رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكفاءة وأهل الثقة


أعلم أن ولا الضالين آمين فقط فى قرآن رب العالمين؛ أما الدستور فنصوص وضعها بشر يخطئ ويصيب، وعليه؛ فالتعديل والإلغاء والحذف فيه وارد حتى لا تضيع حقوق المواطن، لن يطعمنا حُسن الكلام.

عام جديد وثورة بدأ عامها الثالث مازالت تراود أهدافها قلوب المصريين، وشعب خرج من كهوف الصمت من بعد لامبالاة عاشها دهراً بلا أى نوع للمشاركة السياسية وحقه فى التعبير عن رأيه إلى ثورة أيقظت فيه روح الأمل، «عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية» ،ولولا الأمل ما حيَتْ فى دواخلنا الأمانى، أهداف سامية كل نفس على الأرض تبحث عنها، وتسعى إليها.

أحلام وردية وجدها الحائر حقيقة فى بلاد أعطت للعدالة والكفاءة حقها، وتمنى أن تطبق عدالتها على أرض الواقع فى وطنه، ! وقد كان.. كانت الثورة، وتوحّد الشعب جميعاً فى ميدان واحد هو ميدان الحرية، كان الكل فيه على قلب رجل واحد، المسيحى يسكب ماء الوضوء لأخيه المصرى، والمسلم يفسح له المكان ومارس الكل طقوسه فى جو من الألفة والتآخى، هكذا تضافرت جميع قوى الشعب، وتم فى ثمانية عشر يوما فقط إسقاط النظام، ولكن جاءت الأنانية وفتشت فى قلوب من سعى إلى السلطة والسلطان، وتحرك الظلم فى قلوب من ظُلموا؛ فظلموا وكل من عارض وضعوه فى ركن «الفلول»!

هكذا بلا فكر فى أنه كى يتحقق العدل وجب التوازن بين الحكومة والمعارضة، وأن كل يصب فى مصلحة الوطن، وهو أمر صحى فى سائر المجتمعات المتقدمة نعم كنا نفقد العدالة الاجتماعية، لكن لم يكن بين طوائف الشعب تمييز الآن التمييز صار حتى بين الفصيل الواحد، والطائفة الواحدة، لماذا الفرقة بعد ثورة، مسميّات زادت الحال قسوة وحدّة حين تعمّدوا التفريق بين المسلمين أنفسهم بإسلامى وغير إسلامى، فالإخوانى والليبرالى والسلفى والعلمانى «مسلمون» ما نادى ربى المسلمين بغير ذلك، هو سمّانا المسلمين ولم يفرق بين أحد من الناس إلا بالتقوى.

والتقوى ضمير لا ظلم فيه ولا علوّ، وهل فى الإسلام ضير؛ حاشا وكلا، إنه الدين الخالص، لكن الضير فى عقول تطبق دون أن تضع أجمل ميزان جعله الله لأمة الإسلام «وجعلناكم أمة وسطاً» الوسطية بمعناها العظيم الراقى، وليس التقوقع والتعصب، كثير يظن أن المعارضة لسياسة الرئيس أو المطالبة بتغيير حال هو معارضة لنص وآية، وكأن الحاكم نبى يوحى إليه، فلا يجب الخروج عليه من أجل ذلك كان دستور المدينة ورسول كريم بُعثَ ليتمم مكارم الأخلاق، هو أول من حقق منهجاً وميثاقاً تحيا عليه الشعوب بجل طوائفها مهما اختلفت عقائدهم، والأخلاق هى ميزان التعامل الإنسانى بين البشر.

ولو أن الرئيس ظل تاركاً أذنيه لأهل الثقة، وفر من أهل الخبرة والكفاءة، فلن تقوم مصر ولن ينهض اقتصاد أرغب أن يحكمنا الرئيس، ويتخلّى جد عن بطانته، وأن يركن مرشد الجماعة بالجماعة قليلا كفانا تشكيكا، دون عدالة فى تحقيق العمل بقول الله «وأمركم شورى بينكم» ترك مستشاريه، ولم نر شورى، وانفرد برأى الجماعة وكأن الشعب كله إخوان فى جماعة! بل زاد الأمر سوءاً، ووصموا الشرفاء بالخيانة العظمى وقلب نظام الحكم! لأنهم فى صف المعارضة وهم أول من بدأوا بالثورة وباركهم الشعب وكانوا ضد النظام قبل مشاركة الإخوان فى ميدان واحد هو التحرير! حتى استحللنا الضغينة، وعدنا إلى اللامبالاة من جديد مضافاً إليها انقساماً معنوياً بين الاتحادية وميدان التحرير وشرخاً كبيراً فى مشاعر التراحم بين المصريين.

