رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتفاقية الدفاع المشترك.. والتجانس السياسى


والسؤال الذى يتعـين طرحه الآن هو: هـل يدرك العـرب أن الأمن الجماعى العـربى لا يمكن أن يتحقق تلقائيا، كما أنه لن يتحقق بالاعتماد عـلى الآخرين، وإنما يمكن أن يتحقـق بالقدرات العـربية الذاتية؟ وهل يدرك العـرب قول الحق تعالى: «إن هـذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعـبدون»؟

فى حوار ممتد مع عـدد من القـيادات الصحـفـيـة والإعـلامية العـربية أكد الدكتور مرسى أن أمن الخليج من أمن مصر، وأن أمن الدول العـربية كلها من أمن مصر، ويتعـين أن يكون التكامل السياسى أساسا لتفعـيـل اتفاقـيـة الدفاع المشترك، الأمر الذى يحتاج إلى جهد كبير خاصة فى ظـل المتغـيـرات السريعة، فلا يمكن تفعـيـل الاتفاقية دون إحداث التجانس السياسى، وأن الجميع يريـد تحقيق استقـرار المنطـقـة بما فى ذلك الاستقـرار الاقتصادى والثقافى والنفسى والأمنى، كما أن مساحة العالم العـربى وموارده وثرواته تمكنه من تحقـيـق ذلك، وبتحليـل ما تقدم يمكن ملاحـظة أنـه أكد أولاً أن الأمن الجماعى العـربى كلَ مترابط لا ينفصل ولا يتجزأ، وأكد ثانيا على وجـود متغـيـرات محلية وإقـليمـيـة تؤثـر فى الأمن العـربى، وأن هـذا الأمن فى حاجة ملحة للتكامل الاقتصادى والتجانس السياسى ثالثا، وأكد رابعا أن العالم العـربى يمتلك مقومات تحقيق التكامل والتجانس بما يحقق الأمن الجماعى العـربى، واللافت للنظر أن الدكتور مرسى قد تناول العالم العـربى كأنه مجمـوعة مـتـنـافـرة متناثرة من الدول والشعـوب، بالرغـم من تـوافـر جميـع الاشـتـراطات التى تجعـل منه كلَا مترابطا بحكم تماثـل العـناصر اللغـويـة والثقافـيـة والتاريـخـيـة والاجـتـماعـيـة والديـنـيــة، وبحكم تواصله الجغـرافى الممتـد الذى يجعـل منه أمة عـربية واحدة، فبالـرغـم من تجزئة المنـطـقة العـربية عـبـر حـدود مصطـنعـة فإن شعـوبـها عاشت تاريخا واحدا وتجابـه مستـقـبـلا واحـدا، وبالرغـم من تـعـدد الغـزاة والمستعـمريـن فـقـد هـبـت شعـوبها لمسانـدة بعـضها البعـض، وبالرغـم من ذلك فلقد عـجزت حتى الآن عن إحـداث نظام مـوحـد يـمكـن أن نـطـلـق عـليـه النـظام العـربى، ولم تتمكن من بناء نسق عـربى مميز فى المنطقة بالرغم من توافر كل المعـطيات النموذجية لـبنائه، وتوافر جميع مقـومات التعـاون والتكامل.

