رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قلاع تتهاوى


قبل ثورة يوليو 52 كانت كلية الحقوق كبرى كليات القمة، وكان خريجوها أول المرشحين للمناصب الوزارية فى شتى الحكومات الوطنية أو الموالية للسراى والإنجليز، وكان غالبية خريجى الحقوق فى ذلك الوقت يجيدون اللغة العربية واللغات الأجنبية ويشاركون فى النشاط السياسى والشأن العام من خلال كل القنوات المتاحة آنذاك.

بعد الثورة حلت كلية الهندسة محل كلية الحقوق، فقد كان عبد الناصر يسعى لتأسيس نهضة صناعية شاملة فى البلاد، وصار المهندسون هم رواد هذه النهضة، وتحول معظم خريجى الثانوية العامة المتفوقين إلى دراسة الهندسة حتى أصبحت الكلية الأولى فى مصر طوال عقد الستينيات، بينما تحولت كلية الحقوق إلى إحدى الكليات الدرجة الثانية أو الثالثة.

بعد النكسة ورحيل عبد الناصر أصيب معظم المصريين بأمراض السكر وضغط الدم والقولون العصبى، فضلاً عن قطاع كبير من إخواننا الريفيين الذين تمادوا فى حب الفنان العظيم عبد الحليم حافظ فانتقلت إليه عدوى مرض البلهارسيا!!

صار المصريون فى عهد الانفتاح العشوائى شعباً يعانى مجموعة واسعة من الأمراض البدنية والنفسية والسلوكية، وتحول شباب الثانوية العامة إلى دراسة الطب والصيدلة، وصارت كلية الطب هى الكلية الأولى فى مصر، وصار كبار الأطباء على قمة هرم الثروة والشهرة، خاصة بعد أن تفاقمت أمراض المصريين فى عهد الزعيم المزمن الذى ورث البلاد من زمليه المؤمن، وأدى إهمال النشاط الزراعى والصناعى إلى انهيار كليات الزراعة وتراجع كليات الهندسة إلى الدرجة الخامسة بعد الطب والصيدلة وطب الأسنان والطب البيطرى.

الآن، وبعد عامين من ثورة يناير، تنهار قلعة أكاديمية أخرى بعد أن ظلت طوال العقود الماضية الحلم الأول لخريجى الثانوية العامة من القسم الأدبى، ففى السنوات القادمة سوف تتحول كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من إحدى كليات القمة إلى إحدى كليات مجموعة القاع مثل الزراعة والحقوق والخدمة الاجتماعية ومعاهد إعداد الفنانين، ففى الوقت الراهن صار كل المصريين خبراء فى السياسة والاقتصاد حتى إخواننا البصمجية الذين لا يحملون شهادة محو الأمية.

تذهب لشراء «ساندويتش فول» فيقول لك البائع إن أحمد شفيق اتفق مع الجيش على خلع محمد مرسى وإعلان فوز شفيق فى انتخابات الإعادة التى زورها الإخوان، تذهب إلى المقهى لتأكل الساندويتش فيقول لك السفرجى: إن عصام العريان طلب من أمريكا صفقة سلاح لميليشيات الإخوان.

تذهب إلى مقر عملك فيقول لك أحد الزملاء إن خيرت الشاطر سيشترى قناة السويس بالاشتراك مع زملاء من قطر وتركيا ثم يكتبها باسم الإخوان!! تعود إلى منزلك فيقول لك البواب إن البرادعى وموسى وشفيق وصباحى سوف يخطفون محمد مرسى خلال الساعات القليلة القادمة! تترك المنزل وتلتقى بزميل محترم وعاقل ومثقف فتفاجأ به يحذرك من المشروع الإسلامى الأمريكى الصهيونى التركى القطرى الذى ستتحول مصر بعده إلى دولة فى سيناء، يسكنها الفلسطينون، وأخرى فى خط القناة تملكها دولة قطر.

وثالثة فى الدلتا والوجه البحرى يملكها الأتراك، ورابعة فى الصعيد لصالح الولايات المتحدة والإخوة الأقباط، أما القاهرة فسوف يحتفظ بها الإخوان والسلفيون، ويتركون ميدان التحرير للثوار، وميدان العباسية للفلول