أليس طبيعياً أن تتغير الأفكار حسب ما يستجد من أحداث! فما كنت تراه بالأمس يصلح؛ ربما الآن لا يصلح، وعليه فنحن جميعا تتجدد آراؤنا حسب الواقع وليس حسب الهوى أو الطاعة بلا فكر، ويظن من لا يعرف أنه تذبذب فى المبادئ ويكون التقييم غير دقيق، والأمر اختلاف سياسى، والسياسة كياسة ومراوغة وأحياناً خباثة، فكيف نقحم فيها صفاء الدين، والحرب خُدعة، والعريان يدعو لعودة اليهود المصريين، والله ما حدث فى زمان من سبقوا منذ ثورة يوليو 52، وعجباً على الجانب الآخر نفتح الأرض لقطاع غزة، ثم نقول الجهاد؟! فأى جهاد نقصد، ولماذا نضيّع ويهون علينا حق مصر، بل افتخر بالدستور وقال: إن حزبه غير متفق مع فكرة تعديل ما يسمى بالمواد الخلافية بالدستور فى البرلمان المقبل وان الدستور الجديد جرى بشكل توافقى بين جميع القوى؟!

كيف ونسبة من الشعب لم توافق!، أعلم أن ولا الضالين آمين فقط فى قرآن رب العالمين؛ أما الدستور فنصوص وضعها بشر يخطئ ويصيب، وعليه؛ فالتعديل والإلغاء والحذف فيه وارد حتى لا تضيع حقوق المواطن، لن يطعمنا حُسن الكلام، لكن أن يخرج الرئيس على الشعب لينفى حقيقة قرب إفلاس مصر إلى متى التطمين؟، نريد الحقيقة، ثم لماذا السعى إلى القروض!، أليس للحال أعين، نحن على حافة الهاوية، مازلنا نكابر، جهة تقول لا ضرر، وأخرى تقول انهيار اقتصادى والحل فى الإدارة والتخطيط، وعقول من أهل الكفاءة والخبرة، أم ننتظر حتى نعيش على المعونات كما غيرنا من بعد ثورة، أرى الجوع ليس عدداً من السعرات يكتفى بها المواطن ليسد بها رمقه، الجوع أن تسوء حالتك من مواطن كان الزاد أمامه إلى مواطن بات يبحث عن قوت يومه.

أعلم أن مصر لن تصل إلى صومال أخرى ولكن مقارنة حال ما قبل الثورة، بالفعل زادا الفقر واقترب من الجوع أى الحرمان من متطلبات العيش؛ فليس كل العيش زادا ومشرباً سلّم الله مصر عاماً جديداً آملاً لمصرنا الخير ولأهلنا الوفاق، لنتلاحم من أجل وطننا العظيم مصر، ونُرى العالم سماحة الإسلام، أن يتحقق الدين فى قلوبنا وضمائرنا، رجاء رئيساً وحكومة وشعباً.. المصالحة الوطنية، المشاركة، المواءمة تحقيق القانون وسيادته، الثقة لا التشكك فى كل ما دون أهل الجماعة، الكل مصرى.. حذارى من حصاد الفُرقة وتوابع الانتقام، العدل فصلٌ لا يروق له الهوى، لكن الهوى خداع.

على الجميع أن يعمل للوحدة وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُوا..ْ إن حققنا ذلك استراح الجميع، الحسرة على غثاء السيل إن تفرّق، والخير فيمن يلملم الشتات، فرحم وعدل والتزم الصدق برهانا.. فلا جمود يأتى بعلم، ولا أفول يأتى أبدًا بمودة. أما علينا جميعاً أن نتآلف بالإسلام لا أن نتفرق به، أن نتعايش بالسلام لا أن نتصارع به، أن نُعلى كلمة الحق، ونرفع بإنسانية راية السلام؛ فلن يقوم عدل بظلم الكل مصرى.. هذا بدء عام جديد، بأمل جديد، وروح جديدة، وأخوّة حقيقة، وعزيمة قوية.

نوده عام سعى وكد وجهد، عام تحقيق أكيد لثورة 25يناير، حُسن ظن بعد شك، وتعاون بعد فُرقة، وعمل بعد شقاء، وعى فى السياسة، وفرار من المراوغة، فقط بالمساواة التى نادى بها رب الخلائق فى جميع رسالاته عام التعامل بإنسانية لا استعلاء ولا انتقام ولا استحواذ، عام تراحم وإنتاج وبناء ونماء عام علم وبناء، وتسامح وإخاء من أجل مصر.. عودوا جميعاً.

■ كاتبة