رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"ليس من السهل ترك السلطة".. أولاند يكسر القاعدة.. الرئيس الفرنسي يغادر الأليزيه طواعية في سابقة تاريخية.. و"السنوسي" و"سوار الذهب" نقاط مضيئة في بحر المأساة العربية

جريدة الدستور

"وكأنه خر من السماء فتخطفه الطير أو هوت به الرياح في مكان سحيق"، الجملة السابقة ليست أكثر من مجرد توصيف لحال بعضًا من الحكام والرؤساء، المتشبثين بمناصبهم غير مبالين بصرخات التغيير أو دعوات الرحيل الصادرة من قبل شعوبهم، رافعين شعار "أنا ومن بعدي الطوفان"، حتى ولو اقتضت الضرورة إسالة بحور من دماء الأبرياء.

وفي ظاهرة نادرة الحدوث علي ملعب السياسية وتحديدا في الفترة الحالية، سن الرئيس الفرنسي "فرانسوا هولاند" سنة جديدة بإعلانه الإنسحاب من خوض غمار انتخابات الرئاسة الفرنسية المرتقبة منتصف العام القادم، مبررا السبب وراء إقدامه علي تلك الخطوة حرصه علي مصلحة بلاده العليا، ومنح الفرصة أمام جيل جديد قادر علي تجديد شباب الدولة الفرنسية السياسي والإقتصادي.

"أولاند" الذي شهدت فترة ولايته عواصف من الإعصار السياسي، أبرزها تحول دولة النور والجمال إلي مرتع للعناصر المتطرفة وهدف مستباح للهجمات الإرهابية، بجانب الاقتراب من دخول نفق الركود الإقتصادي، يستعد لمغادرة قصر الإليزيه، في وقت تشهد بلاد اللوفر تحولا دراماتيكا بعد صعود تيارات اليمين بصورة يعتبرها تهدد مستقبل بلاده.

ورغم بعض المطالبات التي تحيط بالرئيس الفرنسي "أولاند" وتدفعه نحو الدخول في السباق الرئاسي المرتقب، إلا أنه تجاهل كل تلك الدعوات، ليستأذن في الرحيل في سابقة هي الأولي من نوعها في تاريخ ساكني قصر الإليزيه.

وبالقياس علي حالة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، نجد النقيض هو الحاضر دائما داخل بلاد الشرق الأوسط والمجتمع العربية، في ظل وجود طائفة من الحكام ارتضت بالدم بديلا عن الرحيل، سواء كان هذا المطلب بالرحيل نابعًا من قلب تغيير ديمقراطي عن طريق صناديق الإقتراع أو الثورات.

لكن بالعودة إلي التاريخ فصفحاته حافلة بعدد من الرموز، الذين آثروا الرحيل في صمت دون إراقة ولو بضع قطرات من الدماء.

الملك "إدريس السنوسي"

في كنف أسرة عريقة الأصل والنسب ولد الملك الراحل محمد إدريس السنوسي عام 1890 حاكم لبييا السابق، في أجواء تفوح منها رائجة الجهاد والكفاح ضد المستمعر الإيطالي، بعدما تزعم والده مواجهة المحتل، قبل أن يلقي حتفه دون أن يحقق مبتغاه.

وفي عام 1916 وجد إدريس السنوسي نفسه مسئولا عن إدارة الحركة السنوسية، منوطا به استكمال ما قام به والده الراحل، ليبدأ في إعادة تنظيم الصفوف بعقد مؤتمر "غربان" والذي حضره رموز القبائل والعشائر اللبيية، والذي تحدث خلاله بأنه لا سبيل للخروج من الوضع الحالي غير بالتوحد تحت قيادة حكومة منتخبة قادرة علي تحقيق الشرع الإسلامي، لا تعزل إلا بحجة وبإقرار من مجلس النواب.

بدأ "السنوسي" في تعقب خطوات الإحتلال الإيطالي داخل الأراضي الليبية بهدف إجبارها علي الرحيل، لتأتي الحرب العالمية الأولي ويقرر عقد إتفاق مع دول الحلفاء، وبالفعل قام بمهاجمة القوات الإيطالية بمساعدة من السلطات البريطانية والفرنسية، لينتهي الأمور بهزيمة إيطاليا ورحيلها عن لبييا.

لكن الأمور لم تكن لتنهي عند ذلك الحد، فشرع "السنوسي" في إعادة ترتيب البيت الليبيب من الداخل، ليعلن تأسيس الدولة اللبيبة، واضعا دستور ينص علي التبادل السلمي والديمقراطي للسلطة.

17 عشر عاما قضاها الملك إدريس السونسي حاكما للدولة اللبيبة، قبل أن تتم الإطاحة به آثر إنقلاب قاده مجموعة من القادة العسكريين اللبيين يتزعهم العقيد معمر القذافي قائلين "ما نبغي إدريس ولو حكمنا إبليس".

لكن الملك الراحل اختار أن يرحل في صمت دون أي مقاومة حرصا علي الأوراح قائلا " اللهم أبدلهم بي بإبليس".

المشير "سوار الذهب"

اسمه بالكامل عبد الرحمن محمد سوار الذهب ينتمي إلى المؤسسة العسكرية السودانية، والذي ترقي فيها حتي وصل لمنصب المشير، تحفل سيرته الذاتية بالعديد من المواقف المشرفة، والذي رفض إغراءات السلطة وبريقها في مواقف أثارت دهشة الجميع.

ولد "سوار الذهب" عام 1935 بمدينة الأبيض بالسودان، وشهد أثناء شغله للمنصب حدوث إنقلاب علي الرئيس السوداني "جعفر نميري"، غير أنه رفض الإذعان للمطالب حرصا علي الشرعية الدستورية.

وفي عام 1985 قام الشعب السوداني بانتفاضة علي جديدة علي حكم "نميري" بزعامة عدد من الأحزاب السودانية، والتي أرادت اقتسام السلطة، غير أن تفاهم قد حدث فيما بينهم يقضي بتولي "سوار الذهب" السلطة لمدة عام، لحين تشكيل مؤسسات الدولة.

وذهب كثيرين للتشكيك في نوايا المشير "سوار الذهب"، معتبرين بأنه لن يفي بالعهد، ليفاجىء الجميع بالتنازل عن السلطة كما وعد في مشهد حضاري، تجنبا للصدام وحرمة الدماء.

الملك "فاروق"

"فاروق" ملك مصر المعظم، والذي تولي الحكم وهو في السادسة عشرة من عمره، مكث 18 عاما حاكما للمحروسة، قبل أن تتم الإطاحة به من قبل تنظيم الضباط الأحرار عام 1952.

لكن آخر ملوك الأسرة العلوية آثار الرحيل في صمت، متنازلًا عن العرش لنجله الأمير أحمد فؤاد، قائلا مقولته الشهيرة "ليس من السهل حكم لمصر"، كوثيقة حاول من خلاله أسداء النصح للقادمين من بعده.