رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ديمقراطية الانتخاب الأمريكى


من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهيأ لوضع لم تعهده حيث سيتولى قيادتها شخص لم يسبق له أن عمل بالسياسة، وبالتالى فإنه إما أن يعتمد على ميوله وأفكاره فيقع فى أخطاء كثيرة وكبيرة توقع الولايات المتحدة والعالم فى مشاكل لا يعلمها إلا الله، وإما أن يعتمد على مستشارين لا يعبرون عنه بقدر ما يعبرون عن أنفسهم وقد لا يدرك المخاطر الناجمة عن مشورتهم.

لا شك أن إعلان فوز رونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة كان مفاجئاً للكثيرين، حيث كانت استطلاعات الرأى السابقة على إجراء الانتخاب ترى أن المنافسة الديمقراطية هيلارى كلينتون أقرب إلى الفوز وإن بأغلبية ضئيلة، ولكننا وجدنا نتيجة ليست فقط بفوز ترامب، ولكن بفارق كبير نسبياً ومصحوباً بفوز الحزب الجمهورى فى كل من مجلسى الكونجرس النواب والشيوخ. ولم تكن الترشيحات تفضل كلينتون لسبب أنها امرأة ولا لتأهيلها بقدر ما كانت لأن ترامب ليست لديه الخبرة الكافية لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لأنه لم يعرف عنه اهتمامه بالسياسة ولا أن له موفقاً سياسياً يمكن أن ينحاز إليه الناخب، كما عرف عنه أنه يمكن أن يتخذ اليوم موقفاً ثم يتراجع عنه باكر ببساطة شديدة مما يجعل السياسيين ينأون عنه ويرغبون فى التعامل مع شخص ثابت له موقفه المبنى على تقدير موقف قائم على أسس ثابتة، وهو ما لا يرونه فى ترامب. أخيراً فإن ما صدر عن ترامب من مواقف كان يفترض أنه يتخذ مواقف متشددة من الأقليات عموماً سواء كانت أقليات دينية مثل المسلمين أو عرقية مثل الذين من أصول لاتينية أو جنسية مثل المرأة أو غيرها مما كان كفيلاً بتحفظ هذه الأقليات، كما كان كفيلا بابتعاد هذه الأقليات عن انتخابه خاصة مع تأثر الجيل الجديد من موقفه من الجيل السابق.

لم أكن أتابع الانتخابات فى الولايات المتحدة الأمريكية وأنا أفضل مرشحاً عن آخر ولا حزباً عن آخر، فقد كنت وما زلت أقدر مواقف الأطراف من القضايا العربية فأنا أعرف أن موقف الولايات المتحدة منذ زمن ليس بالقصير بعيد عن المواقف العربية وعن الآمال العربية، ولم أكن ممن رحبوا بزيارة الرئيس أوباما لمصر بعد انتخابه بزمن قصير فى حين رأى آخرون فى هذه الزيارة علامة على علاقات جديدة بين الولايات المتحدة والدول العربية، يرجع الاختلاف إلى أنى كنت أتابع ما عبر عنه أوباما قبل أن يأتى إلينا فى حين تابع آخرون أمنياتهم ورغباتهم وهى عوامل يمكن أن توضع فى الاعتبار ولكنها يجب أن تكون فى حدود ما يمكن أن يقبله الطرف الآخر.

من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تتهيأ لوضع لم تعهده حيث سيتولى قيادتها شخص لم يسبق له أن عمل بالسياسة، وبالتالى فإنه إما أن يعتمد على ميوله وأفكاره فيقع فى أخطاء كثيرة وكبيرة توقع الولايات المتحدة والعالم فى مشاكل لا يعلمها إلا الله، وإما أن يعتمد على مستشارين لا يعبرون عنه بقدر ما يعبرون عن أنفسهم وقد لا يدرك المخاطر الناجمة عن مشورتهم. هذه هى نتيجة ما اختاره الناخب الأمريكى أو على الأصح ما عبرت عنه صناديق الاقتراع فى الانتخابات الأمريكية وهنا لابد من الإشارة إلى أن الانتخابات الأمريكية ليست نظيفة مائة فى المائة وأن الولايات المتحدة التى تصدع رؤوسنا عن الديمقراطية وعن نزاهة الانتخابات التى تعبر عن إرادة الناخبين وعن مراقبة الانتخابات تشوب انتخاباتها عيوب ضخمة وأن ما يحدث فيها أخطر بكثير مما نعيبه أحيانا على انتخاباتنا.

ففى انتخابات الولايات المتحدة أموات يدلون بأصواتهم وأفراد ينتخبون عدة مرات، ولا أحد يسأل الناخب عن تحقيق شخصيته بل يترك للناخب أن يبحث عن اسمه فى جدول الناخبين وبالتالى هو يختار الاسم الذى يقترع باسمه دون أن يراجعه أحد. وليس المقصود هنا الطعن فى نتيجة الانتخاب والقول بأن هيلارى كلينتون أحق بالنجاح أو أن هذه الأخطاء هى السبب فى نجاح ترامب وفشل هيلارى كلينتون، فالتزوير وارد لصالح كلا المرشحين وربما حتى الحزبين ولكنى أقول إن نظام الانتخاب الأمريكى قد أدى إلى فتح الباب لانتخاب غير صحيح.

بل وإلى انتخاب شخص غير مؤهل لتولى هذا المنصب خاصة وانه لم يتخط المرشحة الديمقراطية فقط، بل إنه قبل ذلك استطاع أن يتخطى جميع المرشحين الجمهوريين للرئاسة وكان أغلبهم، بل ربما كلهم، أكثر منه تأهيلاً، كما أنه كان هناك مرشح ديمقراطى آخر غير هيلارى كلينتون لكن النظام قدم هذا الزوج للانتخاب وهو ما يثير سؤالاً عن صلاحية النظام الانتخابى للتعبير عن الديمقراطية، وربما يثير سؤالاً عن تطبيق الديمقراطية وما إذا كان التطبيق الأمريكى للديمقراطية تطبيقاً مناسباً أو أن الديمقراطية قادرة على إفراز قيادات صالحة، خاصة أن المال السياسى يلعب دوراً مهماً فى الانتخابات الأمريكية من خلال حملة التبرعات.