رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشريعة.. والزراعة المنسية فى تنمية مصر


قلت بالحجة والمنطق إذا كانت دائرة اختياراتكم متسعة فلماذا اخترتم أخوين من أسرة واحدة فى حالة لا تحدث فى أى بلد فى العالم، ليكون أحدهم نائبا لرئيس الجمهورية والثانى وزيرا؟ هل نضب ماعونكم؟ وبالمثل أيضا أخوين آخرين أحدهما مستشار الرئيس للشئون الخارجية، والثانى متحدث باسم مجلس الوزراء؟؟!

(1)

فور إعلان نتيجة الاستفتاء على الدستور اتصل بى صديق من تيار الإسلام المتشدد قائلا: مبروك علينا الشريعة؟! قلت: أى شريعة؟ قال: نتيجة الاستفتاء؟! رددت: ولكننا استفتينا على دستور لمصر وحدها ولم نستفت على الشريعة أو دستور للعالم الإسلامى، قال المادة 129 المفسرة للمادة الثانية من الدستور لقد وضعناها من أجل تطبيق الشريعة والحكم بما شرع الله! قلت أولاً استفتينا على 236 مادة ولم نستفت على مادة واحدة وهذه المادة على الأخص ومعها نحو إحدى عشرة مادة أخرى موضوع خلاف حاد بين تيار الإسلام السياسى وجميع التيارات المدنية والاجتماعية الأخرى وهى التى وعد الرئيس بالنظر فى التعديلات عليها جميعا وتقديمها إلى مجلس الشعب القادم لتغييرها. قاطعنى الصديق الملتحى قائلا: لن نغيرها وستكون لنا الغلبة داخل مجلس الشعب القادم وستظل هذه المادة راسخة فى الدستور دون تغيير!

قلت تصبح واهماً يا صديقى إذا أجزمت من الآن بأن التيار الإسلامى سوف يحقق أغلبية فى مجلس الشعب القادم فقد رأيتم نسبة الحضور المتدنية التى لم تتجاوز 30% من إجمالى عدد الناخبين الذين لهم حق الانتخاب وهذا يعنى ببساطة أن حجم التيار الإسلامى يمثل نصف هذا الرقم أو أكثر قليلا لأن جميع أفراد التيار الإسلامى صوتوا جميعا أما التيارات المدنية والاجتماعية والتحررية واليائسون من صلاح الأحوال وهم يمثلون أكثر من ثلثى القوة الانتخابية فلم يذهبوا إلى الانتخابات وبالتالى فإن قوة الإسلام السياسى التى تدهورت خلال عام واحد فقط بسبب التلهف على السلطة واستعجالها قبل بناء مصوغات ومؤهلات الحكم وتربية الكوادر اللازمة للقيادة فى مختلف المجالات الصناعية والزراعية والسياسية والتجارية والعقارية والسياحية والتعليمية ومختلف أوجه النشاط.

فقد كان قراركم الأول بعدم الترشح لمنصب الرئاسة هو القرار الصحيح ولكن الطمع فى السلطة والإمساك بمقاليد الأمور قبل الأوان جعلكم تخسرون كثيرا فحتى مؤيدوكم من التيارات المدنية الذين تفاءلوا خيراً بحكم الجماعة تبين لهم أنهم كانوا مخطئين تماما، فالجماعة لا تعمل إلا لصالحها فقط ثم لبقية التيارات المشابهة ولكن ليس لجموع الشعب المصرى، فقد تأكدتم وتأكد الشعب المصرى من أن دائرة اختياراتكم ضيقة للغاية؟! قاطعنى الصديق قائلا: بل نتغلغل فى جميع مستويات وفئات الشعب المصرى ونمتلك من الكوادر أكثر مما تتصورون!

قلت بالحجة والمنطق إذا كانت دائرة اختياراتكم متسعة فلماذا اخترتم أخوين من أسرة واحدة فى حالة لا تحدث فى أى بلد فى العالم، ليكون أحدهم نائبا لرئيس الجمهورية والثانى وزيرا؟ هل نضب ماعونكم؟ وبالمثل أيضا أخوين آخرين أحدهما مستشار الرئيس للشئون الخارجية، والثانى متحدث باسم مجلس الوزراء؟؟!، ثم انظر العريان والبلتاجى فى الرئاسة والحزب والشورى والصحافة وحقوق الإنسان والتأسيسية، وشابكم المعجزة «بكار» لا يصدر قرار واحد من رئيس الجمهورية لا يتضمن اسمه فشاب دون الثلاثين وضع فى الشورى والمجلس الأعلى للصحافة وكلاهما مجلسان للحكماء وشيوخ الخبرة وليسا للشباب.

