رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صراع البندقية "يشتعل" في عام الدماء داخل جدران الوطن العربي.. "سوريا" تندفع نحو المجهول.. اليمن على حافة المجاعة.. ليبيا والعراق من سيئ إلى أسوأ.. والبقية تأتي

جريدة الدستور

«أحاول منذ الطفولة رسم بلاد.. تسمى مجازا بلاد العرب»، تلك الصورة المجازية التي فرضها ورسمها نزار قباني للوطن العربي في قصيدته الخالدة "متى يعلنون وفاة العرب"، باتت أقرب للحقيقة، بعدما تحول إلى عالم افتراضي، الحقيقة الوحيدة داخله هي أشلاء الأبرياء وبرك الدماء.

يواجه الوطن العربي تحديات تهدد وجوده التاريخي، بعدما تصاعد صراع البندقية خلال عام 2016، بطريقة لم يسبق لها مثيل من ذي قبل، تاركا خلفه شعوب بأكملها تترقب مصيرها، البعض من مواطنيها قضي نحبه، والآخر ينتظره المستقبل الغامض.
الشعوب العربية التي تدفع ثمنا صراعات لا ذنب لهم بها، غير أنهم وقعوا في أيدي أنظمة، كفرت بحق مواطنيها في الحياة، بعدما أذاقته لباس الجوع والخوف، عاني الأمرين خلال عام 2016، والذي يعتبره كثيرين هو الأسوأ منذ زمن بعيد، ليترقب الجميع العام القادم بفارغ الصبر، معتبرين أنه عام الحسم، أما يكون الوطن العربي أو لا يكون.
وشهد عام 2016 وصول العديد من الدول العربية إلى شفا الانهيار، في حين يترنح البعض، محاولًا النجاة من مصير بقية أقرانه.

سوريا.. "الطريق نحو المجهول"
تعد القضية السورية واحدة من المآسي التي تؤرق الوطن العربي من المحيط إلي الخليج، بعدما تحولت إلي فريسة، ينهش في لحمها كثيرون.
5 سنوات مرت على اندلاع ثورات الربيع العربي، والتي طالت العديد من البلدان العربية، كانت الدولة الثورية أحداها، لكنها نجحت في أن تكون نموذج متفرد عن الآخرون.
لكن يظل العام 2016 هو الأكثر دموية، بعد سالت دماء الشعب السوري هباء منثورا، ليبقي السوريون بين نارين، أما نار القتل أو نار الهجرة.
ورغم تباين الإحصائيات الرسمية التي توضح الأرقام الرسمية لأعداد الضحايا والجرحى، لكن بحسب المرصد السوري فإن عام 2016، شهد سقوط ما يزيد عن 50 ألف شهيد، من إجمالي 470000 منذ بداية الصراع.
وفي تقرير صادر عن المعهد السوري للعدالة أيضا، أوضح أن وتيرة الضحايا تصاعدت منذ دخول روسيا علي خطي المواجهة، بعد ارتفاع حمي المواجهات بينها وبين المعارضة، وهو ما أسفر عن سقوط 10 ألآلاف من الضحايا.
وأكد التقرير الذي استند في إحصائياته إلي صحيفة "نيويورك تايمز"، بين أن عدد الضحايا المدنيين قارب 4000 فردا، ما بين الأطفال والشيوخ والشباب والنساء.
# حلب تحترق
ورغم أن نيران الصراع طالت العديد من المدن السورية مثل "إدلب ودرعا وحمص"، لكن حلب نجحت في جذب الأنظار من الجميع.
المدينة المنكوبة التي تحولت إلى كرة لهب، كانت هي مسرح الصراع بين قوات الأسد المدعومة من بلاد الكرملين، والمعارضة المسلحة، وقع سكان المدنية العزل بين فكي الطرفين، ليقع مئات الموتى وآلوف الجرحى، وذلك حسبما نقلت قناة "سكاي نيوز" عن مركز الدفاع المدني.
ونجحت قوات المعارضة في أن تستغل المدنيين كدروع بشرية، لإيقاف الضربات القاسية، لكن كل ذلك لم يشفع لهم عند نظام "الأسد وأعوانه"، والذي استمرت هجماته دون تفرقة، وسط تنديد عالمي.

