رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات الإعلام فى عصر العولمة


هل يتحدث الإعلاميون العرب مع أنفسهم فقط ولا يضعون اعتبارا للآخر خارج نطاق الفضاء العربى؟ للإجابة على هذا التساؤل لابد أن نعترف فى البداية أن الإعلام يواجه تحديات نتيجة تطورات هائلة حدثت فى وسائط الاتصال الجماهيرى، حيث أصبح العالم كما لو كان قرية صغيرة الأمر الذى أدى إلى إلغاء عامل البعد الجغرافى الذى كان حتى سبعينيات القرن الماضى يمثل عائقا أمام متابعة المتلقى للأحداث الجارية بشكل آنى ومن ثم يفرض هذا الوضع أسلوبا لما يجب أن يسلكه إعلامنا العربى عند نقل رسائله إلى الآخر.

وحتى نتفهم ذلك نطرح مقاربة تاريخية فى شكل نظرة على مراحل تطور الإعلام فى عالمنا العربى، ودعونا نقول إنه مع بداية توظيف الأقمار الإصطناعية فى نقل الأخبار فى أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين حقق الإعلام طفرة نوعية فى عالمنا العربى فقد كان مجرد نقل مباريات كأس العالم «على الهواء» لكى يتابعها مشاهدو التليفزيون فى مختلف قارات العالم إنجازا فى غاية الإثارة وهو ما يعتبر ثورة اتصالية يقاس عليها تطورا آخر لحق بنشرات الأخبار التى كانت تعتمد على مصادر محدودة فى بث الأحداث الدولية والتى تأتيها متأخرة على الأقل 48 ساعة منذ وقت حدوثها وكانت وكالة «فيزنيوز» الأكثر انتشارا فى نقل الأخبار بواسطة أفلام 16 مللميتراً يتم إرسالها بالطائرات الى كثير من الدول العربية التى كانت محطاتها المتلفزة مشتركة فى هذه الوكالة التى تحولت فيما بعد إلى وكالة «يوبى تى إن» التى تعد واحدة من أكبر وكالات الأنباء المصورة على مستوى العالم.

وبالطبع لو طبقنا معايير الخبر بمفهومها الحديث على هذه النوعية من الأخبار سوف نجد أنها بعيدة كل البعد عن كونها أخبارا إلا إذا اعتبرنا معرفة المتلقى للخبر للمرة الأولى معيارا يجعل الخبر جديدا بالنسبة له، غير أن الصحف الورقية كانت أكثر سرعة وسبقا فى نقل الخبر عن التليفزيون فى ذلك الوقت وكذلك الإذاعة المسموعة «الراديو» نجد أنها ظلت حينئذ الوسيلة الأكثر سرعة وسبقا من الصحف والتليفزيون فى نقل الأخبار، ولهذا كانت تصنف الأخبار المصورة المذاعة على أنها قديمة، لأن المتلقى كان قد علم بها من وسائل أخرى، وإن كان يرى صورتها المتحركة للمرة الأولى مثل وقوع انقلاب فى بلد ما أو حدوث زلزال مدمر فى بلد آخر أو حتى مقتطفات من مباراة لكرة القدم كانت قد أقيمت قبل يومين او ثلاثة.

لهذا عندما شهد العالم ثورة الأقمار الاصطناعية انتقل إلى مرحلة جديدة بدأت فى العالم العربى بالقمر الأوروبى التابع لاتحاد الإذاعات الأوروبية «يوروفيزيون» والقمر الفرنسى الذى كان يتم بثه مجانا للمنطقة العربية ويسمى «سيمفونى» وإن كان هذا الأخير ينقل قصصا دعائية وأحداثا تعكس الثقافة الفرنسية أكثر منها أحداثا جارية، وفى أواخر الثمانينيات حدثت ثورة جديدة فىالاتصال الجماهيرى انتقلت إلى العالم العربى فى السنوات اللاحقة وهى المرتبطة باستخدام الحاسوب فى العملية التحريرية ولم تعد غرفة تحرير الأخبار تستخدم «التيكرز» للحصول على الأخبار من وكالات الأنباء، إنما ظهرت نظم إلكترونية تساعد المحرر كى تكون بين يديه مصادره ومن خلال حاسوبه «الكمبيوتر» يقوم بتحرير وصياغة الأخبار .

