رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر والسعودية صمام أمان الأمة


يعتقد كثير من الناس أن العلاقات بين الدول تشبه العلاقات بين الافراد تحكم آلياتها المواقف والعواطف والتصرفات، والطريف أن البعض يبنى تحليلاته وفقاً لهذا المعنى المخل، حيث يتم القياس والحكم من خلالها على كل الوقائع ودعونا نقول إن هناك عوامل موضوعية تحكم العلاقات بين الدول ونجدها مختلفة عن العلاقات الحاكمة لسلوك الأفراد وتأتى اعتبارات المصالح المشتركة على رأس محددات العلاقة بين الدول حتى ولو اختلفت السياسات وهنا تلعب الدبلوماسية دوراً مهماً دائماً فى فلترة العلاقة من أى شوائب عالقة من آن لآخر وهو أمر وارد فى ظل تزاحم المشكلات الدولية والإقليمية وكم مندول نشبت بينها خلافات بدرجات متفاوتة ثم عادت المياه إلى مجاريها وهذا يحدث بين الدول المتباعدة فما بالكم بالدول المتقاربة والمتكاملة التى يصبح الاتفاق والاختلاف فيها وارداً وهى بالدرجة الأولى أمور طبيعية تحدث بين الأشقاء .

ويمكن القول أيضاً إن هناك استقلالية القرار للدول حتى ولو توحدت الرؤى على المدى الاستراتيجى الطويل الأجل لكن بالطبع يحدث الاختلاف فى وجهات النظر فى المدى القصير والمتوسط ولا يمكن أن ننسى اعتبارات التاريخ التى تؤصل وتوثق ارتباط الدول بعضها ببعض ويؤمن البعد التاريخى تفسيراً لعلاقة الانسجام الطبيعى بين الشعوب قبل الحكومات، وهناك عوامل بعدالجغرافيا الذى يجمع الشعوب رغم الحدود السياسية التى أوجدها الاستعمار ذات يوم وهناك اعتبارات الثقافة والفكر والمستقبل والمصير الواحد ناهيك عن الدين واللغة وكلها عوامل – فى الواقع - تقرب ولا تفرق.

وقد فضلت أن أبدأ بهذه المقدمة للحديث عن العلاقات المصرية- السعودية ليس من باب العليم ببواطن الأمور ولكن من باب أننى عربى قومى مسلم وقارئ جيد للتاريخ، وأزعم أننى أحسن التقدير وكلنا يعلم أن المصرى يعتبر السعودية دوماً وطنه الثانى ليس فقط لأن بها الحرمين الشريفين اللذين تهفو إليهما قلوب المصريين - وإن كان هذا يكفى - ولكن أيضاً لأن الشقيق السعودى هو مصرى الهوى وكم من سعوديين عندما يزورون مصر يخلعون «الزى التقليدى السعودى» لا تفرقهم عن أشقائهم المصريين وبالتالى يصبح من الطبيعى أن يشعر كل سعودى أن مصر وطنه الثانى.

هذا التصور لو دققنا فيه سنجد أنه تحكمه حقائق ممتدة لعشرات السنين منذ تأسيس المملكة العربية السعودية فى بدايات القرن الماضى على يد الملك عبد العزيز آل سعود وحتى عهد الملك سلمان ولن تنسى مصر الوقفة الشجاعة للمغفور له الملك فيصل عندما شارك بسلاح النفط فى حرب أكتوبر 1973 الأمر الذى أسهم فى تحقيق النصر المبين على إسرائيل.

وهنا وجدنا للمرة الأولى معنى حقيقيا للتوحد العربى وقت الأخطار من كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج، حيث ينسى الجميع الخلافات ويقفون وقفة رجل واحد ما يشكل عائقاً أمام الأطماع الخارجية سواء كانت دولية أو إقليمية، ويجب أن نذكر أن أعداء الأمة لم ينسوا أبداً هذا الموقف فى العلاقات العربية العربية عموماً وفى العلاقات المصرية- السعودية خصوصاً وعلى مدى 43 عاماً بدأ مخطط ممنهج لمنع العرب من التوحد مرة أخرى باستخدام كل الوسائل لأنهم استشعروا خطورة أن تكون الأمة العربية قوة فاعلة ومؤثرة فى العلاقات الدولية والعامل الحاسم فى القرارات الإقليمية لدرجة أنه يمكن القول إن أكثر الفترات إشراقاً فى تاريخ جامعة الدول العربية منذ إنشائها فى 22 مارس عام 1945 هى التى التقى فيها العرب على كلمة سواء.

وفى العقود الثلاثة الأخيرة عندما لم تعد القوى العظمى فى العالم تجد عدواً لها بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وانفراط عقد حلف وارسو خلقت عدواً – أى عدو - تحت مسمى مكافحة الإرهاب تارة ومحور الشر تارة أخرى حتى ولو كان عدواً افتراضياً فى البداية بالطبع لتشغيل ترسانات أسلحة هذه القوى ثم لصقه منذ اعتداءات الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 فى كل ما هو عربى أو مسلم أو شرق اوسطى حتى جاء العقد الأول من القرن الحادى والعشرين ليشهد حروباً من نوع جديد يتم فيها توظيف القوى الناعمة بدلاً من القوى التقليدية فى إدارة العلاقات الدولية ومنها بالطبع الإعلام التقليدى والإعلام الجديد أو ما يعرف بـ«السوشيال ميديا» وتأليب الشعوب على بعضها وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية وافتعال الأزمات الحدودية ومحاولة السيطرة على المواردالاقتصادية حتى أصبحت الخريطة السياسية للعالم العربى تحتاج دراسة مفرداتها ومعالمها من جديد وأن ما تشهده سيناء من حرب ضد الإرهاب على سبيل المثال لا الحصر ليؤكد حاجة الأمة إلى التوحد من جديد لأن المستهدف إضعاف الأمة بضربها فى مقتل.

وهذا لن يتم إلا بانتهاء الدور الريادى لمصر والسعودية فى المنطقة ومن ثم يصبح استقرار العلاقات المصرية السعودية وتفعيل دور الدولتين فى الحفاظ على استقرار منطقة الشرق الأوسط والعالم العربى «صمام الأمان» فى مواجهة أى مخطط يستهدف تفتيت الأمة، وأتصور أن الحكومتين فى القاهرة والرياض تدركان أهمية وأبعاد هذه المهمة وعليه يصبح من الضرورى تفويت الفرصة على المتربصين بالبلدين وبعالمنا العربى!!