ثم حقوق الإنسان التى لا يعرف عنها إلا القليل بحكم سنه الصغيرة ومن قبلها تأسيسية الدستور وهكذا باقى الأسماء جميعها ذات انتماء واحد أو من الموالين والمؤيدين لهذا الاتجاه ثم تدعى بعد ذلك بتنوع قيادتكم وامتلاكم الخبراء فى جميع المجالات؟؟!! دائرتكم محدودة واختياراتكم متكررة وتخشون من يأتى من خارجكم بل وتتربصون به، وعليكم أن تعتبروا طبقا لنتيجة الاستفتاء بأن نسبة الحضور التى مثلت 30% فقط من إجمالى أعداد الناخبين تعنى أن قوتكم التصويتية وأتباعكم يتراوحون بين 15 و20% فقط من إجمالى من لهم حق التصويت وبالتالى فلن تحققوا الأغلبية فى انتخابات مجلس الأمة القادم وسيتوقف الأمر على تحالف باقى القوى واتحادهم لفقدكم جميع المتعاطفين معكم خلال الأشهر الست الماضية بسبب سياستكم المتحيزة لفصيل واحد فقط.

(2)

لم أستغرب كثيرا من عدم وجود زراعى واحد فى مجلس شورى مصر الزراعية ضمن المعينين بقرار من الرئيس، فالتشدق بكوننا بلدا زراعيا ويحكمه رئيس من الريف فرقعة فى الهواء فقط ولا تعكسها قرارات تمس واقع الشعب المصرى الذى تصل نسبة الريف فيه إلى 60% مقابل 40% للحضر وبالتالى فمشاكل أهل الريف وقطاعهم الزراعى دائما ما تهز أركان البلد. وكالعادة فى رؤساء النقابات العامة فى مصر تم تضمين أسمائهم فى المعينين بالشورى ولم يتضمن نقيب الزراعيين ولا أى أستاذ عالم واحد من كليات الزراعة الثمانى عشرة أو مراكز البحوث الزراعية التى تملأ أركان البلد، ولا حتى نقيب الفلاحين ولا ممثل عنهم ليتم إقصاء القطاع الزراعى بأكمله من تعيينات السيد الرئيس فى المجلس. وبالمثل أيضا لم ترد عبارات تحصين مياه نهر النيل وتجريم التلوث دستوريا والنص على مسئولية رئاسة الدولة على الحفاظ على جريان النيل من الجنوب إلى الشمال والحفاظ على تدفق جريانه لتكون رسالة واضحة إلى دول منابع النيل بأن الدستور المصرى لا يسمح بنقص مخصصات مصر من المياه التى ترد إلى مصر منذ آلاف السنين دون فضل أو منع من أحد.

(3)

الدراسات الزراعية التى قدمناها للدولة ونشرناها فى كتبنا تشير إلى إمكانية تحقيق مصر للاكتفاء الذاتى الفورى فى خمس سلع استراتيجية نستوردها جميعا من الخارج وهى الذرة الذى أصبحت مصر رابع أكبر مستورد له فى العالم بكمية 5.2 مليون طن سنويا، ثم الفول والعدس والسكر وزيوت الطعام، ومحسوب تماما المساحات المطلوبة لتحقيق ذلك وجميعها متوافرة داخليا وفى الأراضى القديمة والمستصلحة دون أعباء استصلاح جديدة، ثم الوصول بالاكتفاء الذاتى من القمح إلى 80% من استهلاكنا بدلا من 30% فقط حاليا بعد أن وصلت وارداتنا منه إلى 11 مليون طن من إجمالى 15 مليون طنا نستهلكها. وبالمثل نهضة فى الثروة الحيوانية التى تدهورت من 16 ألف رأس إلى ثمانية آلاف فقط ومنها نتغلب على فجوة الألبان المجففة والزبدة المستوردة.

تخطئ تماما جماعة الإخوان وغيرها إذا تصوروا أن الاستئثار بوزارة الزراعة فى التشكيل الوزارى الجديد يمكن أن يحقق أغراضا انتخابية قريبة بل على العكس سيسبب خرابا كبيرا وعليهم إسنادها ووزارة التموين إلى علماء قادرين على النهوض بهما قبل أن يتسلموهما فالوزارتان فى الحضيض والفترة المتبقية قليلة ومشاكل الأسمدة تتفاقم ومعها مشاكل تسويق القطن والذرة وباقى الحاصلات ثم الرغيف والمطاحن والصوامع والشون المفتوحة. اتركوها للعلماء ليضعوها على الطريق الصحيح أولاً قبل أن تفكروا فى الاستئثار بها لأن صالح مصر هو الأهم.

■ كلية الزراعة جامعة القاهرة