من 16 يونيو 2015، حينما أصدر الرئيس السيسي قرارًا جمهوريًا بالإفراج عن 165 من الشباب المحبوسين والمتهمين بخرق قانون التظاهر، وذلك بمناسبة شهر رمضان المبارك.

أعقبه قرار مماثل في 23 سبتمبر 2015، أصدر، قرارًا جمهوريًا برقم 386، تضمن العفو عن 100 شاب وشابة منهم 16 فتاة، بينهم سناء سيف ويارا سلام، وهاني الجمل وبيتر جلال يوسف.

وفي 27 مارس الماضي، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، قرارًا جمهوريًا بشأن العفو عن بعض السجناء، بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء.

وفي نهاية أكتوبر الماضي، فاجأ الرئيس الجميع خلال فعاليات المؤتمر الوطني الأول للشباب بشرم الشيخ، بقراره تشكيل لجنة وطنية من الشباب وبإشراف مباشر من الرئاسة تقوم بفحص شامل ومراجعة لموقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية، التي شملت قائمتها الأولى من المفرج عنهم 82 شابًا.

وقرر الرئيس، تكليف الحكومة مع الجهات المعنية بالدولة، بدراسة مقترحات تعديل قانون التظاهر، المقدمة من الشباب خلال المؤتمر، وإدراجها ضمن القوانين المخطط عرضها على البرلمان خلال دور الانعقاد الثاني.

وفي 10 ديسمبر انطلقت أولى جلسات الحوار الشهري الأول للشباب، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، بمشاركة عدد كبير من الوزراء، والمسؤولين والشخصيات العامة، وكبار رجال الدولة، والمثقفين والإعلاميين؛ لتناول نتائج اجتماعات الحوار الوطني الخاص بقضايا التعليم، إلى جانب ملفات التعليم والقرارات والإصلاحات الاقتصادية الأخيرة والزيادة السكانية، وآليات تطوير قطاعي الزراعة والبترول.

"الأرقام الرسمية"

ورغم ما رسمت المبادرتين السالفتين صورة مشرقه لحال الشباب المصري مع بداية العام، لكن الأرقام الرسمية رصدت على النقيض من ذلك واقعًا مأزوم يعايشه ملايين الشباب في مصر، يعانون أزمات جمة من تعليم متراجع إلى بطالة وعوز هدد طموحات الكثيرين منهم، بل ودفع بعضهم إلى الهجرة خارج البلاد، بحثًا عن فرصة جديدة لحياة أفضل.

وهذا ما كشفه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في أحدث تقاريره عشية الاحتفال باليوم العالمي للشباب في أغسطس الماضي، من أرقام صادمة حول الشباب في مصر في الفئة العمرية بين 18- 29 سنة، البالغ عددهم 21.2 مليون نسمة بنسبة 23.6% من إجمالي السكان منهم 51.1 % ذكور و48.0% إناث، وفقًا لتقديرات السكان عام 2016.

إذ تطرق الجهاز إلى معدلات البطالة بين الشباب، الذي بلغ 26,7٪ منهم 22٪ ذكور، 38,2٪ إناث، 41.5% منهم من الحاصلين على مؤهل جامعي فأعلى، كما بلغت 29,5٪ للحاصلين على مؤهل متوسط فني.

أما بالنسبة لبيانات مسح القوى العاملة عام 2015، بلغت نسبة مساهمة الشباب في قوة العمل 49% من الشباب، 8,8٪ منهم أميين، وحوالي 21,8٪ منهم حاصلين على مؤهل جامعي فأعلى، فيما قدر الجهاز أن 45.3% من الشاب يعملون عمل دائم، بينما بلغت نسبة العاملين بعقد مؤقت 32,6٪ منهم 25,6٪ ذكور، 70٪ إناث.