رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏"نزيف على أشواك التقشف".. الكويت آخر المنضمين لقائمة "ربط الحزام".. "السعودية" اتخذت 4 ‏قرارات اقتصادية صعبة.. ومصر دخلت منطقة الخطر بـ"تعويم الجنيه"‏

جريدة الدستور

طريق طويل من التقشف والقرارات الصعبة، سارت فيه الدول العربية تباعًا منذ بدء ربيع ثوراتها في ‏‏2011 وحتى الآن، لم يعاني منها سوى البسطاء من الشعوب الذين سددوا فاتورتها الغالية من جيوبهم، ‏حتى باتت سياسة ربط الحزام أشبه بالدوامة التي تبتلع كل يوم دولة جديدة، وتتقلب الشعوب على أشواكها.‏

‏"معنى التقشف"‏
بداية.. يشير مصطلح "التقشف" في‎ ‎علم الاقتصاد إلى السياسة الحكومية الرامية إلى خفض الإنفاق، وسد العجز في الموازنة العامة، وغالبًا ‏ما يكون ذلك من خلال تقليص الخدمات العامة، ويرافقه زيادة في الضرائب المفروضة‎.‎

أما معنى المصطلح سياسيًا، فهو برنامج حكومي ذو طابع اقتصادي، يستهدف الحد من الإسراف من زيادة ‏الإنفاق على السلع الاستهلاكية وتشجيع الادخار، والعمل على مضاعفة الإنتاج، علاجًا لأزمة اقتصادية ‏تمر بها البلاد، ومعناه العام هو صعوبة العيش وسد الاحتياجات.‏

‏"تجارب سابقة"‏
وعرف العالم سياسة التقشف منذ القدم، حيث سارت عليه العديد من الدول مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا ‏والمغرب والجزائر والسودان واليونان وقتما عانت من مشاكل اقتصادية، إلا أن الدول العربية انضمت لها ‏مؤخرًا خلال الست سنوات الماضية، وهناك أيضًا دول تطبق نهج التقشف إجباريًا، بسبب ظروف وويلات الحروب التي تعاني منها مثل ‏العراق وليبيا وسوريا واليمن ولبنان.‏

‏"الكويت"‏
تعد الكويت أول وآخر المنضمين لقائمة "ربط الحزام" من الدول العربية، فرغم أنها من الدول النفطية التي ‏يحظى النفط بـ93% من عائداتها، إلا أن سياسة التقشف التي انتهجتها الحكومة الكويتية فرضت نفسها مؤخرًا ‏على الانتخابات التشريعية المقرر اجراؤها خلال آواخر نوفمبر الجاري.‏

وبدت حملات المرشحين للانتخابات فقيرة للغاية، ولم تعتمد على أي مظاهر للبذخ والإسراف، وجعل ‏المرشحون قضية التقشف على رأس برامجهم النيابية، وأعلنوا أنهم سيواجهون رغبة الحكومة في لم شمل ‏الاقتصاد من جيوب المواطنين.‏

وكانت الكويت من أوائل الدول التي انتهجت سياسة التقشف مع تدهور أسعار النفط، وحدوث عجز في ‏الميزانية قدره 13،7 مليار يورو في السنة المالية 2015/2016، بعد 16 سنة متتالية من تحقيق فوائض ‏كبيرة.‏

وبدت مظاهر التقشف في سعي الحكومة لخفض النفقات الحكومية وزيادة الدخل عبر وسائل غير نفطية بهدف تنويع ‏الاقتصاد، وقامت برفع أسعار خدمات الماء والكهرباء والبنزين، وتحرير أسعار وقود الديزل ‏وزادت أسعار البنزين من 40% إلى 80%؛ ما أدى إلى أزمة سياسية، وحل البرلمان في أكتوبر ‏الماضي والدعوة إلى انتخابات جديدة. ‏

‏"السعودية"‏
وهبت عواصف رحلة التقشف على السعودية أيضًا، التي أخذت اجراءات اقتصادية صعبة، ضغطت على ‏الشعب والحكومة معًا، بدأت من خلال تقليل مرتبات الوزراء وموظفين حكوميين والميزات المخصصة ‏لهم‎ بنسبة 20% ووضع حد أقصى على العطلات والخدمات الأخرى للموظفين‎.‎

