رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر المفلسة


بعد 30عاما من حكمه، أوصلنا مبارك إلى مصر الفاسدة، وبخطايا المرحلة الانتقالية والحكم الحالى وبعد عامين فقط من ثورة 25 يناير 2011 وصلنا إلى مصر المفلسة.

الصورة مرعبة، وتفاصيلها مفزعة، مقدماتها تنبئ بنتائجها ويحيرنى أن تغمض جفون الحكام والمحكومين على السواء، بينما الإفلاس وثورة الجياع على الأبواب والكارثة محدقة، والخطر يحاصر الجميع ولن يبقى ولن يذر.

الشواهد عديدة وتتراكم ولا تخطئها العين، فتخفيض مؤسسة « ستاندرد آند بورز «التصنيف الائتمانى لمصر إلى «B-C» معناه « بقيلنا زلطتين ونطلع بره»، فلم يعد يفصلنا عن الإفلاس إلا درجتان «C» و«CC»، وعندما يتبع ذلك تخفيض تصنيف بنوك «الأهلى ومصر والتجارى الدولى «إلى الدرجة نفسها بعد أن ورطتها الحكومة بمشتريات تفوق طاقتها من سندات وأذون الخزانة، فبالتأكيد نحن نغرق القطاع المصرفى ونعبث بأموال المودعين، فالحكومة باتت على وشك عدم القدرة على تسديد ديونها المحلية التى تجاوزت التريليون و 300 مليار جنيه، والخارجية التى تخطت الـ 35 ملياراً من الدولارات، خاصة مع ارتفاع توقعات عجز الموازنة إلى أكثر من 200 مليار جنيه.

والقول بأننا بعيدون عن الإفلاس؛ لأننا لم نعجز عن سداد الديون ولم تُفلس بنوكنا، بات «طق حنك « تماماً كمشروع النهضة، فنحن نسير بسرعة الصاروخ تجاه مصر المفلسة، واتجاه البنوك المصرية لسحب أرصدتها من الخارج تزامناً مع قرار عدم السماح بخروج أو دخول أكثر من 10 آلاف دولار مع كل مغادر أو قادم يؤشران لقرب بلوغ التصنيف «D» أى «الإفلاس المعلن».

انتظروا موجات تلو موجات من الغلاء، فظاهرة «الدولرة» – تخزين الدولار – عادت بقوة، والجنيه يتراجع يومياً، البورصة تنزف، وخسائر قطاع السياحة تتجاوز الـ 300 مليون دولار أسبوعياً، وآلاف المصانع أغلقت أبوابها و «سرحت «عمالها».

السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، والخطوة المفتاحية للخروج من المأزق الاقتصادى المحتدم تبدأ بإصلاح السياسة؛ بالتوافق الوطنى والحوار والشراكة الحقيقية التى لا يمكن أن تقترن بالإقصاء أو الاستعلاء أو الاستقواء، وما يجعل الصورة قاتمة أن السياسة تماماً كالاقتصاد فى غرفة العناية الفائقة مشلولة ومتخبطة تعانى أمراض رخاوة الحكم وقلة كفاءته، وضعف المعارضة تنظيمياً، وركض الشعب وراء سراب الاستقرار و«دوران العجلة».

رغم أن ثورة 25 يناير 2011 صنعتها الطبقة الوسطى، فإنها فتحت الطريق لآمال وتطلعات الطبقات الدنيا بتنوعاتها فى العدالة الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة توازيا مع كسر حاجز الخوف وبالتالى فالنسخة الجديدة من الثورة ستكون دموية ومدمرة عندما يصنعها الفقراء والمهمشون والعشوائيون، إنها ثورة الجياع آتية لا محالة، إذا لم يتعاف الاقتصاد، وتوزع ثماره بعدالة عليهم وإذا لم تستوعب السياسة وتعبر عن الجميع.

العد التنازلى للانفجار بدأ، فهل ما زال بيننا من ينزع فتيل قنبلة بحجم وطن؟ أشك.. ومن كل قلبى أتمنى أن أكون مخطئاً!

■ كاتب صحفى