رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس "الناجية الوحيدة من فك الثورات".. الخضراء تقود ربيعًا اقتصاديًا بمليارات الخليج.. ساقت أنجح تجربة سياسية ‏ديمقراطية.. قدمت أقل عددًا من الشهداء.. والسياحة أعطتها قُبلة الحياة

جريدة الدستور

لا يمر يوم إلا وتثبت فيه تونس الخضراء، أنها التجربة العربية الأنجح خلال ثوارت الربيع عام 2011، ‏فقد كانت المحطة الأولى لانطلاق الغضب العربي، واستطاعت من بعدها أن تصبح قدوة ومثالًا يُحتذى به ‏في النظام الديمقراطي إبان المرحلة الأصعب بعد إخماد شرارة الثورات.‏

فعاشت تونس خلال 6 سنوات مضت استقرارًا سياسيًا منشودًا رغم بعض العقبات، وها هي على أعتاب ‏ربيع اقتصادي جديد، ينشلها من الوعكة التي ألمت بموازنتها العامة مؤخرًا، إلا أن النجاحات التونسية لم ‏تقتصر على السياسة والاقتصاد، ولكن نسمات الربيع الديمقراطي شملتها من كل النواحي.‏

‏"الربيع السياسي"‏
مهدت تونس لانطلاق الثورات الشعبية، إذا عُرفت ثورتها باسم "الياسمين"، خرج فيها الشعب التونسي ‏ثائرًا على الرئيس "زين العابدين بن علي"، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وتفاقم البطالة والأزمات، وفي الأساس ‏تضامنًا مع الشاب "محمد بو عزيزي" الذي أحرق نفسه.‏

استمرت الثورة في البلاد نحو شهرًا كاملًا، انتصر في نهايته الشعب التونسي، إذا‎ ‎أجبرت الانتفاضة ‏الشعبية الرئيس التونسي، الذي كان يحكم البلاد بقبضة حديدية طيلة 23 عامًا، على مغادرة البلاد بشكل ‏مفاجيء إلى‎ ‎السعودية، متنحيًا بشكل سلمي عن الحكم.‏

وعمت الفرحة في أراضي الخضراء بعد الخلاص من الزعيم التونسي، وبدأت خطواتها السلمية نحو ‏تحقيق الاستقرار الديمقراطي، وأعلن "محمد الغنوشي" رئيس الوزراء وزعيم حزب النهضة، توليه رئاسة ‏الجمهورية بصفة مؤقتة، وفقًا للدستور التونسي.‏

بيد أن‎ ‎المجلس الدستوري‎ ‎أعلن إنه بعد الإطلاع على الوثائق لم يكن هناك تفويض واضح يمكن الارتكاز ‏عليه بتفويض الوزير الأول،‎ ‎وإن الرئيس لم يستقل، وبما أن مغادرته حصلت في ظروف معروفة وبعد ‏إعلان الطوارئ، تم إعلان شغور منصب الرئيس.‏

وعقب ذلك أعلن عن تولي رئيس‎ ‎مجلس النواب‎ ‎‏"محمد فؤاد المبزع"‏‎ ‎منصب رئيس الجمهورية بشكل ‏مؤقت، ووقتها علق "الغنوشي" قائلًا: "كان لدينا خياران، إما أن نبقى في السلطة ونخسر الديمقراطية أو أن ‏نكسب الديمقراطية ونتخلى عن السلطة".

وتم شكيل حكومة جديدة برئاسة الوزير الأول"‏‎ ‎الغنوشي" لحين اجراء انتخابات رئاسية، وتم الإفراج ‏وقتها عن الكثير من المحاكمين سياسيا وتقديم عدة مسؤولين تونسيين للمحاكمات، ‎ثم رحلت حكومته ‏وأوكل للوزير المتقاعد "الباجي قائد السبسي" تشكيل حكومة جديدة.‏

ثم جاء "محمد المنصف المرزوقي" رئيسًا للبلاد، بعد انتخابه من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي، وبعد ‏ثلاثة أعوام أطاح الشعب التونسي بحكم الإسلاميين، وانتخب "السبسي" رئيسًا لتونس، وشكلت حكومة ‏‏"الحبيب الصيد"، واعتمد التونسيون‎ ‎دستورًا تقدميًا يوفر الحماية للعديد من الحقوق الإنسانية المهمة.‏

كما انتخبوا برلمانًا نزيهًا ضم كل الفصائل التي أغلبها من السنة تبعًا لتركيبة الشعب التونسي، وازدهرت ‏منظمات النشطاء والمنظمات غير الحكومية، ولا ننسى أن تونس أقل الدول العربية في تعداد الشهداء ‏الذين لم يتعدو 219 شهيدًا وفقًا لمجلس حقوق الإنسان.‏

