رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"كارثة".. تعويم الجنيه يُغرق "الطبقة المتوسطة".. "ميزان المجتمع" مهدد بالتآكل ويُنذر بانهيار اقتصادي قريب.. ‏أرقام خطيرة تكشف تراجع نسبتها في مصر.. وخبراء يحددون 4 مخاطر حال اختفائها

جريدة الدستور

لاحق القرار الصعب الذي اتخذه البنك المركزي، يوم الخميس الماضي، 3 نوفمبر، برفع يده عن الجنيه وتعويم ‏سعر صرفه في البنوك، وتحرير سعر صرف الدولار، تخوفات عدة، من زيادة متفاقمة في الأسعار، وثقل وطأة المعيشة على المواطن، إلا ‏أن الأخطر وما حذر منه كثيرون هو قرب اختفاء الطبقة المتوسطة الذي يشي بكارثة اقتصادية قريبة.

الطبقة المتوسطة هي بمثابة صمام الأمان لأي مجتمع، لكونها عامل مهم في حفظ الاعتدال الطبقي، بل أن ‏البعض يرى أن أهميتها تكمن في زيادة حجمها، مما يجعلها مركزًا رئيسيًا وسطيًا في الحراك المجتمعي، ‏بين طبقة من الأثرياء المتفرجين، وطبقة من المعدومين المطحونين.‏

‏"ماهي الطبقة المتوسطة؟"‏

بداية.. فإن الطبقة الوسطى تطلق على فئة في المجتمع تقع وسط الهرم الاجتماعي، أي أنها الطبقة التي ‏تأتي اقتصاديًا و اجتماعيًا بين‎ ‎الطبقة العاملة و‎الطبقة العليا، وتختلف مقاييس تحديدها ‏باختلاف الثقافات والمجتمع ذاته‎ .‎

وفي تعريف آخر، فإن البعض يرى أن المجتمع ينقسم عادة إلي ثلاث طبقات رئيسية، تأتي علي رأسها ‏الطبقة العليا الغنية، في حين تقبع أسفل الهرم الاجتماعي الطبقة الدنيا الفقيرة، وتتوسطهم الطبقة ‏الوسطى، التي تمتلك قدرًا محدودًا من الأموال يمكنها من الحصول حياة متوسطة.‏

‏"أهمية الطبقة الوسطى"‏

تنطوي أهمية الطبقة الوسطى، على الدور الذي تلبعه في المجتمعات، حيث تساعد على إحداث التوازن ‏الاقتصادي والاجتماعي، كما أن وجودها وانتعاشها واتساعها مرتبط بانتعاش الاقتصاد ‏ونموه؛ باعتبارها مصدرًا أساسيًا لاستمرار الإنتاج والاستهلاك والاستثمار‎.‎

كما أنها تعتبر حلقة الوصل بين كل من الطبقتين العليا والدنيا، وتلعب دورًا هامًا في تحقيق العدالة ‏الاجتماعية من خلال مسئوليتها عن النسبة الأكبر من الأعمال الخيرية والتطوعية لأنها أكثر اختلاطًا ‏بالطبقات الدنيا، ومن ثم في منع الجرائم وتحقيق السلم الاجتماعي‎.‎

وهناك ضرورة مُلحة في ظل الغلاء العالمي الفاحش وتزايد الحاجة إلى وجوب الحفاظ على الطبقة ‏المتوسطة، التي بدأت الدراسات تشير مؤخرًا إلى تآكلها في بعض البلدان العربية؛ نتيجة الظروف ‏الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة.

‏"نشأتها في مصر"‏

خلال النصف الثاني من القرن الـ19، حين شهد وقتها المجتمع تغيرًا ‏كبيرًا في الظروف السياسية والاقتصادية، وتحول الملكيات من الزراعية إلي الفردية، وسجلت تلك الطبقة ‏أول ظهور لها على الصعيد السياسي في الحركات المناهضة لسيطرة الأغنياء.‏

وبدأت في الانتشار خلال القرن الماضي، مع دخول أبناءها لمجالات التعليم، والالتحاق بالكليات ‏العسكرية، فضلَا عن مرحلة التأميم، وتوسيع قاعدة ملكية رأس المال في المشروعات المختلفة، وقوانين ‏الإصلاح الزراعي، والتزام الدولة بتعيين الخريجين‎.‎

ووفقًا للتقسيم السابق لطبقات المجتمع؛ فإن الطبقة العليا في المجتمع المصري تضم أساتذة الجامعات ‏والمديرين، وأصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين، بالإضافة إلي كبار ضباط القوات المسلحة ‏والشرطة، والمتوسطة تشمل كل من يعمل في الوظائف الإدارية والفنية والإشرافية في الوزارات، وأخيرًا ‏الطبقة الدنيا التي تضم صغار الموظفين في الوظائف الكتابية ومكاتب الصحة والمستشفيات.‏