وشملت الاجراءات الصعبة أعضاء مجلس الشورى، الذين تقرر خفض مكافآت نحو 160 شخصًا، ‏والإعانات المخصصة لهم لأغراض السكن، ومن المقرر أن يتم تخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء ‏والماء وبعض السلع الاساسية الأخرى وربما الغائه كليًا، مطلع العام المقبل.‏

وتدرس المملكة أيضًا إمكانية فرض ضرائب على الدخل والتحويلات الخارجية بالنسبة للأجانب، وزيادة ‏بعض الرسوم على تجديد الإقامات ورخص القيادة والخدمات البيروقراطية الرسمية الأخرى، بعدما ‏وصلت نسبة العجز في الميزانية إلى 20 %.‏

‏"تونس"‏
وترقد تونس حاليًا على نوع من الغضب المكتوم، الذي قد يتأجج بسبب سياسة التقشف التي انتهجتها ‏حكومة "يوسف الشاهد"، وقدمتها للبرلمان مؤخرًا من أجل إقرارها، وتعتزم بها زيادة الضرائب، وفرض ‏أخرى استثنائية بنسبة 7.5% على الشركات كوسيلة من قبل الحكومة لزيادة الإيرادات.

وإزاء ذلك التقشف المدقق، نظم أحزاب كثيرون خلال الفترة الماضية تظاهرات للتنديد بالميزانية‎ ‎التقشفية، ‏التي تتضمن إجراءات سوف تهييء التربة لانفجار اجتماعي محتوم، مهددين بالدخول في اضطراب عام، ‏لتجميد الزيادة في الأجور.‏

‏"قطر"‏
ومن البذخ إلى ربط الحزام، سارت قطر كسائر الدول العربية، على نهج التقشف البين في موازنتها ‏الجديدة، التي حوت خطة لترشيد النفقات وتقليل المصروفات لعدة قطاعات حكومية مع رفع أسعار النزين ‏بنسب زادت عن 30 ٪، وعدم اعتماد مبالغ مالية في الموازنة الجديدة لبنود مثل مكافآت وأجور العمل ‏الإضافي.‏

ونفذت قطر من باب المحروقات لتقليل الإنفاقات، حيث قررت رفع أسعار البنزين بنسب تتراوح بين 30 ‏و35٪، وكان اقتصاد الدوحة قد تراجع نموه هذا العام حيث وصل إلى 3.7%، عن العام الماضي الذي ‏كان فيه 4.1%.‏

‏"الإمارات"‏
أما الإمارات، التي كان ولازال اقتصادها نموذج مثالي يحتذى به، فقد لجأت إلى تحرير أسعار الوقود، واعتماد آلية للتسعير وفقًا للأسعار العالمية، وقامت أيضًا بعض الشركات الحكومية بتسريح آلاف العاملين بهدف ألا تثقل هذه الشركات كاهل ‏الميزانيات العامة إذا استمرت أسعار النفط منخفضة لسنوات عديدة.‏

‏"مصر"‏
وأخيرًا مصر التي دخلت منطقة الخطر مؤخرًا ضمن سلسلة من الاجراءات التقشفية التي أخذتها مطلع ‏العام الحالي، بسبب أزمة الدولار وتضرر السياحة وتراجع إيرادات قناة السويس، التي دفعتها إلى مزيد ‏من التقشف.‏

بداية.. قررت القاهرة ترشيد وخفض الإنفاق في جميع الوزارات والمصالح الحكومية والشركات ووحدات ‏الجهاز الإداري للدولة بنسبة تصل إلى ٢٠%، دون المساس بالأجور والرواتب والموازنة الاستثمارية، ‏وخفض التمثيل الخارجى في البعثات التابعة للوزارات بنسبة ٥٠%.‏

‎وقلصت‎ ‎أيضًا ‎الدعم الموجه لبعض القطاعات الخدمية كالمياه والكهرباء ورفع أسعار الوقود والطاقة والدواء وبعض السلع الأساسية، ‏وأخيرًا كان قرار البنك المركز بتحرير سعر صرف العملة، بما يعرف بتعويم الجنيه، من أجل سد عجز ‏الموازنة العامة، تطبيقًا لشروط صندوق النقد الدولي.‏