رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معاهدة كامب شيزار


لماذا يوافق المصريون والصهاينة على معاهدة كامب ديفيد وتوقف كل منهما عن شن حروب جديدة ضد الطرف الآخر؟

لأن مصر أدركت أن الواقع الدولى والمحلى والعربى لن يمنحها فرصة إلقاء إسرائيل فى البحر، ولأن إسرائيل فهمت أن حلم إنشاء دولة من النيل إلى الفرات يستحيل تحقيقه فى الوقت الراهن، وربما لا يتحقق فى أى وقت آخر، من هنا وافق الطرفان على معاهدة كامب ديفيد وقررا التوقف عن إهدار المزيد من الأرواح والأقوال فى حروب عقيمة لن ينتصر فيها أحدهما ولن يتمكن أى منهما من تحقيق أهدافه الاستراتيجية الراديكالية المعلنة أو غير المعلنة.

هذا الوضع يتشابه مع ما يحدث فى مصر هذه الأيام، انقسمت البلاد إلى فريق من الأحزاب والجماعات الدينية يحارب فريقًا آخر من التيارات السياسية المدنية، الفريق الأول يقول إن تطبيق شرع الله هو هدفه الأسمى، وإن تحقيق هذا الهدف يستحق الاستشهاد من أجله ويجوز تدمير الدولة بأكملها وحرق الكفار والملاحدة إلى أن يتم التمكين لدين الله والفريق الثانى يقول لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين، ويطالب باستبعاد الأحزاب الدينية وخلع الرئيس الحالى واعتقال كل قيادات التيارات الدينية وتحويل مصر إلى دولة علمانية مدنية عصرية.

مدنية عصرية بصرف النظر عن توجهاتك الشخصية إن كان لسيادتك توجهات - فإنك لابد أن تتفق معى فى أن الواقع الحالى لا يسمح لأى فريق من الفريقين بتحقيق كل ما يتمنى الإسلاميون لا يمكن بحال من الأحوال نجاحهم فى فرض الشريعة الإسلامية على كل الشعب المصرى، ولا يمكنهم الحصول على تأييد مطلق من المصريين فى أى انتخابات قادمة، ولا يمكنهم الانتصار على الفريق الآخر لو قرروا مواجهته فى حرب أهلية أو حرب شوارع أو حتى مظاهرات صاخبة ومليونيات خائبة واعتصامات لا طائل من ورائها.

الفريق المدنى الليبرالى اليسارى لا يستطيع هو الآخر حذف الجماعات الإسلامية من أجندة الوطن هم واقع مرير لا يمكن تجاهله، وهم نتاج سنوات وعقود طويلة من الاستبداد السياسى والتخلف الثقافى والاقتصادى والاجتماعى والفكرى، لا يمكن الآن شن حرب أهلية ضدهم حتى لو انتصر فيها أتباع الدولة المدنية، ولا يمكن إعادتهم إلى السجون والمعتقلات والعزل السياسى حتى لا يتعاطف معهم البسطاء والأغنياء مرة أخرى.

يستحيل حاليًا أن ينتصر الليبراليون على الإسلاميين أو العكس، ويستحيل أيضًا نجاح أى منهما فى تحقيق كل أهدافه، ويستحيل كذلك انفراد أى منهما بحكم البلاد وحده حتى لو حصل على أغلبية مطلقة فى الانتخابات البرلمانية، وحتى لو أسكت الطرف الآخر فى صراع الشوارع والميادين.

الحل الآن أن يتفق قادة الطرفين على عقد معاهدة سلام لمدة ثلاثين سنة على غرار معاهدة كامب ديفيد، ويتوقف كل طرف عن الشتائم والبذاءات والمعارك ضد الطرف الآخر، ويرتضى كل منهما بنتائج الانتخابات التى يراقبها مندوبون بأعداد ونسب متساوية من كلا الطرفين، وحتى نضفى على المعاهدة الطابع الشعبى نقترح على الإسلاميين والليبراليين توقيعها فى مؤتمر شعبى بمنطقة كامب شيزار بالإسكندرية، وحتى يكون النصف الأول من اسم هذه المعاهدة والنصف الثانى من جوهرها متفقًا مع معاهدة كامب ديفيد