‏"مشاكلها في مصر"‏

تواجه الطبقة المتوسطة مشاكل عدة في مصر منذ ثورة 25 يناير، رصدها تقرير لمركز "بيو" الأمريكي للأبحاث، وحددها في: ‏‏"غلاء الأسعار للسلع والخدمات الأساسية، انخفاض القيمة الشرائية للجنيه نتيجة انخفاض قيمته أمام ‏الدولار، انخفاض مستوي الدخل، عدم وجود بدائل استثمارية تحقق الربح الآمن والمعقول".‏

‏"خطورة اختفاءها"‏

أما عن خطورة اختفاءها، فيؤكد باحثون أن اختفاءها يجعل الأوضاع الأمنية والاجتماعية مضطربة وقابلة ‏للانفجار، ويجعل الأحوال المدنية في خطر ويرفع معدلات الجريمة، فمن دونها لا يمكن ‏للمجتمعات النهوض وفق هيكل اجتماعي حضاري تقدمي.‏

وأرجع الباحثون السبب في ذلك إلى وجود الطبقة البرجوازية المشغولة بجمع ثرواتها، والطبقات ‏المعدومة التي تصارع من أجل الحياه، مما يدفع أبناء الطبقة المتوسطة للمغامرة من أجل العيش ولو ‏بارتكاب الجرائم، وفقًا لدراسة نشرتها صحيفة "الشرق ‏الأوسط" السعودية خلال 2016.‏

‏"أرقام خطيرة"‏

وبلغة الأرقام، فإن الطبقة المتوسطة تتآكل بشكل كبير في الدول العربية، وخاصة مصر، وفقًا لتقرير نشره ‏بنك "كريدى سويس" العام الماضي عن‎ ‎الثروة حول العالم، أكد فيه أن توزيع الثروات في مصر غير ‏عادل، وأن الطبقة المتوسطة في مصر اضمحلت بشكل كبير حتى وصلت إلى 5%.‏

وفي تقرير آخر لمركز "بيو" للأبحاث، فإن حجم الطبقة الوسطى بالدول العربية، بدأ يتقلص خلال عام ‏‏2011، من 47.3% إلى 45.1%، رافقه إزدياد حجم شريحة الفقراء من 39.5% إلى 52.9% ، وإن ‏حجم فئة الميسورين تراجع أيضًا إلى 10.3% بعدما كان 13.3%.

وكان لمنظمة الأمم المتحدة احصائية أخرى أكثر خطورة، كشفت فيها أن أكثر من 28 مليون مواطن مصري تحت ‏خط الفقر، و20 مليونًا يقتربون من النزول تحت خط الفقر، مما يعمق أزمة الطبقة المتوسطة.

‏"كَفَّتي المجتمع"

وعن تأثير اختفائها، يرى الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماعي السياسي، أن الطبقة المتوسطة هي المسؤولة عن إحداث ‏نوع من التوازن بين كفتي المجتمع، وتحفظ لهم التأرجح والتباين الكافي، مشيرًا إلى أنه حال اختفائها؛ يصبح هناك عالمًا ‏مستبدًا ثريًا، وآخر تعيس معدوم، وثالث يبحث عن حقه حتى لو بارتكاب الجرائم.‏

ويوضح أن الطبقة الوسطى أكثر الطبقات المجتمعية تأثرًا ومعاناة من التحولات الاقتصادية والسياسية ‏والاجتماعية وتعتبر نموذجًا ودليلًا على المجتمع المثالي، واختفاؤها يعد دليلًا على فشل خطط التنمية، ‏واتجاه المجتمع نحو الاضطراب الاجتماعي.‏

‏"4 مخاطر"‏

وعن مخاطرها يحدثنا المستشار أحمد خزيم، الخبير الاقتصادي، الذي حذر من فكرة اختفاء الطبقة ‏المتوسطة تحت وطأة غلاء الأسعار، مؤكدًا أن الحكومة لم تحسب تبعات القرارات الاقتصادية الصعبة ‏التي اتخذتها بدعوى الاصلاح، ما أدى إلى انزلاقها نحو كارثة أكبر وهي قرب اختفاء تلك الطبقة مع استمرار ‏العجز في الموازنة. ‏

وتوقع، أن يتم القضاء عليها بشكل تام، قريبًا، مؤكدًا أنها تحدث نوعًا من التوازن بين طبقات المجتمع، واختفاؤها؛ ‏يمحي هذا التوازن، ويزيد معدلات الجريمة بسبب محاولة الطبقة المتوسطة استعادة توزانها من جديد، ‏فضلًا عن إحداث نوع من الصراع الخفي بين الطبقات المعدومة والأخرى فاحشة الثراء بسبب اتساع ‏الفجوة بينهم.‏