‎"الربيع الاقتصادي"‏
وحاليًا يبدو أن الاقتصاد التونسي على أعتاب التعافي، لتحقق الخضراء أسطورة أنها الأنجح في الربيع ‏العربي، إذا تشهد حدثًا اقتصاديًا ضخمًا بمشاركة أكثر من 70 دولة و2000 شركة تعهدت جميعها خلال ‏مؤتمر الاستثمار "تونس 2020" بتقديم منح مالية وتوظيف استثمارات ضخمة‏‎.‎

انطلقت أعمال مؤتمر الاستثمار يوم الثلاثاء الماضي، وتعول ‏عليه تونس من أجل انتعاش اقتصادي حقيقي وإنجاح تجربتها الديمقراطية، نظرًا لمرحلة الانكماش الحاد ‏التي مر بها الاقتصاد التونسي في أعقاب الثورة.‏

وخلال الجلسة الأولى للمؤتمر، استجاب شركاء تونس الاقتصاديون بتقديم تمويلات ومنح لتركيز ‏استثمارات في البلاد بمليارات الدولارات، إذا أعلنت فرنسا عن تخصيص مليار يورو لاستثمارها في ‏تونس حتى عام 2020.‏

أما قطر، فمنحت تونس مساعدة مالية قيمتها 1.250 مليار دولار لدعم اقتصادها وتنمية المناطق ‏المحرومة، إلى جانب تكفلها بكامل مصروفات مؤتمر "تونس-2020"، وقررت كندا دعم تونس باستثمار ‏قدره 24 مليون دولار على امتداد 4 سنوات.‏

وتتطلع حكومة يوسف الشاهد إلى جذب استثمارات تقدر بـ50 مليار دولار وذلك قبل نهاية مخطط التنمية ‏‏2016 - 2020، وستعرض تونس خلال المؤتمر على شركائها الاقتصاديين والمستثمرين ‏الأجانب نحو 145 مشروعًا حكوميًا بتكلفة 33 مليار دولار‎.‎

‏"الربيع السياحي"‏
في أعقاب الربيع العربي كانت السياحة التونسية تحتضر، إذا تعتبر مصدرًا هامًا للدخل القومي، لكون ‏تونس لا تتمتع تونس بالموارد الطبيعية كمصدر للاقتصاد أو الاستثمار، مثل ليبيا والجزائر، إلى جانب ‏العمليات الإرهابية التي ضربت القطاع السياحي، مثل هجوم على متحف في تونس العاصمة، والتفجير ‏الانتحاري في المنتجع السياحي.‏

إلا أنها مؤخرًا بدت تتعافى شيئًا فشيئًا، إذا أكدت المنظمة العربية للسياحة عام 2012، بأن السياحة ‏التونسية شهدت انتعاشًا حيث بلغ عدد السياح في حدود ثلاثة ملايين سائح، وبلغ عدد الليالي المقضاة حوالي ‏‏11 مليون ليلة، بزيادة تقدر 4 ملايين ليلة عن العام 2011.‏

ووفقًا لأرقام الديوان الوطني‎ ‎التونسي‎ ‎للسياحة، فقد دخل على الأقل حوالي 2،6 مليون سائح البلاد ‏خلال النصف الأول من سنة 2013، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 4.8 مقارنة بالسنة الماضية.‏

وخلال العام الحالي، أوضحت بيانات وزارة السياحة التونسية أن إجمالي عدد السياح ‏منذ مطلع 2016 بلغ أكثر من 3،4 مليون سائح، بعدد ليال 84،14 مليون ليلة، بعائدات تجاوزت 8،1 ‏مليار دينار، فيما بلغ إجمالي عددهم خلال عام 2015 بأكمله 2،4 مليون سائح، بعدد ليال 14 مليون ‏ليلة، وعائدات 9،1 مليار دينار.‏

‏"الوضع الحقوقي"‏
وكان الوضع الحقوقي لتونس بعد الثورة مقلق بعض الشيء، إذ شهدت العديد من عمليات القمع ‏للاحتجاجات التي تخرج كل فترة، لكن الفدرالية الدولية لرابطات حقوق الإنسان، عبرت مؤخرًا عن ‏رضاها عن الوضوع الحقوقي لاسيما في ظل النجاحات الاقتصادية التي تسعى إليها حكومة "يوسف ‏الشاهد".‏‎ ‎