رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبراء يحددون خسائر مقبلة:

‏"تعويم الجنيه" نزيف لا يتوقف.. ضحايا تحرير صرف العملة يتزايدون.. المرضى "على كف عفريت" بعد ‏حظر استيراد الأدوية.. المواطن يقع فريسة لغول الغلاء.. والشركات الأجنبية "الخاسر الأكبر"‏

جريدة الدستور

ما أن صدر قرار البنك المركزي بتعويم الجنيه وتحرير سعر صرفه في الأسواق، حتى حبس الجميع ‏أنفاسه منتظرًا لفترة اقتصادية صعبة تطحن الفقراء، وتُخرج الأزمات والخسائر من جحورها، لتؤرق ليل ‏المواطن، وتجعل مصير الحكومة متأرجح بين البقاء والإطاحة، ولم تمر سوى أيام قليلة حتى صدقت ‏جميع التنبؤات وبدأت الكوارث تظهر الواحدة تلو الأخرى .‏

‏"حظر الأدوية"‏

‏"الأطفال بتموت".. هاشتاج ظهر بالأمس، تعبيرًا عن الأزمة الكبرى التي تواجهها وزارة الصحة، آخر ‏ضحايا "تعويم الجنيه"، الذي أدى إلى أزمة نقص حاد في بعض العلاجات الحيوية بالصيدليات، وذلك بعد ‏قرار"الشركة المصرية لتجارة الأدوية" بوقف بيع الأدوية المستوردة. ‏

قرار الشركة جاء بعد قرار البنك المركزي بتحرير سعر صرف الجنية، الذي أدى أيضًا إلى تحديد كوتة ‏لبيع الأدوية الخاصة بأمراض القلب والضغط وارتجاع المرىء والفشل الكلوي وبعض الأدوية الكيماوية ‏الخاصة بمرضى السرطان.‏

وامتنعت الكثير من الصيدليات عقب القرار، عن بيع بعض أنواع الأدوية، نتيجة ارتفاع سعر التكلفة في ‏ظل استمرار ‏التسعيرة الجبرية، بعد إعلان عدد من شركات الأدوية وقف استيراد المواد الفعالة، بينما ‏أوقفت شركات أخرى خطوط إنتاج بعض الأنواع بصفة نهائية، نتيجة إرتفاع سعر الدولار.‏

‏"جنون الذهب"‏
وخسر كثيرًا المقبلون على الزواج خلال تلك الفترة، بسبب جنون أسعار الذهب، حيث وصلت إلى 90 ‏جنيهًا في الجرام الواحد، ووصل عيار 21 إلى 630 جنيهًا، بزيادة 120 جنيهًا بعد أسبوع واحد من قرار ‏التعويم، وسجل الذهب عيار 18 نحو 531 جنيهًا، فيما سجل عيار 24 حوالي 709 جنيهًا‎.‎

وأرجعت شعبة الذهب بإتحاد الغرف التجارية، جنون الذهب إلى إرتفاع سعر الدولار في البنوك بعد ‏قرار‎ ‎تعويم الجنيه مما رفع تكلفة الإستيراد ﻷكثر من 40‏‎ %‎، موضحة أن أسعار الذهب في مصر تتأثر ‏بسعر الدولار، وذلك لأنهم الصاغة يبيعون الذهب ويشترونه بالدولار من البورصة العالمية‎.‎

‏"الشركات الأجنبية"‏
وتعد الشركات الأجنبية إحدى ضحايا تعويم الجنيه أو الخاسر الأكبر في تلك المغامرة، نتيجة فروق سعر ‏العملة عند تحويل الأرباح إلى الخارج، حيث هوت القيمة الإجمالية للأرباح بنحو 50% مرة واحدة ‏بمجرد صدور قرار تحرير سعر الصرف، واتجهت بعض الشركات إلى تحويل أرباحها من الجنيه إلى ‏الدولار .‏‎

ومثل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق الرسمية أزمة أخرى، حيث أنه تسبب في إرتفاع ‏السعر النهائي لبيع أي منتج مستورد، وإرتفاع أسعار المواد الخام المستوردة التي تدخل في صناعة أي ‏منتج داخل مصر، ما يدفع إلى تراجع المبيعات وبالتالي مواجهة خسائر على المدى القصير‎ .

وأعلنت 5 شركات سعودية خسارتها 300 مليون ريال، نتيجة تعويم الجنيه، كان منها شركة "جرير ‏للتسويق"، التي أكدت أن القرار انخفض بموجبه سعر الصرف الرسمي للجنيه، مقابل العملات الأجنبية ‏بما فيها الريال السعودي‎.