الطفل عمران داقنيش
وفي صورة هزت الأوساط الإعلامية العالمية، أسقطت القناع عن وجه كثيرين من أطراف الصراع السوري، كانت تلك الصورة التي تمثلت في خروج الطفل السوري عمران داقنيش من تحت أنقاض الدمار، ووجه ملطخا بالدماء، دون أن ينطق ولو بكلمة واحدة، وكأنه اختار الصمت حدادا علي ضمير الإنسانية، الذي وقف موقف المتفرج من الصراع السوري.

اليمن.. "وداعا للسعادة"
دائما ما كان يأتي ذكر دولة اليمن متبوعا بلفظ السعيد، لكنها منذ انطلاق عاصفة الحزم، دخلت منحني آخر بعدما أصبحت تعايش على طلقات الرصاص وصوت البندقية، لتعيش علي واقع جديد من المعاناة، جعل الشقاء هو حالها.

الصراع الدائر علي الأراضي اليمنية بين التحالف العربي بقيادة السعودية، وبين جماعات الحوثيين، خلف وراءه – بحسب الإحصائيات الرسمية التي أصدرتها الأمم المتحدة- ما يقارب 10000 قتيل، لكنها أكدت أن عام 2016 هي الأشد والأنكي علي الشعب اليمني.

تقارير الأمم المتحدة أكد أن الحرب أسفرت عن لجوء 3 ملايين يمني للهجرة، لكنها أكدت أن شهر أغسطس من عام 2016، شهد وقوع 3799 مدنيا.

واستطرد التقرير الأممي بأن عدد سكان اليمن البالغ عددهم 26 مليونا، يواجه 14 مليونا منهم شبح المجاعة، بينما يقبع 7 ملايين آخرين تحت خط الفقر الغذائي، موضحا أن الموقف صار أشبه بالوضع المأساوي، ويحتاج تدخلا عاجلا لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

ليبيا والعراق.. "من سَيِّئ إلى أسوأ"
لم يختلف الحال كثيرا في بعض البلدان العربية الأخرى، التي تعاني من ويلات الصراع الدائر علي أراضيها مثل ليبيا والعراق، والتي يمكن اعتبار أنها تسير من سيئ إلى أسوأ، بعد صارت الأمور أقرب إلى ما يشبه الحرب الأهلية في كثير من التفاصيل.
ليبيا التي تعيش تحت وطأة الصراع منذ أحداث الربيع العربي، بعد ظهور العديد من الجماعات التي تتنازع السلطة، والتي تدور رحاها بين الميليشيات المتطرفة و الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، لكن عتبات الصراع مازالت تتأرجح في انتظار الحسم.

شهد الصراع سقوط الآلاف من الضحايا وسيطرة الميليشيات الليبية علي علي الحقول النفطية، وهو ما جعل الأمور خارج السيطرة في مرحلة تسير فيها البلاد من سيء إلى أسوأ.

وعلى ذات المنوال تسير بلاد الرافدين، بعد مرور 16 عاما علي الغزو الأمريكي للعراق، والذي نجح في أن يترك فراغا بعدما أقدم علي حل المؤسسات مثل الجيش والشرطة.

وتعيش العراق على وقع مفترق طرق، بعد تصاعد الصراع السني الشيعي، بجانب ازدياد النفوذ الإيراني، وتعاظم الدور التركي، لتجد بلاد الرافدين نفسها بين شقي الرحى في نذير مأساة لا يعلم أحد موعد الخروج منها.
ويتوقع الكثير من المحللين تصاعد صراع البندقية والدماء خلال عام 2017، والذين لقبوه بعام الحسم، متوقعين أن تنال نيران الصراع بعض البلاد الأخرى، والتي لم تعد في مأمن من المخاطر، التي طالت جيرانها.