وفى مرحلة لاحقة أصبح لديه إمكانية مشاهدة المادة المصورة المصاحبة للخبر وبالتالى أتيحت له فرصة القيام باختيار الصور المناسبة للخبر وهو ما يعرف بالمونتاج أو تصميم جرافيكس فى حال تعذر وجود صورة متحركة مصاحبة. وفى القرن الحادى والعشرين ومع اتساع استخدام شبكة المعلومات الدولية «الإنترنت» ظهرت نظم أكثر تقدما فى إنتاج الأخبار منها نظام يسمى الإنتاج الإلكترونى للأخبار أو ENPS وغيره من النظم التى كونت غرف الأخبار الحديثة ووفرت هذه النظم فى الجهد والوقت وعدد العاملين، فضلا عن الدقة المتناهية من الناحية التقنية والتحريرية.

وفى الوقت نفسه وفرت تقنيات الصورة الحديثة صورا فائقة الوضوح «HD» فى إطار عصر الديجتال أو العصر الرقمى حيث ساعدت الرقمنة على الاستغناء عن الشرائط وتم الاحتفاظ بكل المواد التحريرية والمرئية على خادم SERVER ينقل نشرة الأخبار من صالة التحرير إلى استوديو الهواء فى لمح البصر وارتبطت غرفة الأخبار على مدار الساعة ببث حى من وكالات الأنباء المصورة التى تنقل الحدث أينما كان لحظة وقوعه بشكل مباشر، ما أزال الحواجز الزمنية والمكانية وحول العالم -كما أسلفت- إلى قرية إلكترونية صغيرة وساعد أيضا على سرعة الإنجاز وجود معدات تقنية جديدة تختزل سيارات النقل الخارجى الضخمة إلى سيارات صغيرة تعمل بنظام رقمى مثلما النظام الموجود فى اتحاد إذاعات الدول العربية المعروف باسم «مينوس»، ويجرى أيضا استخدام أجهزة النقل الحى الصغيرة التى تسمى «تى فى يو» وأصبح حجم الكاميرات أصغر وأخف وزنا كما ظهرت تطبيقات على الهاتف النقال تنقل بثا حيا إلى محطات التليفزيون، ما أدى الى ظهور ما يعرف بـ«صحافة المواطن»، حيث أصبح فى إمكان أى شخص أن يكون مراسلا فى أى لحظة عند وقوع الحدث!!.

وهكذا أدت كل هذه التطورات التى شملت العالم والوطن العربى على وجه الخصوص منذ بداية القرن الحالى وحتى الآن إلى جعل الإعلام العربى يعيش حتمية مواكبة كل الأحداث الدولية لحظة بلحظة شاء أم أبى، لأن الإعلام بات مرآة حية يجب أن تنقل الصورة فى اتجاهين:

الاتجاه الأول صورة تنقل العقل والفكر العربى إلى العالم بلغاته.

والاتجاه الآخر صورة تنقل العالم مهما بعدت أصقاعه إلى المواطن العربى من المحيط الأطلسى إلى الخليج العربى. وفى اعتقادى أنه أضحى من الضرورى أن يعاد النظر على مستوى الحكومات والشعوب العربية بما فى ذلك التنظيم الإقليمى العربى المتمثل فى جامعة الدول العربية فى كيفية التعاطى الفاعل مع الإعلام الخارجى لأنه يمثل التحدى الأكبر عند النظر إلى فكرة «المصالح العربية»، ولهذا تبرز قضية الاهتمام بمحتوى ما يقدمه الإعلام العربى على شاشات التلفاز - خاصة الموجه إلى الآخر - لأن ما يقدم يجرى ترسيخه فى الأذهان وعندما يعاد توظيفه من قبل هذا الآخر ويترجمه إلى سياسات تفرضها اعتبارات المصالح يتأكد أن على صانع القرار الإعلامى فى عالمنا العربى أن يقف أمام تحديات يجب مواجهتها، لأنها تتجسد اليوم فى فضاءات مفتوحة تعنون تحت اسم «عصر عولمة الإعلام»!!