‏"أسعار السيارت"‏
ووقعت السيارت بين فكي الغلاء والجمارك، بعد قرار تعويم الجنيه، الذي أثر على القيم الجمركية، وأدى ‏إلى زيادة التعريفة للسيارت المستورد من الخارج بنسبة 48%، وأعلنت شعبة السيارات بإتحاد الغرف ‏التجارية، أن التعويم رفع سقف الدولار الجمركي من 8.88 إلى 13 جنيًا، ما يعني إرتفاع قيمة الجمارك ‏المدفوعة بنسبة تتراوح ما بين 48 إلى 50% عن السابق . ‏

وأكدت أنه بالنسبة للسيارات المستوردة من دول الإتحاد الأوروبي الخاضعة لإتفاقية الشراكة الأوروبية، ‏فإن نسبة الزيادة فيها سيتم حسابها في قيمة الدولار من قيمة الجمارك المتبقية وهي 30%. ‏

‏"الكتب الخارجية"‏
ولم يفلت الطلاب من "تسونامي" تعويم الجنيه، إذا ارتفعت أسعار الكتب الخارجية للمرجعات النهائية ‏للفصل الدراسى الأول في كل المراحل التعليمية ارتفاعًا ملحوظًا، بالتزامن مع ارتفاع سعر الدولار، ‏فوصلت نسبة الزيادة من 20% إلى 30% عن العام الماضي، أدت بدورها لنقص الكتب المدرسية في ‏المدارس أيضًا.‏

‏"سعر الوقود"‏
الأدوية والذهب ليسوا أول ضحايا الوحيدون لقرار تعويم الجنيه، فقد سبقها نيران مشتعلة احرقت جيوب البسطاء، ‏حين لاحق القرار زيادة في أسعار البنزين والسولار وغاز السيارات، عشية قرار تحرير صرف العملة، ‏ليرتفع سعر البنزين بين 35% إلى 50% للأنواع الثلاثة، وارتفعت أسعار السولار بأكثر من 30‏‎%.‎‏.‏

وشهدت وقتها محطات الوقود ازدحامًا غير مسبوق، وارتفعت نتيجية لذلك أسعار المواصلات، وبررت ‏وزارة البترول ذلك، بإن قرار التعويم خفض قيمة الدعم فى الموازنة العامة للدولة، ما يؤثر بالطبع على ‏فاتورة الإستيراد‎.‎

‏"اشتعال الأنابيب"‏
‎ ‎وتكالبت الأزمات على المواطنين، فبعد غلاء الوقود والمواصلات، اشتعلت المحافظات بأزمة نقص ‏أنابيب الغاز، التي وصل سعر البعض منها إلى 30 جنيهًا، وفي مناطق أخرى نحو 60 جنيهًا، ما جعل ‏تجار السوق السوداء يستغلون الأمر في رفع الأسعار أكثر.‏‎

وعادت الكثير من الطوابير في محافظات الدقهلية والمنوفية ودمياط، تزامنًا مع رفع أسعار المشتقات ‏البترولية، وسط ‏شكاوى متكررة من قبل المواطنين، وتناقضت الحكومة كعادتها بشأن الأزمة إذا أكدت أن ‏أنابيب الغاز ‏متوفرة لكن تجار السوق السوداء هم من يستغلون الموقف ويشعلوا الأزمة، وقامت أيضًا ‏بضخ مليون و100 ألف ‏أسطوانة بوتاجاز خلال الشهر الماضي للسيطرة على الأزمة.‏

‏"خسائر متوقعة"‏
وعن ذلك يقول وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، أن تلك الخسائر هي مجرد رياح أولية لعواصف قريبة ‏سيشهدا المواطن لاسيما في الفترات الموسمية القادمة، في رمضان والفصل الدراسي الثاني، وذلك بعد ‏انتهاء المخزون الاستراتيجي للدولة من السلع والأدوية وكل المنتجات.‏

ويوضح أن أزمة العملة الصعبة ستمس كل شيء، بداية من السلع الاستراتيجية وزيادة الطلب العام عليها، ‏والعقارات التي من المتوقع زيادتها بنسبة 30%، والسيارات بكل مكوناتها مع مطلع 2017، مضيفًا: ‏‏"الحكومة لم تدرس القرار بشكل جيد، وحديثها بإن ما يحدث هو سلبيات للقرار حديث للتسكين".

ويؤيده المستشار أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي، مؤكدًا أن الأزمة ستطول كل السلع الوظيفية والاستراتيجية وليس الأدوية فقط، بسبب وجود عجز في الورادت التي تشمل الأدوية والسلع الإستراتيجية ‏كافة، وكل ما يتم التعامل فيه بالجنيه المصري.‏

ويشير إلى أن الأزمة كانت في تعويم الجنيه بشكل مفتوح وعدم لجوء البنك المركزي إلى التعويم المدار، ‏أدى إلى سلسلة من الأزمات لن تنتهي، ولكنها ستزيد من معدلات التضخم من 10 إلى 16%، وارتفاع ‏الدين العام في وقت عجز الموازنة العامة.‏