رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زلزال ترامب.. والرهان المصرى


قليلون هم الذين راهنوا على فوز دونالد ترامب ليصبح الرئيس الـ45 لأمريكا، الرجل انتصر فيما يشبه المعجزة، وهو الذى انهالت عليه الاتهامات من كل اتجاه، من عنصرى متعجرف، إلى معتوه ومجنون، ولاحقته كل وسائل الإعلام واستطلاعات الرأى العام، وتحليلات الخبراء والمحللين بكل النعوت والأوصاف، ومع ذلك فإنه استطاع هزيمة المؤسسة الأمريكية الحاكمة، ومعها كل ماكينات الإمبراطورية الإعلامية، قبل أن يسدد بصوت الناخب الأمريكى الضربة القاضية، لمنافسته المدللة هيلارى كلينتون، ويسحقها فى انتخابات الرئاسة التى هزت نتيجتها العالم.

وحده كان ترامب، جاء من الصفوف الخلفية ليواجه الجميع، ووحده بدا عنيداً وقوياً لأقصى درجة، ووحدهم أنصاره الذين اقتنعوا به هم الذين أتوا به للبيت الأبيض بغالبية ساحقة، فى ظاهرة تستحق التحليل الطويل لمزاجية الناخب الأمريكى المتقلبة، والتى رأت فى صراحته ووضحه ـ حتى لو كان وقحاً ـ النموذج الذى يعيد له اعتباره ويمكن أن يحل له مشاكله الداخلية، التى هى محط ومحور اهتمامه.. لا الشرق الأوسط، ولا فلسطين ولا ما نتخيل من أوهام.

فيما يُشبه «الزلزال» أصبح ترامب رئيساً للقوة العظمى فى العالم، ولكن التوابع والهزات الارتدادية لم تأتِ بعد، الغرب المتخوف والذى بدا معادياً له، يحاول امتصاص الصدمة، خاصة أن تصريحات الرجل العنصرية أو المتطرفة، تقلق الجميع وخاصة الشركاء الأوروبيين، فرنسا مثلاً والتى تستعد لانتخاباتها المقبلة فى مايو المقبل، أطلقت صرخة إنذار على لسان الأمين العام للحزب الشيوعي، بيار لوران، قال فيها إن «فوز ترامب يمثل منصة إطلاق لصاروخ فرنسى اسمه مارين لوبن».. وكان قد سبقه الرئيس فرانسوا أولاند، باعتبار فوز ترامب «يدشن مرحلة مجهولة المعالم»، وهكذا كانت ألمانيا وبريطانيا وغيرهما.

روسيا، الوحيدة التى صفق مجلس الدوما علناً بعد إعلان فوز ترامب، ولا يخفى على أحد أن الرئيس بوتين يرى فيه «شريكاً مناسباً» فى مكافحة الإرهاب.. ولكن ماذا عنّا كعرب.؟

للأسف، دائماً نحن على قائمة «المفعول به»، وضعنا الراهن فى مرحلة ما بعد «الربيع العربي» أكثر اهتراءً وعاطفية، وبينما لم يكن خافياً أن دولاً عربية (فى مقدمتها قطر) تورطت فى دعم حملة هيلارى كلينتون بملايين الدولارات ـ وهو بالطبع لن يفوّته ترامب ـ كانت هناك مصر التى لا تتمنى وصول كلينتون للرئاسة، ومعلوم لكل مصرى علاقتها بتنظيم الإخوان الإرهابي، والأكثر أن مصر، وخاصة بعد لقاء الرئيس السيسى بترامب وكلينتون على هامش اجتماعات الأمم المتحدة فى سبتمبر الماضي، باتت ترى فى ترامب شريكا محتملاً وقوياً فى الحرب على الإرهاب ومواجهة ميليشيات الإسلام السياسي، لذا كان الفارق بين تصريحين، ترامب الذى وجد مع السيسى «كيمياء» توافقية، وكلينتون التى أقحمت نفسها فى شأن داخلى ودعت للإفراج عن ناشطة سياسية.!

ما يهمنا كمصريين، ونحن نواجه ضربات من جميع الاتجاهات، ليس أن ننظر فقط للصدمة والفجيعة التى تلقتها جماعة الإخوان الإرهابية بعد خسارة عميلتهم هيلارى كلينتون، وحفلة اللطم على مواقعهم، بل الوصول لتفاهمات ترفع عن كاهل الدولة المصرية الضغوط التى مارستها إدارة أوباما للتصالح مع جماعة الإخوان الإرهابية.. وأيضاً فتح صفحة جديدة فى العلاقات بين البلدين. ترامب قد يزور القاهرة بعد تسلم منصبه رسمياً فى يناير المقبل، كما قال مستشاره السياسي، وهذه إن حدثت ستكون نقلة نوعية، وربما إيذاناً صريحاً بالقضاء على الإرهاب، وشهادة وفاة دولية للجماعة الإرهابية.