ويشير الواقع إلى أن العـرب لم يدركوا حتى الآن أهمية منطقتهم سياسيا وأمنيا وعـسكريا إذ يلعـب موقعها الجيوستراتيجى دورًا مهمًا فى صياغة استراتيجيات القوى العالمية والإقليمية عـلى مر تاريخها، حيث تـعـتـبـر مـنـطـقـة الـتـقـاء اليـابـس بالماء وتسيـطر عـلى البحريـن الأحمر والمتوسط والخليج العـربـى، وهـى مسطحات مائـيــة مهمة من وجهة نظرالملاحة الدولية عسكريا وأمنيا، كما تشرف على المحـيـطـيــن الهـنـدى والأطـلـنـطى ذوى الأهـمـيـة الاسـتـراتـيـجـيـة باعـتبارهـما يـؤديـان إلى قـارات العـالم القـديـم والـجـديــد، وتـحـتـوى على برزخ السويس ومضـيـق باب المـنـدب الـلذين يـفـصلان يـابـسة أفريـقـيـا عـن آسيـا، وتتحكم فى مـضـيـق جـبـل طارق الـذى يـفـصـل يـابـسة أفريـقـيــا عن أوروبــا، ولم يدرك العـرب أيضا أهمية المنطقة اقتصاديا، حيث تتحكم فى حـركة التجارة العـالمية، ويلعـب بترولها بضخامة إنتاجه واحتياطياته الضخمة وفوائض أمواله دورا رئيسيا فى صياغـة اقتصاديـات كثير من القوى العالمية والإقليمية، وفى غـياب هذا الإدراك غاب أيضا مفهوم الأمن الجماعى العـربى حتى باتت المنطـقة العـربية عـرضة للأخطار التى واجهتها كرها أو طوعا. ويمكن توضيح ذلك من خلال الحقائق التاريخية، إذ توضح الحقيقة الأولى أنه بالرغـم من أن بريطانيا العـظمى هى التى خلقت الوطن القـومى لليهـود فى قلب المنطـقة العـربية، إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى السابق هـما الدولتـان اللتـان عـملـتا على بقائها تحقيقا لأهدافهما وحـفاظا عـلى مصالحهما فى المنطقة، حيث جعـلـتا منها فاصلا أرضيا يحول دون وحدته، وفاصلا زمنيا يحول دون تقدمه، بينما تشيـر الحقيقة الثانية إلى أن الصهيونية العالمية التى نجحت حتى الآن فى بناء استراتيجية بعـيدة المدى لترسيخ الدولة اليهـودية فى المنطقة، لم يكن نجاحها هـذا إلاَّ فى غـياب الوحدة العـربية وغـياب الاستراتيجية العـربية الموحدة، أما الحقـيـقـة الثالثة فتشيـر إلى أن الاستراتيجيات العـربية المتعـددة قد ظلت عاجـزة على أن تمارس دورها فى ردع ومجابهة التهديدات التى فرضتها المتغـيـرات الدولية والإقليمية، التى وجدت نفسها بحكم موقعها وثرواتها طرفا فيها رغـبا أو رهـبا، أما الحقيقة الرابعة أنه ينبغى وضع المحتوى الفكرى لإيران فى جميع الحسابات الاستراتيجية، حيث تتطلع إيران إلى تحـقـيـق حلمها الدائـم للسيطرة على منطقة الخليج لإحـياء الإمبراطورية الفارسية بمنظور جـديـد بإقامة الدولـة الإسلاميـة تحت الراية الشيعـية، فما زالت إيران تعـتبر العـراق الامتداد الطبيعى لسهـل الهضبة الإيرانية الذى يحتوى عـلى العـتبات الشيعـية المقـدسـة، وما زالت تعـتبر مدينة المدائن أو «الطيسفونج» هى عاصـمة الإمبـراطـوريـة الفارسية، وما زالت تعـتبر الكويت هى تصغـيير للكوت الإيرانية، وما زالت تعـتبـر دول الخليج الأخرى «قطر، الإمارات، البحرين، الجزر» هى موانـئ إيـرانية على الخليج الفارسى، أما الحقيقة الخامسـة فتكمن فى تصاعـد الدور التركى فى جميع الدوائر عربيا وإقليميا وإسلاميا، ذلك أن تركيا قد أدركت أنها الـوجـه المقـبـول لدى جميع الأطراف التى يمكنها تنسيق جميع ملفات الأزمات والنزاعات التى تسبب عـدم استقرار النسق الإقليمى، ولتعـظيم هـذا الدور تتطلع تركيا تحت حكم العثمانيين الجدد إلى إحياء الإمبراطورية العثمانية وإعادة فتح العالم العـربـى والإسلامى اقتصاديا لتكـونا سوقـين مفتوحتين لترويج منتجاتها بعـد أن فقدت أمل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.

والتساؤل الرئيسى الذى يدور فى الأذهان الآن هـو: ما الذى يقصده الدكتور مرسى بأن اتفاقية الدفاع المشترك لا يمكن التوصل إليها دون إحداث التجانس السياسى؟ هل يقـصد بالتجانس السياسى توحيد الأنظمة السياسية فى الأقطار العـربية لـتكـون تابعة للتنظيم الدولى لجماعة الإخوان المسلمين الذى يسعى إلى إحياء الخلافة الإسلامية تحت الـرايـة السنية؟ فإذا كان الأمر كذلك، فإنـه يكون أخطأ خطأً جسيما، إذ يتعارض ذلك مع مبدأ كارتـر الذى أعـلـنه فى 23 يناير1980 أمام الكونجرس الأمريكى «إن أى محاولة من أى قوى داخلية أو خارجية للحصول على مركز مهـيـمـن فى منطـقة الخليج، سوف يعـتبـر بمثابة هجـوم عـلى المصلحة العـلـيـا للولايات المتحـدة، وسوف يتم رده بجميع الوسائل المتاحة بما فى ذلك القـوة العـسكريـة»، فإن لم يدركـوا ذلك فعـليهم عـلى الأقـل أن يدركـوا أهـمية بناء استراتيجية عـربـيـة موحدة كحاجة استراتيجية ملحة لمواجهة ما يحيق بهم من أخطار، ولعـل ذلك يتطلب تغـيـيـرا جـذريـا واستعـدادًا فـكـريًـا مـخـتـلـفًـا، وإدراكا واعـيا لحقائـق المتغـيرات وتقديرا دقيقا لإحتمالات الـمستـقـبـل، إذ سيظل الأمن الجماعى العـربى مرهـونا بـتحـقـيـق ذلك، وربـما يـظـل دوما عـرضة لـلأخـطـار ما لـم يـحـدث مثـل هـذا الـتغـيـيـر.

والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعي

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.